هجرات عكسية للاجئين أفغان من باكستان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تسبب طلب باكستان الداعي إلى مغادرة ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني يعيشون على أراضيها في حدوث فوضى على نحو دفع الأسر إلى مواجهة مصير مجهول بعد أن عاش كثير منهم حياتهم في باكستان، إم إلياس خان، مراسل بي بي سي، يرصد الوضع من بيشاور في متن التقرير التالي.
قضى نور محمد ثلاثة أيام في طابور انتظار العودة إلى أفغانستان، على الرغم من تأكده من المصاعب التي ستواجهه في عودته.
فر نور إلى باكستان في شتاء عام 1979 بعد أيام من غزو الجيش السوفيتي أفغانستان حيث أخذت رشاشات الطائرات المروحية تمشط قريته في مدينة بغلان.
وكان في الثانية عشرة من عمره تقريبا وهو يتذكر رحلته الشاقة التي قطعها مع أسرته.
ويقول : "تسلقنا الجبال وبدأنا السير في اتجاه الجنوب. قطعنا الرحلة خلال أربعة أيام، كنا نسير أحيانا، أو نعتلي شاحنات أو نمتطي خيولا صغيرة".
ووجد نور نفسه بعد 37 عاما مضطرا إلى العودة من جديد إلى أفغانستان، لأن وطنه الثاني (باكستان) يقول إنه تجاوز فترة إقامته وأصبح غير مرغوب فيه.
وسوف تكون رحلة عودته أقل مجهودا مقارنة برحلته الأولى عندما كان مراهقا، غير أنها ليس أسهل على الإطلاق.
عندما قابلته الأسبوع الماضي، كان نور وأسرته قد قضوا ثلاثة أيام عالقين خلف صفوف شاحنات متراصة بطول ثلاثة كيلومترات في مسعى للوصول إلى مركز ترتيبات العودة إلى الوطن الذي تديره الأمم المتحدة في منطقة بيشاور. ويبدو أنهم سينتظرون أياما حتى يصلوا إلى المركز.
كان يساورهم الغضب والشعور بالإحباط، فيما قال آخرون من العالقين في الصفوف إنهم ينتظرون منذ نحو أسبوع.
أحصيت الشاحنات الواقفة وتجاوز عددها الـ 200 شاحنة على الطريق بالقرب من مركز ترتيبات العودة إلى الوطن، وجميعها تحمل متعلقات منزلية وحطب يخص نحو 400 أسرة أو نحو ثلاثة الآف شخص.
واعترفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والسلطات الباكستانية بأنهم غير مستعدين لمواجهة هذا التسابق في عودة اللاجئين، وليس بمقدورهم التعامل مع هذا التدفق الجماعي.
كان الكثيرون قد جعلوا من باكستان وطنا لهم، وهم حاليا يخشون من أن تكون أفغانستان مازالت تعاني من اضطرابات في قطاعات الصحة والتعليم والأعمال والمعيشة مقارنة بما كانوا يعيشون فيه في باكستان.
تكمن الإجابة عن السؤال في تطور سياسة التعامل مع اللاجئين في باكستان.
بالعودة إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي، كانت البلاد رحبت باللاجئين الأفغان بمنتهى الود.
وعلى نقيض الوضع في إيران، التي وضعت اللاجئين في المخيمات ومنعتهم من الانخراط في الحياة السياسية، سمحت باكستان لهم بالاندماج مع السكان المحليين وشجعتهم على التواصل مع المعسكرات الإسلامية التي غذت المقاومة ضد الشيوعيين في كابول.
وينتمي اللاجئون في الغالب إلى عرق البشتون وقد اندمجوا جيدا مع السكان البشتون في باكستان. كما أمكن التأثير عليهم للموافقة على تأكيد باكستان على الهوية الإسلامية كأساس للمقاومة بدلا من الهوية الوطنية الأفغانية.
ونتيجة لذلك يعتقد الكثيرون أن باكستان رحبت باللاجئين بغية توسيع نطاق تأثيرها على أفغانستان، التي تميل تقليديا إلى الهند، وإلى تحييد موقف القوميين البشتون من مواطنيها الذين يدفعون بشدة نحو حكم ذاتي اكبر، وأحيانا لوضع حدود للانفصال، كما يعتقد البعض في المؤسسة الرسمية الباكستانية.
وزادت شكوك باكستان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة، عندما بدأت تبرز نسخة من حركة طالبان معادية لباكستان على علاقة بهذه المعاقل.
ومنذ ذلك الوقت تحولت نبرة حديث المؤسسة الباكستانية تدريجيا ضد اللاجئين.
وحتى الآن وعلى الرغم من تنامي حدة النزعة العدائية، الا أن باكستان ليست متعجلة لإعادة الأفغان إلى ديارهم.
وبدأ برنامج ترتيبات العودة إلى الوطن بتمويل من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة عام 2002، غير أن المسؤولين الباكستانين والأممين يقولون إن الاقبال كان بطيئة.
