الانتخابات في الجزائر بين "حزبي السلطة" وتحالف الإسلاميين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ارتفعت أصوات المقاطعة عاليا في حملة الانتخابات التشريعية في الجزائر، لكن عدد الأحزاب السياسية وقوائم المستقلين المشاركين فيها أكبر من الانتخابات السابقة.
إذ يشارك في الانتخابات 63 حزبا و15 قائمة لمرشحين مستقلين، ولكن أغلب هذه الأحزاب يُطلق عليها الجزائريون اسم "الأحزاب المجهرية"، لأنها لا تظهر إلا في المواعيد الانتخابية، وحظها من أصوات الناخبين، الذين يبلغ عددهم مليونين و230 ألف ناخب، ضئيل.
كما يتهم بعضهم في المعارضة قوائم المستقلين بأنها غالبا ما تكون رافدا للسلطة، ومشتتا لحصة المعارضة في البرلمان.
فقد حدث أن انضم نواب من القوائم المستقلة إلى كتلة حزب جبهة التحرير، بعدما دخلوا البرلمان، مثلما أشار مرشح تحالف النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، في حديثه لبي بي سي، عن الحملة الانتخابية وحظوظ تياره فيها.
وقد وفرت مواقع التواصل الاجتماعي لدعاة المقاطعة فضاء للتعبير عن رفضهم للانتخابات، التي يرونها بلا طائل، ويتهمون السلطة بتزويرها مسبقا.
أما الحكومة فسخرت جميع وسائلها لتشجيع الناخبين وحضهم على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية، مثلما فعل رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، في تجمع شعبي بولاية سطيف، إذ حرض النساء، مازحا، على "ضرب أزواجهن، وعدم تحضير الفطور لهم" إذا لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات.
"حزبا السلطة"
يتنافس في الانتخابات التشريعية الجزائرية حزبان رئيسيان، هما جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي على مقاعد المجلس الشعبي الوطني.
ويصفهما الجزائريون بأنهما حزبا السلطة، لارتباطهما بالحكم، ولا ينكر المسؤولون في الحزبين هذا الارتباط بل يؤكدانه "باعتزاز وفخر"، كما يردده المسؤولون عن الحزبين في التجمعات الشعبية، والمؤتمرات الصحفية التي يعقدونها.
فحزب جبهة التحرير الوطني، الذي يقوده اليوم الوزير السابق، جمال ولد عباس، هو الحزب الذي قاد ثورة التحرير ضد المحتل الفرنسي في عام 1954، وهو الذي تولى قيادة البلاد لوحده منذ الاستقلال، حتى إقرار التعددية، في أعقاب انتفاضة 1988 الشعبية.
وتأسس التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، ومدير ديوان الرئيس حاليا، أحمد أويحي، عشية الانتخابات التشريعية عام 1997، وهي الأولى بعد إلغاء الجيش للانتخابات التشريعية التي فازت بمرحلتها الأولى الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991.
تحالف الإسلاميين
وتستأثر جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بأغلبية مطلقة في البرلمان، تسمح لهما بتشكيل حكومة دون الحاجة إلى تحالف.
ففي الانتخابات السابقة عام 2012 حصل حزب جبهة التحرير الوطني على 220 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني، وهو الغرفة الأولى في البرلمان، من أصل 462 مقعدا، موزعين على 48 ولاية والجالية المقيمة بالخارج، التي خصصت لها أربعة مقاعد.
وحصل التجمع الوطني الديمقراطي على 68 مقعدا.
ويتدافع الحزبان من أجل افتكاك أكبر حصة من المقاعد، ولكنهما في النهاية يتحالفان لتشكيل الأغلبية البرلمانية التي لم تستطع المعارضة حتى الآن تفكيكها.
وشاركت المعارضة رسميا في أول حكومة ائتلافية شكلها الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، عام 1999 وضمت حركة مجتمع السلم والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ثم في حكومة "التحالف الرئاسي" عام 2004.
وعلى الرغم من "التحالف الطبيعي" بين جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، فإن الحملة الانتخابية شهدت تراشقا بالكلام بين ولد عباس وأويحيى في التجمعات الشعبية، إذ يدعي كل ينسب كل منهما برنامج الرئيس لحزبه.
ويصف الوزير السابق، ومرشح تجمع حركة مجتمع السلم، عبد المجيد مناصرة، هذا التراشق بأنه شبيه "شجار الضرائر"، وينتقد إقحامهما للرئيس في الحملة الانتخابية، لأن رئيس الجمهورية، على حد تعبيره، رئيس لكل الجزائريين وليس لحزب معين.
ومني الإسلاميون في انتخابات 2012 بخسارة غير مسبوقة هزت أركانهم، وجعلتهم يعيدون التفكير في منهجهم السياسي وأهدافهم الاستراتيجية، إذ لم يحصل تجمع الجزائر الخضراء، الذي ضم حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة إلا على 44 مقعدا.
