زارته شبيغل الألمانية في منفاه الأميركي
غولن: "نهم إردوغان للسلطة لا ينتهي"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حين التقته شبيغل أونلاين الألمانية في منزله في بنسلفانيا، دافع الداعية التركي فتح الله غولن، المتهم الأول بالتخطيط لانقلاب تركيا الفاشل، عن نفسه قائلًا إن السلطة سمّمت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.&
سارة الشمالي:&جلس الداعية التركي فتح الله غولن في غرفة الاستقبال الصغيرة في منزله في منفاه الأميركي الاختياري، وقال لمحدّثَيه مراسلي شبيغل أونلاين الألمانية، فيت ميديك ورولاند نيدس: "فلتحقق معي لجنة تحقيق دولية، فأنا مستعد، وإن وجدتني مذنبًا فسأدخل غرفة الإعدام بنفسي، لكن هذا لن يحصل لأنني لم أفعل شيئًا".
أنا بريء
في الأيام القليلة الماضية، كان غولن محط انتباه دولي بعدما اتهمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان باستخدام نفوذه الاسلامي لتخطيط الانقلاب الفاشل من منزله في الولايات المتحدة. فهذا الداعية الاسلامي يعيش في أميركا منذ اختارها منفى اختياريًا في عام 1999، هربًا من أعدائه الكثر في تركيا. تشغّل مؤسسته "خدمة" (Hizmet) شبكة دولية واسعة النطاق من المدارس والشركات والمؤسسات الاعلامية، ويعاملها إردوغان وأنصاره باعتبارها شبكة إرهابية، كما ينظرون إلى منزل غولن في سايلورسبورغ في بنسلفانيا باعتباره مركز ألد أعدائهم.
لا شك في أن اتهامات إردوغان لغولن جدية جدًا، ويريد غولن الدفاع عن نفسه وعن مؤسساته. قال لشبيغل أونلاين إن لا صلة له بمحاولة الانقلاب الفاشلة، واصفًا إردوغان بأنه يقف على حافة الجنون: "قلت مرارًا إنني أقف ضد العنف وسيلةً لتحقيق الغايات السياسية"، مؤكدًا دعمه للتوجه الديمقراطي في تركيا ورفضه منطق الانقلابات العسكرية.
زيارة نادرة
ليس من عادة غولن استضافة الاعلاميين في منزله، لكنه آثر هذه المرة أن يغير عاداته. يسكن في القسم الخلفي من المبنى، وعلى زواره أن يخلعوا أحذيتهم، وعلى النساء تغطية الكتفين، قبل الدخول عليه. غرفة الاستقبال رسمية، فيها الكثير من الذهب والسجاد الأنيق والأواني الصينية. علقت الآيات القرآنية على الجدران ورُصفت أجزاء الموسوعة الاسلامية على الرفوف.
جلس غولن في مقعده يبدو عليه الوهن، إذ يعاني مرضي القلب والسكري، بحسب أحد مساعديه. يتحدث التركية بصوت هادئ، لكنه يُسهب كثيرًا في الإجابة عن الأسئلة، متحدثًا بمنطق رجل الدولة، ومنطق من يعرف إردوغان حق المعرفة.
في أثناء صعود حزب العدالة والتنمية، كانا حليفين، يؤلف الإيمان بين قلبيهما. اليوم، الكراهية حاضرة بينهما، بقوة. وحين اختار غولن أن يكون منفيًا، دعا أنصاره للسيطرة على السلطة في تركيا من خلال اختراق المؤسسات الحكومية، فهذا يمنع إصدار أي قرار باعتقاله.
بيوت النور
بدأ صعود غولن في سبعينيات القرن الماضي، حين كان إمام مسجد في مدينة أدرنة، شمال غرب تركيا. كان يوزّع خطبه وأحاديثه الدينية على شرائط فيديو وأخرى صوتية، فكبر عدد أنصاره. في أثناء ذلك، بنى شبكة واسعة &من المدارس ومراكز التعليم الخاص سمّاها "بيوت النور"، تخرّج فيها أنصاره الذين زادت أعدادهم بشكل مطرد، وصاروا اليوم من أصحاب المصارف والقنوات التلفزيونية والصحف.
تضاربت الآراء في هذا الامام. فمن انشق عن حركته يصف مجتمعه بأنه مذهب خاص، بينما يرى آخرون في غولن واحدًا من دعاة التسامح الاسلامي الناشطين لتبيان صورة ناصعة عن الاسلام. كان إردوغان طويلًا واحدًا من أشد أنصار غولن حماسة، حتى أنهما دخلا في تحالف غير معلن، فصوت أنصار غولن لحزب العدالة والتنمية، فيما حمى إردوغان حركة غولن ونشاطها بعدما اعتلى السلطة التركية في عام 2002.
