أخبار

بين مهاجرين متمسكين بالأمل وبريطانيين خطفهم اليأس

حياة وموت تحت سقف بريطاني واحد

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بين من يتحمل الصعاب ليصل حياةً جديدة في بريطانيا، ومن يتملكه اليأس فينهي حياته، مسافة كلمة من ثلاثة حروف: أمل.

لندن: كانت أوروبا، ولا تزال، حلمَ معظم شباب العالم الثالث، خصوصًا العربي، طمعًا في حياة أفضل ومستقبل آمن، بعيدًا عن عنف بلدانهم وويلاتها. ومن أجل ذلك لا يترددون بركوب أمواج الموت، ومواجهة جبروت الطقس وقساوة تجار الهجرة، وهو ما نسمعه في كل يوم عبر وسائل الإعلام من قصص الرعب عن قوارب الموت ومسيرة حياة المهاجرين.

حلم يكبر لديهم يومًا بعد يوم على الرغم من كل تلك التحديات، لكنه يتلاشى لدى أبناء القارة الأوروبية، حيث لا يعيش بعضهم ذلك الحلم، ويقرر إصدار شهادة وفاته بنفسه والانتحار في ظروف متفاوتة.

كيف يرى المهاجر في أوروبا الأمل في الحياة، فيما يرى فيها مواطنوها الموت والنهاية؟ حيثيات وتناقضات معقدة تطرح تساؤلات أكثر تناقضًا وأكثر تعقيدًا.

إحصائيات تتكلم

بلغت نسبة المنتحرين في بريطانيا من المراهقين نحو 4 في المئة من كل مئة ألف مراهق، وترتفع لتصل نحو 47 في المئة من كل مئة ألف عند الذين تعدوا الخامسة والخمسين عامًا، وترتفع لتصل نحو 57 في المئة عند الذين فاقت أعمارهم الخامسة والسبعين عامًا. 

المؤسسة الوطنية البريطانية للتحقيقات السرية لأسباب الانتحار، وبالتعاون مع أكاديميين وخبراء، كشفت عن أن معدل الانتحار لدى السيدات ارتفع بشكل حاد في عام 2015، إذ وصل أعلى مستوياته منذ 20 عامًا، وبلغ 3899 حالة، أي بمعدل 10 في المئة. بينما انخفض معدل الانتحار لدى الرجال بشكل طفيف، إذ بلغ 2997 مقارنة بـ 3020 في عام 2014.

ومع اقتراب نهاية الموسم الدراسي، يعرف قطاع التعليم ارتفاعًا مقلقًا في صفوف المراهقين دون سن الـ 20 الذين يقدمون على الانتحار.

وكانت المؤسسة نفسها أجرت تحقيقات بين يناير 2014 وأبريل  2015 أظهرت انتحار 145 شخصًا تقل أعمارهم عن 20 عامًا. وتابع الباحثون 130 حالة من هذه الحالات، فوجدوا أن بين المنتحرين خمسة أطفال تقل أعمارهم عن 14 عامًا، إضافة إلى 61 شخصًا تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، بجانب 64 مراهقًا تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عامًا.

أسباب الانتحار

يجمع نمط الحياة البريطاني، بشكل عام، بين حب الطبيعة والقرب منها وبين السعي إلى استغلال مواردها بشكل عقلاني ومنظم، من أجل تحقيق الرفاهية للأجيال الحالية والقادمة. والحال أن أغلبية السكان في بريطانيا تحرص على ممارسة التمارين الرياضية واتباع عادات صحية مفيدة، إلى جانب الاهتمام الكبير بتطوير الحس الثقافي والارتقاء الدائم بقيم العدالة والمساواة. 

فلماذا يفضل شباب هذا البلد الموت؟ أم أن ظاهرة الانطوائية والعزلة الاجتماعية المحدودة الناتجة عن أعراض ذلك التطور وتعقيدات المجتمع البريطاني، وخاصة الاقتصادية، تؤدي  إلى  الانتحار؟ وماذا عن صفوف المراهقين؟

مارك سبينسر (20 عامًا)، كما طلب التعريف باسمه، حاول الانتحار مرتين. شرح لـ"إيلاف" ملابسات قراره والعدول عنه قائلًا: "كنت أحس دائمًا بالفشل في كل شيء، لم أستطع إيجاد عمل ولم أفلح في الحفاظ على صديقتي. لدي أخت توأم متفوقة في كل شيء، حين أكون معها أحس بفشلي أكثر وأحتقر نفسي جدًا، لم أكن أرى لحياتي سببًا وجيهًا يستحق الاستمرار، دخلت في نفق أسود له منفذ واحد: الانتحار".