ودخل الإسلاميون هذه الانتخابات التشريعية في تحالفين، الأول يحمل اسم النهضة والعدالة والبناء، والثاني يجمع حركة مجتمع السلم وحركة التغيير، التي انشقت عن "مجتمع السلم" سابقا.
يقول لخضر بن خلاف، عن تحالف النهضة والعدالة والبناء، إنه استراتيجي اندماجي، ولا يخص الانتخابات فحسب، وإن شعاره في هذه الانتخابات التشريعية هو "الحفاظ على الوطن وحماية المصلحة العامة".
ويشكك بن خلاف، كغيره من المسؤولين في أحزاب المعارضة، في نزاهة الانتخابات، ويلح على المطالبة بهيئة مستلقة لتنظيم الانتخابات، بدل تلك التي يعينها رئيس الجمهورية.
ويقول إنه قرار المشاركة تم من أجل "المقاومة السياسية وفضح السياسيات الخاطئة والفساد من داخل البرلمان".
التيار العلماني والبربري
إذا كان الإسلاميون يسعون للاستفاقة من انتكاسة 2012 واستعادة الثقة بأنفسهم في الانتخابات، فإن أحزاب التيار العلماني والبربري تواجه تحديات منها استجابة السلطة، في تعديلين دستوريين، إلى مطالبها الأساسية، وهي إعلان اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية في البلاد.
فلم تعد لهذه الأحزاب "المظلومية" التي كانت تحشد لهم الدعم الهائل من أصوات في ولايتي تيزي وزو، وبجاية تحديدا.
ويمثل التيار البربري والمطالب اللغوية والثقافية الأمازيغية في الجزائر حزبان أساسيان هما جبهة القوى الاشتراكية، بقيادة، عبد المالك بوشافة، والتجمع من أجل الديمقراطية، ويقوده، محسن بلعباس، بعد تنحي مؤسسه التاريخي، سعيد سعدي.
ودأب الحزبان منذ انتخابات 1997 على تناوب المشاركة والمقاطعة بينهما، وهو ما جعل الحزب المشارك منهما يحصد أغلب المقاعد في معقل التيار البربري بالولايتين.
ولكن مشاركتهما معا في هذه الانتخابات تجعل المنافسة على تلك المقاعد أشد على كل منهما وعلى الأحزاب الأخرى، خاصة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، والأحزاب الإسلامية، التي تسعى إلى افتكاك نصيبها في المنطقة.
ويقول رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، محسن بلعباس، إنه حزبه يعرف أن الانتخابات "ستكون مزورة"، ولكنه يستثني ولايات بجاية وتيزي وزو، والبويرة، التي يقول إن المواطن فيهما "يحمي النزاهة والشفافية".
ويبرر بلعباس المشاركة في الانتخابات، على الرغم من تشكيكه في نزاهتها، برغبة حزبه في استغلال الحملة الانتخابية للتواصل مع المواطنين وعرض أفكاره عليهم.
ويقترح رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بتقسيم إداري جديد في الجزائر، يمنح صلاحيات واسعة للأقاليم وتشكيل حكومات محلية في نظام شبيه بما هو موجود حاليا في إسبانيا، وتبقى السياسة الخارجية والدفاع بيد السلطة المركزية.
دعاة المقاطعة
ويراهن دعاة المقاطعة لتحقيق مبتغاهم على من اليأس من التغيير الذي يشعر به الكثير من الجزائريين، من انتخابات لأخرى عبر الأعوام.
ويستثمر المقاطعون أيضا المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، التي تفاقمت منذ انهيار أسعار، وعدم قدرة الحكومة على إطلاق وعود انتخابية مثل التي كانت تطلقها في أعوام الرخاء المالي.
علي بن فليس
تشارك أغلب الأحزاب السياسية التقليدية وذات الشعبية في هذه الانتخابات، ولم يقاطعها إلا عدد من الشخصيات السياسية وبعض الأحزاب الصغيرة.
ولعل أبرز وجوه المقاطعة رئيس الحكومة السابق، علي بن فليس، الذي تحول إلى المعارضة منذ 14 عاما، بعد خلاف مع الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة.
يبلغ بن فليس من العمر 71 عاما، وترشح للانتخابات الرئاسية في 2004 و2014، وخسر أمام عبد العزيز بوتفليقة.
عندما سألته عن مبررات دعوته لمقاطعة الانتخابات، قال بن فليس إنها لن تغير الأوضاع وليست هي الحل لأزمة الجزائر لأن "الشعب الجزائري مسلوب في سيادته ومسلوب في وطنيته".
ويرى رئيس الحكومة السابق الذي أشرف على انتخابات سابقة وصفتها المعارضة أيضا بأنها مزورة وغير نزيهة، أن أزمة الجزائر في نظام "هرم وشاخ".
وإن الجزائر بحاجة إلى وفاق واتفاق سياسي بين المعارضة بكل أطيافها والسلطة، يفضي إلى انتخابات تديرها لجنة مستقلة.
وتنبثق عن الانتخابات حكومة وحدة وطنية تدير مرحلة انتقالية، وتكتب مع البرلمان دستورا جديدا يلتزم به الجميع بضمان من الجيش.