وحددت باكستان مواعيد نهائية مختلفة للاجئين لمغادرة البلاد، لكن جميعها طويلة الأجل وليست قسرية، لأن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أرادت أن تكون أي عودة إلى الوطن طواعيا.
وجاء القرار الحاسم في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، عندما حددت باكستان فجأة مدة قوامها ستة أشهر لمغادرة اللاجئين.
ومددت المدة ستة أشهر أخرى في يونيو/حزيران، لكنها في الوقت ذاته أغلقت المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وباكستان في تورخم، وفرضت حظرا على عبور الأفغان بدون وثائق سفر.
وأظهر ذلك الحظر أن باكستان جادة هذه المرة، وهو ما أقنع نور محمد بمغادرة البلاد.
وقال نور: "بعض أفراد أسرتنا كانوا ذهبوا إلى كابول في الصيف وهم عالقون هناك حاليا".
وأضاف : "ليست لدينا الأموال لدفع رسوم استخراج جوازات سفر لجميع أفراد الأسرة، التي يصل عددها إلى أربعين فردا. لذا نعتقد أن الوقت حان كي نرحل".
كما ضاعفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في يونيو/حزيران ميزانية برنامج العودة إلى الوطن من 200 دولار إلى 400 دولار للفرد الواحد، وتوفير حوافز إضافية للأسر الفقيرة التي ليست لديها أي جذور عميقة في باكستان.
ويواجه الكثير من اللاجئين الأفغان حاليا مستقبلا مجهولا.
عاش خالدي أميري، طالب يبلغ من العمر 21 عاما، في باكستان منذ أن كان عمره بضعة أشهر.
وهو حاليا يدرس لنيل درجة الماجستير في جامعة بيشاور حتى نهاية عام 2017.
ويواجه أميري ونحو تسعة الآف طالب أفغاني في خيبر باختونخوا مصيرا مجهولا في حالة عدم السماح لهم باستكمال دراستهم.
ويعتقد أن خطوات إجبار اللاجئين على الرحيل نابعة من "تنامي خوف مرضي من الأفغان في باكستان".
ويقول إن هناك "مضايقات متزايدة للاجئين من جانب الشرطة الباكستانية"، فضلا عن "حملة كراهية تستهدف اللاجئين في وسائل الإعلام الباكستانية منذ (هجوم ديسمبر/كانون الأول في بيشاور) على مدرسة عسكرية حكومية".
ويضيف أن هذ الكراهية امتدت إلى وسائل التواصل الجتماعي تحت هاشتاغات متعددة.
كما يواجه رجال الأعمال الأفغان مستقبلا مظلما.
غادر والد محمد إسماعيل تاركا متجرا للتحف في غانزي وهاجر إلى بيشاور في عام 1983. وهنا بدأ من جديد وأسس نفسه كمصدر معتمد للتحف والسجاد إلى أوروبا والشرق الأقصى.
لكن في يونيو/حزيران علق أبناء محمد، الذين كانوا يقضون عطلة في كابول، عندما أغلقت السلطات الحدود في تورخم. وحصلوا من وقتها على جوازات سفر أفغانية وتأشيرات لدخول باكستان، وهو ما يعني أنهم فقدوا وضعية لاجئ في البلاد.
ويتعين عليه حاليا أن يبدأ من الصفر كما فعل والده قبل 33 عاما.
وأضاف : "مشكلتي الأكبر هي التخلص من مخزون بضاعتي. لن يعطيني أي شخص سعرا عادلا لأنهم يعرفون أننا في ضائقة. كما توجد أموال غير محصلة في شكل بضاعة، وسوف تستغرق وقتا لتحصيلها".
وبالنسبة للذين ينتظرون عودة اللاجئين في أفغانستان لن يكونوا من الوطنيين الذي يحملون الورودفي ايديهم (لاستقبالهم)، بل هم رجال أعمال جشعون وأصحاب وسائل مواصلات وعقارات يطمحون إلى ابتزاز وتجريدهم مما يملكونه من أموال مهما كانت قليلة.
ويعرف نور محمد ذلك جيدا ويقول : "تضاعفت أسعار إيجارات المنازل في المدن الأفغانية من 300 دولار إلى 400 دولار في الشهر، وأصبحت منازلنا في القرى عبارة عن ركام".
ويضيف أن الخيار الوحيد الذي أمامه بمجرد عودته إلى أفغانستان سيكون بناء مسكن "في أسرع وقت" أخذا بنظر الاعتبار أن "الشتاء قادم".
وفيما يصفه البعض بانقلاب المصائر القاسي، يتعين على أسرة نور أن تبقى في خيمة حتى تبني مسكنا، وهو وضع أشبه بخيام الأمم المتحدة التي عاش فيها نور قبل 37 عاما، عندما وصل إلى باكستان أول مرة كلاجئ.
ويقول : "بالنسبة لنا، إنها عودة إلى الخيام".