النتيجة مؤشر على أنه فاعل لم ينته.. والخطأ والصواب جائزان في مساره
المشاركون في استفتاء "إيلاف المغرب" منقسمون بشأن المستقبل السياسي لابن كيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الرباط: انقسمت العينة التي ردت على سؤال "إيلاف المغرب " بشأن المستقبل السياسي، لعبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية السابق، بعد فشله في إقناع إخوانه في حزب العدالة والتنمية بجدوى استمراره على رأس الأمانة العامة للحزب، للمرة الثالثة، خلافا لقوانين الحزب التي تحصر الولاية في مرتين.
والملاحظ ان نتيجتي التصويت بنعم او لاتتقارب نتيجتا بخصوص موضوع خلافي مهم، إذ لا تفصل كفة المؤيدين عن المعارضين سوى نقط قليلة، مع الإشارة إلى أن المتفائلين بمآل ومستقبل ابن كيران السياسي متقدمون بدرجات عن كتلة المعارضين، أو بالأحرى المتشككين، لأسباب موضوعية وذاتية لها ارتباط بالأجواء السياسية في المغرب التي أفرزتها الانتخابات التشريعية التي جرت في خريف 2016، وما تبعها من انسداد في الأفق، بسبب فشل ابن كيران، باعتبار حزبه المتصدر لنتائج الاقتراع، في تشكيل حكومة جديدة، فكانت المرة الأولى في تاريخ المغرب المستقل التي تعطل فيها تأليف حكومة قرابة سبعة أشهر، على الرغم من ان الأحزاب المشكلة للأغلبية السابقة هي نفسها التي أحرزت على ثقة المقترعين في الانتخابات التشريعية.
وربما تكمن أسباب الإخفاق، في الوضعية الداخلية التي يعيشها حزب العدالة والتنمية، وقد برز فيها تياران متقاطبان: أحدهما أشهر ولاءه وتشبثه بقيادة الأمين العام السابق للحزب، بعد حرمانه من مهمة تشكيل الحكومة، وبالتالي فإنه يجب النظر إلى موقف تلك الفئة كونه تضامنا أخلاقيا وإنسانيا قبل اعتباره موقفا سياسيا محسوبا.
أما الفئة الثانية التي لا يمكن القول عنها إنها تخلت بالكامل عن ابن كيران أو خذلته، بقدر ما أنها بلورت موقفها انطلاقا من معطيات موضوعية يتسم بها الظرف السياسي الراهن بالمغرب تتمثل في تغير ميزان القوى ومنطق التحالفات الذي يحكمه: فما دام حزبهم أي "العدالة والتنمية" وأمينه العام السابق، قد عجز عن جمع أغلبية برلمانية ملتفة حوله، بينها قدر كاف من الانسجام والتآلف، فلا فائدة من عناد سياسي الحق ضررا فعليا بالبلاد، لعل أخطره الاحتجاج المجتمعي الذي اندلع في مدينة الحسيمة وضواحيها، أعطى صورة سلبية عن الديمقراطية في المغرب، وهي التي طالما اعتبرت النموذج الناجح الذي افرزه ما يسمى "حراك الربيع العربي".
ومن المؤكد ان ابن كيران رضي على مضض بالحكم الذي أصدره في حقه إخوانه، وقطعا يمر بفترة تأمل عميق في مساره ومراجعة لتجربته الحزبية، قد يقرر بعدها مصيره الذاتي: هل يترك السياسة الحزبية ويتفرغ للتوجيه الفكري والدعوي، داخل الحزب أو على هامشه، كما تفعل "حركة التوحيد والإصلاح" الذراع الدعوي للحزب، باعتبارها الورش الأصلي الذي نشأ وتكون فيه الرعيل المؤسس والنواة الصلبة ل"العدالة والتنمية".
في جميع الأحوال، يصعب القول إن ابن كيران سيفضل الراحة بالابتعاد عن المشهد، وتمضية الباقي من العمر في هدوء وسكينة. طبعه ومزاجه وتمرسه بالعمل الحزبي يمنع عليه ذلك، لا سيما وأن تيارا قويا في الحزب يشجعه، بل يناشده بأن لا يخلي الساحة لمن هم دونه شعبية وتفانيا و"كاريزما"، ينصحونه بالصبر على المكروه العارض الذي يصيب المؤمنين أمثاله، اقتناعا منهم أن مواسم السياسة سريعة التقلب ولا تدوم على حال.
وهؤلاء، يؤمنون بزعامة ابن كيران، ويعتبرونه " البطارية" الكبرى التي تمد "العدالة والتنمية"، بالطاقة الروحية والمادية، حالا واستقبالا؛ لا يجوز الاستغناء عنها والتفريط فيها، إذ لا توجد طاقة بديلة تعوضها في الأفق المنظور. وهذا الرأي لا يعني الاستهانة بالكفاءات والقيادات القديمة والصاعدة التي يتوفر عليها حزب العدالة والتنمية.