أضاف: "لكنني الآن شخص مختلف، بمساعدة والدي بدأت أشعر بالتغيير في شخصيتي، وما عدت أفكر في الانتحار".

في السياق ذاته، أجمع باحثون في جامعة مانشستر البريطانية على أن كثيرًا من حالات الانتحار عند الصغار لا يعلم أحد أسبابها، مشيرين  إلى أن القائمة تضم مشكلات أسرية كتعاطي المخدرات أو العنف المنزلي، والترهيب، إضافة إلى الضغوط المدرسية وفشل العلاقات العاطفية. 

حزن أبدي

هذا ما أكدته البروفسورة لويز أبليباي، رئيسة قسم التحقيقات في مركز الصحة العقلية والسلامة بجامعة مانشستر، لـ"إيلاف" قائلة: "تبدأ مخاطر الانتحار عند الشباب بشكل حاد في آخر سنوات المراهقة، والأسباب تبدو معقدة، وغالبًا ما ترتبط بمشكلات أسرية، كتعاطي أحد الوالدين المخدرات أو العنف المنزلي، وهناك ايضًا الضغوط النفسية بسبب الامتحانات والفشل فيها، والترهيب من جانب زملائهم، أو الحزن بسبب انهيار العلاقة مع غياب الرقابة والتوجيه بسبب التكتم".

وعن ارتفاع نسبة الانتحار عند النساء، قالت أبليباي: "لا تزال بعض الأسباب غامضة، ربما يعود ذلك إلى الاكتئاب والشعور بالوحدة أو عدم احترام النفس. تدخل المشكلات العاطفية وضغوط الحياة اليومية المرأة في حزن شديد، وكل ذلك يؤدي إلى الإساءة الجسدية".

هذا الرأي سبقها إليه الرسام العالمي الهولندي الشهير فان غوخ، الذي قال لصديقه قبيل انتحاره: "إن الحزن يدوم للأبد". أو لعله التعبير عن الفشل الذي صاغه الكاتب السويدي وليام مونبيري في وصيته قبل انتحاره قفزًا في النهر، قائلًا إنه لم يعد في إمكانه مواصلة الكتابة والإبداع لذا قرر وضع حد لحياته.

بلال المهاجر

ما هو اللغز وراء هذا التناقض؟ ولماذا ترخص حياة لامعة تملك تقريبًا كل شيء في حين تغلى أخرى لا تملك سوى الأمل؟

أجاب المهاجر الليبي سعيد بلال عن هذا السؤال، وهو وصل منذ أسابيع إلى بريطانيا بعد نزاع مع الموت في رحلته الطويلة من البحر إلى البر. قال: "كنت أعمل مهندس طيران في ليبيا، لكنني فقدت كل شيء بسبب الأوضاع في بلدي. لم أكن أنوي تركها، لكنني لست نادمًا على ذلك. أنا سعيد لأنني وصلت إلى بريطانيا ومستعد للعمل في أي مكان الآن وبأي ثمن".

ما هو اللغز وراء حياة في بلد يرى فيها المهاجر الخلاصَ من محنه ونورَ بداية مستقبله، فيما يرى فيها مواطنُها الموت والنهاية؟ ولماذا يفرّ المهاجر من موت محتوم في بعض البلدان التي تعيش مشاكل سياسية ساخنة، حاملًا كفنه على كتفه مواجهًا كل مخاطر الطبيعة؟

بلال ليس سوى رقم جديد يضاف إلى بيانات بريطانية جديدة أظهرت أن معدل صافي الهجرة إلى بريطانيا وصل إلى ثاني أعلى مستوى تم تسجيله منذ عام 1975. بلغ عدد المهاجرين إلى بريطانيا في العام الماضي نحو 333 ألفًا، بينهم 184 ألفًا دخلوا المملكة من دول الاتحاد الأوروبي.

هذه الأرقام التي كشف عنها مكتب الإحصائيات جاءت قبل شهر من التصويت في الاستفتاء الشعبي على بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت السبب الرئيسي في إجرائه والمطالبة بإجراءات مشددة للحد من الهجرة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف