انتصارات صغيرة في مواجهة التحرش في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة: بعد ثماني سنوات من حصول اول سيدة في مصر على حكم قضائي يدين رجل في قضية تحرش جنسي، يقر نشطاء ومحامون بأن هناك تقدمًا في موقف المجتمع من هذه المسالة، وكذلك في حبس عدد اكبر من المتحرشين.
وفي العام 2008 كسرت نهى الاستاذ احد المحرمات في المجتمع بافصاحها عن تفاصيل تعرّضها لحادث تحرش جنسي واصرارها على محاكمة المتحرش.
وتحدت الاستاذ المجتمع المصري حين روت علانية كيف اخرج السائق شريف جبريل يده من سيارته وامسك بجسدها قبل ان ينطلق بسيارته ويجرها، وكيف صممت على الامساك به حين رأته يضحك وهي تسقط ارضا.
التحدي الكبير في تعامل الاستاذ مع واقعة التحرش بها صنع التاريخ في مصر. فلقد صدر حكم هو الاول من نوعه بسجن جبريل ثلاث سنوات.
ادت سنوات لاحقة من الحملات الشبابية الى تغيير المزاج العام تجاه التحرش الذي كان المجتمع، والسلطات العامة التي هي جزء منه، يعتبره أمرًا تافهًا، ويلقي باللوم عادة على المرأة.
وتقول الاستاذ في مقابلة مع وكالة فرانس برس "الان اسمع عن حالات كثيرة ، بنات يأخذن رجالا الى اقسام الشرطة. والناس الان لديهم اعتياد اكبر على هذا التصرف". واضافت "في الحياة اليومية، تغير كثير من الاشياء. استطيع ان اشعر شخصيا بها في الشارع".
وبحسب دراسة للامم المتحدة صادرة في العام 2013، تعرضت 99,3 من المصريات لنوع من انواع التحرش، فيما قالت 82,6 منهن انهن لا يشعرن بالامان في الشارع. وتصاعد النقاش العام حول المشكلة في أعقاب ثورة 2011 التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك وكان ميدان التحرير بؤرتها. وتقول مزن حسن المديرة التنفيذية لمركز نظرة للدراسات النسوية "بالطبع هناك تقدم".
التغطية الاعلامية
تؤكد الناشطة حسن ان مؤسستها كسبت 50 قضية تحرش جنسي، معظمها تتضمن احكاما بالحبس، منذ جرمت السلطات المصرية التحرش الجنسي في يونيو 2014 قبل ايام قليلة من تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد. وبفعل التغطية الاعلامية المستمرة من ميدان التحرير، فان اعتداءات جنسية حدثت خلال التظاهرات التي تلت اسقاط مبارك ساعدت على انهاء الانكار الشعبي لوجود وقائع تحرش في البلاد.
واحدة من اسوأ هذه الوقائع حدثت في يونيو 2014 اثناء الاحتفالات بفوز عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية. واظهرت لقطات فيديو صادمة، صورت عبر هاتف محمول، مجموعة من الرجال يحيطون بسيدة، جردت من ملابسها ومتورمة الجسد في اعتداء في ميدان التحرير.
بعدها بايام قليلة، زار السيسي السيدة في المستشفى حاملا ورودا حمراء ومقدما اعتذارا رسميا اليها مع وعد بمواجهة التحرش.
في الشهر التالي، حكم على سبعة رجال بالسجن المؤبد واثنين اخرين بالسجن عشرين عاما في وقائع تحرش حدثت في محيط ميدان التحرير.
وتقول الناشطة حسن ان زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسيدة "كانت رسالة الى مؤسسات الدولة والعاملين بها بان ذلك لم يعد مقبولا". ويقول المحامي مايكل رؤوف من مركز النديم لتاهيل ضحايا العنف والتعذيب انه ادرك اثر مثل هذه الاحكام عندما سمع شبانا يعلقون على ملابس فتاة تمر قربهم.
يسترجع رؤوف الواقعة قائلا "احدهم كان يقول انظر ماذا ترتدي. اخوها او اباها تركوها تترك المنزل بهذه الملابس. واذا قلت اي شيء يضعوك في السجن". ومنذ البداية، جاءت مبادرات مكافحة التحرش من افراد او منظمات مجتمع مدني او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي .
نقاش عام
ظهر النقاش عن التحرش الجنسي بشكل جدي في المجال العام في سنة 2006، عندما هاجم حشود من الرجال عددا من الفتيات والسيدات في وسط القاهرة في عطلة العيد. وتجاهلت الصحف الرسمية وقائع التحرش لكن عددا من المدونين تحدثوا عنها.
وفي اعقاب ثورة 2011، انتشرت لوحات غرافيتي جدارية تدعو الى مكافحة التحرش في وسط القاهرة، كما شكل متطوعون مجموعات شبابية لحماية النساء من هجمات التحرش الجماعي. وتشجعت مزيد من النساء للتحدث عن تجاربهن مع التحرش الجنسي بشكل علني.
وفي فبراير 2013، نزلت مئات السيدات للشارع حاملات سكاكين في تظاهرة رمزية للاحتجاج على العنف الجنسي الذي تعرضن له في تظاهرات معارضة للرئيس الاسلامي محمد مرسي. وتقول الناشطة حسن "هناك فارق" بين رؤية المجتمع وتعامله مع ظاهرة التحرش وبين ما كان عليه الوضع من قبل.
تضيف "في 2006 كان هناك ناس يقولون عنا مجانين" لاننا نسعى لمكافحة التحرش "وفي العام 2013 كان هناك من يقولون ان هذه الاشياء لا تحدث في التحرير، الان هناك فارق". حتى اولئك الذين يختلقون اعذارا للمتحرشين يمكن ان يغيروا رأيهم عندما يتناقش معهم المتطوعون، حسب ما قالته عليا سليمان المتحدثة باسم مجموعة "خريطة التحرش".
وتنظم مجموعة "خريطة التحرش" نقاشات عامة في الجامعات، وتدرب سائقي سيارات شركة اوبر وتبث اعلانات لحملة ضد التحرش في محطات التلفزة والراديو. الا ان التغيير في ثقافة المجتمع ليس سريعا بالقدر الكافي، بحسب يارا عبد العزيز البالغة 22 عاما.
وحاولت عبد العزيز ان تبلغ عن ثلاث وقائع تحرش بها الا ان محاولاتها باءت بالفشل. وحتى في منزلها فانها تقول ان شقيقها الاكبر سنا يتحرش بها. وتقول عبد العزيز "اعتدت الا اقول لاحد اي شيء بخصوص تحرش اخي بي، لكنني الان اقول للجيمع واكتب عنه على فايسبوك".
ووجدت الشابة عبد العزيز الان قدرا كبيرا من السلام النفسي متخلصة من احساسها بالذنب والخزي وهي الان تبحث عن شقة خاصة بها لتبدأ حياتها المستقلة. وتقول نهى الاستاذ "تخيلوا لو لم نقف في وجه التحرش، ما الذي كان سيكون عليه الوضع الان؟
وتخلص الى القول "في النهاية، ما يحدث هنا يعد مقاومة".