الانفصال
بعد انتخابات 2011 البرلمانية التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بنحو 50 في المئة من أصوات الأتراك، شعر إردوغان بأنه قوي بما يكفي ليفك ارتباطه بغولن. وكان رئيس الحكومة التركية حينئذٍ حين طرد مسؤولين في الدولة من أتباع غولن، وأمر الاستخبارات التركية بمراقبة "خدمة" ومؤسسات غولن.
وكان الانفصال الأخير والنهائي في نوفمبر 2013 بإعلان إردوغان قراره إغلاق مؤسسات غولن التعليمية التي يتعلم فيها نحو مليوني طالب، يتحضرون لتلقي تعليمهم الجامعي. فهذه المدارس هي المصدر الأكبر لمداخيل غولن المالية، إلى جانب كونها مراكز لتجنيد الأنصار.&لأعوام عدة، كان إردوغان مقتنعًا أن غولن أراد تحدي سلطاته، بينما كان غولن مقتنعًا أن صديقه السابق تحول إلى طاغية يريد أن يلغيه.
قال غولن لشبيغل: "نهم إردوغان للسلطة لا ينتهي، فيظن أن هذه حال الجميع، فهو يتحدر من بيت فقير، بينما يعيش اليوم في القصور. النجاح والسلطة سمّماه".
في غرفة النوم
في هذه الأيام، يسعى غولن حثيثًا إلى أن يقدم نفسه القطب النقيض للرئيس التركي. على الرغم من أن قيمة أصول مؤسسته تصل إلى الملايين، فإنه يؤكد أنه لا يملك شيئًا. يقول مساعدوه إنه يعيش مكرسًا نفسه لإيمانه الاسلامي، وبيته هذا مؤلف من غرفتين، ينام غولن في إحداهما على فراش وضع على الأرض، وإلى جانبه مكتب عليه كتب كثيرة، وقوارير صغيرة فيها زيت، وصندوق عثماني. وفوق المكتب صورة لقبة الصخرة في القدس، وعلم تركي.
الحراسة مشددة هنا، فالشرفة مبنية ومؤثثة بطريقة لا تتيح رؤية غولن، كما لا يمكن الدخول إلى المنزل إلا باستخدام بطاقة إلكترونية. وثمة مصعد يأخذ غولن مباشرة إلى المرآب، حيث يقوده سائقه إلى المستشفى لإجراء الفحوصات الدورية. عدا ذلك، لا يفارق منزله.
مؤامرة إردوغانية
لطالما وُصف غولن بأنه انعزالي، لكن ذلك لا يصح كثيرًا. فكيف لانعزالي أن يبني شبكة من الأنصار والمؤسسات كالتي بناها غولن، مؤلفة من مريدين يتبوأون مراكز سلطوية عليا في الدولة التركية، من القضاء إلى الجيش؟
يقول مراسلا شبيغل إن هذا الرجل الهادئ والمتواضع يعرف خفايا العملية السياسية التركية حق المعرفة، وهو يقول إن إردوغان هو من نفذ الانقلاب الفاشل على نفسه، ليمسك بالسلطة بقبضة حديدية، مبديًا دهشته من فشل الانقلابيين في قلب السلطة منذ اللحظة الأولى، متمسكًا بنظرية المؤامرة التي تقول إن هذا الانقلاب مسرحية إردوغانية، لكنه لا يملك دليلًا على ذلك.
في الصراع بين الرجلين، يبدو التمييز بين الحقيقة والوهم صعبًا. فالسياسة التركية مليئة بالألاعيب وبروباغندا الصراع على السلطات. إلا أن زيارة غولن لا تقنع أحدًا أنه مخطط لعمليات إرهابية أو لانقلابات عسكرية، لكن مراسلي شبيغل يستدركان أنه من المستحيل أن يكون المرء متأكدًا من أي خبر.
فماذا سيحصل إذَا؟ يطالب إردوغان الأميركيين بتسليمه غولن، لكنه لم يقدم بعد طلبًا رسميًا بذلك، "فإردوغان لا يملك دليلًا يقدمه إلى الأميركيين في هذا الاطار، والأميركيون لن يسلموني إليه من دون دليل ملموس"، بحسب غولن، الذي يختم: "هيلاري كلينتون امرأة صالحة، وهي وجه من وجوه الأمل في هذا البلد".