هل يفصح ابن كيران عن غضبه على رفاق الطريق، ويدعو أنصاره المخلصين الفضلاء، إلى الانسحاب من التنظيم الأم واللحاق به لتأسيس حزب جديد يستأنفون منه نضالهم ؟
المؤشرات والتلميحات التي صدرت عنه منذ فشله، يعتريها غموض والتباس لا يريح طرفا دون آخر.
في غضون ذلك، يبقى من الصعب تصديق فرضية الانشقاق، علما أنها ظاهرة باتت معطى بنيويا يحكم اشتغال الأحزاب السياسية في المغرب؛بينما يختلف "العدالة والتنمية" عن سواه، ظاهرا وباطنا. فعلى على المستوى الإيديولوجي والفكري هو مزيج بين الفكر الديني المعتدل وبهارات السياسة، بمعناها البراغماتي الحديث، ما يعني نقاشا فكريا مستمرا، بين من ينتصر للأخلاق الدينية التي تقتضي التضامن في السراء والضراء، وبين المنطق السياسي النفعي الذي لا يستبعد الصراع والخلاف في الرأي والتنافس بين الأطروحات والبرامج السياسية، يحسم كل تعارض التصويت الديمقراطي.
هو واقع خاص، ينفرد به حزب العدالة والتنمية؛ لا بد من النظر إليه استنادا إلى هذه الثنائية التي توحي أن
ابن كيران لن يغادر العش الذي ربي فيه جناحيه بسهولة، ولن يكون عنصرا لينا ومتسامحا، حيال من عارضوا خطه واجبروه على الانحناء للعاصفة.
الكتابات والتحليلات الصحافية الهادئة المتسمة بالغزارة التي نشرت بعد إبعاده، لم ترجح ولم تستبعد، افتراضا بعينه. آراء ذهبت إلى القول بأنه سيقدم بعد فترة استراحة قد تطول وقد تقصر، على مبادرة ما، تبقيه قريبا من معمعة الحياة الحزبية، مستعدا ومتربصا للتدخل، إذا ما أتاه نداء استغاثة؛ مثلما أنه قد يضطر إلى إعلان طلاق نهائي للسياسة، متنازلا عن نصيبه في رصيد سياسي هائل راكمه بالعمل الدءوب مع أصدقائه.
إلى ذلك، تؤكد نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب" معطى إضافيا يتجلى في أهمية دور ابن كيران كفاعل سياسي محوري في التجربة الديمقراطية الجديدة التي أرسى دعائمها الملك محمد السادس عبر تمكين المغرب من دستور متطور قياسا إلى سابقيه.
كان يفترض أن يؤسس الدستور لحياة سياسية سلسلة وخصبة، يتم من خلالها التداول السلمي على السلطة، لكن التجربة أثبتت بالملموس أن التحديث الجريء، لا يمكن أن يعطي ثماره المرجوة ما لم ينتعش في مناخ سياسي واجتماعي سليم، وبيئة حزبية نظيفة.
وهذا من جملة أسباب التعثر الذي أعاق السير الديمقراطي في المغرب.
وهناك سؤال يترد على ألسنة وأذهان مهتمين بالشأن السياسي في المغرب: هل أخطا ابن كيران ؟ وإذا صح ذلك، فأين يكمن خطأه ؟، وهل كان بإمكانه تجاوز الزلات السياسية، وتدارك الموقف وإنقاذه ؟ تختلف التقييمات والتقديرات.
إن الشخصية السياسية، في كل الأزمان والظروف، ذات أبعاد متنافرة ومتكاملة، تبعا لتكوينها الفكري وعمق التجربة الحياتية فضلا عن كيفية تعاطيها مع القوى السياسية المنافسة من حيث إدراكها لطبيعة ميزان القوى المتحكم في اللعبة السياسية.
وبناء على ذلك يجوز القول إن ابن كيران اخطأ وأصاب في محطات ومواقف، لكن لا احد يستطيع الطعن في وطنيته وصدقه. لم يتعمد الخطأ لجني مكاسب ظرفية، مثلما لم يتباه بالصواب والنجاح. اجتهد على قدر معرفته واحتكاكه بالمجال الحزبي وبالفاعلين فيه.ربما كان ضحية إفراطه في التفاؤل واستهانته بواقع عصي على الاختراق والتغيير.ربما خانه لسانه أكثر من تفكيره ولم ينتبه إلى أن الإفراط في الثقة بالجماهير الشعبية وفي حماسة الأنصار والأتباع، يمكن أن توقع صاحبها في وهم "الشعبوية".
وسواء عدل وعاد، أو أعتزل، فإن المستقبل الغامض لن يشبه الماضي الرومانسي الجميل الزاخر بالأحلام. لكن الأستاذ عبد الإله ابن كيران، سيظل في جميع الأحوال، واحدا ضمن ثلاثة رؤساء حكومة تصدروا السلطة في فترات متباعدة. الاثنان اللذان سبقاه هما: الراحل عبد الله إبراهيم، وعبد الرحمن اليوسفي أمد الله في عمره. ثلاث شخصيات سياسية وازنة بطباع وأمزجة وتجربة ومرجعيات مختلفة، تركوا بصماتهم ومناصبهم بغير رضاهم...مع فارق في السياقات والملابسات. تلك هي سنة الحياة السياسية.