اليونسكو تعدّ مسحاً أوّليّاً لوضع علوم المحيطات حول العالم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
باريس: ينشط عدد قليل من البلدان الصناعيّة في مجال علوم المحيطات. ويعدّ جمع المعلومات وتقييم وضع المحيطات أمر ضروري بالنسبة لجميع دول العالم نظراً إلى أهمية المحيطات الاقتصاديّة ودورها المحوري في تنظيم المناخ، وهذه هي المفارقة التي يثيرها التقرير العالمي لعلوم المحيطات والذي أطلقته لجنة اليونسكو الدوليّة الحكوميّة لعلوم المحيطات داعية إلى زيادة الاستثمار في البحوث وتعزيز التعاون العلمي على الصعيد الدولي.
وجدير بالذكر أنّه تم عرض التقرير المعنون "الحالة الراهنة لعلوم المحيطات في العالم"، والذي يقدّم ولأول مرة خريطة عالميّة لوضع علوم المحيطات، في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك يوم 8 حزيران/ يونيو بمناسبة اليوم العالمي للمحيطات وذلك في إطار مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المحيطات والمنظّم في الفترة بين 5 و 9 حزيران/ يونيو.
وقالت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا في بيان وصل "إيلاف": "يشكّل نشر التقرير العالمي لعلوم المحيطات نقطة تحوّل كبرى حيث أنّه يعدّ الأداة الأولى الموضوعة تحت تصرّف الدول والأطراف الفاعلة لمساعدتهم في اتخاذ قرارات مدروسة وإرشادهم في استثماراتهم لصالح المحيطات. حيث يضطلع هذا التقرير بدور هام في رصد التقدّم المحرز في تنفيذ الهدف التنموي الرابع عشر والذي اعتمدته الأمم المتحدة بهدف حفظ المحيطات التي تشكّل أحد موارد الإنسانيّة الرئيسة ."
استثمارات متفاوتة من بلد إلى آخر
يفيد التقرير بأنّ علوم المحيطات عالية التكلفة حيث أنّ عمليّة مسح المحيطات تتطلّب سفناً بحثيّة واستخدام صور الأقمار الصناعيّة وغواصات ومركبات يمكن التحكم بها عن بعد من تحت الماء ما يتطلّب استثماراً كبيراً. كما تعتمد البحوث على جمع ودراسة البيانات على يد آلاف العلماء الذين يعملون في البحر وفي المختبرات. ووحدها البلدان الصناعيّة قادرة على توفير الاستثمار اللازم في هذا المجال. وجدير بالذكر أنّ الولايات المتحدة وأستراليا وألمانيا وفرنسا وجمهورية كوريا من الدول التي تخصّص الميزانيّة الأكبر لعلوم المحيطات.
وعموماً، تتراوح مشاركة البلدان تراوحاً كبيراً وفقاً لحجم البلد وطول شواطئها ومقدار الفائدة الاقتصادية التي تعود عليها من الموارد البحريّة. ووفقاً للبيانات التي جمعها التقرير، تتراوح نسبة الميزانيّة الوطنيّة للعلوم الطبيعيّة المخصّصة لعلوم المحيطات من 0,1% (في الاتحاد الروسي) إلى 21,4% (في الأرجنتين). كما تشهد الحصّة التي تخصّص من ميزانيّة البحث والتنمية لعلوم المحيطات تفاوتاً كبيراً من 0,04% (في الإكوادور) إلى 4,7% (في كرواتيا). وجدير بالذكر أن كرواتيا والولايات المتحدّة والنرويج وتايلاند وترينيداد وتوباغو وجمهوريّة كوريا من البلدان التي تخصّص جزءاً كبيراً من ميزانيّة البحث والتطوير لعلوم المحيطات.
هذا وتعتمد علوم المحيطات حتى اليوم على الصناديق الوطنيّة العامة إلى حدّ كبير، حيث تشكّل هذه الصناديق، في المتوسط، أكثر من 70% من إجمالي الميزانيّة المخصّصة لعلوم المحيطات. وفي الواقع، تخضع هذه الصناديق العامة للتقلّبات المربطة بالبيئة المحيطة : فبين عامي 2009 و 2013، قامت بعض الدول مثل النرويج وتركيا وإيطاليا بزيادة تمويلها في حين أنّ أستراليا وإسبانيا قلّلت تمويلها بنسبة كبيرة خلال نفس الفترة.
ويذكر معدّو التقرير أنّه من الضروري إيجاد استثمارات مستدامة ومستقرّة نظراً إلى أنّ المحيطات تعود علينا بفائدة اقتصاديّة كبيرة. ففي عام 2010، قدّرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي القيمة المضافة للمحيطات بحوالي 1,5 تريليون دولار ما يجعل من الضروري إيجاد مصادر أخرى للتمويل.
وجدير بالذكر أنّ القطاع الخاص يقدّم دعماً متزايداً في هذا المجال. حيث تعرض بعض السفن التجاريّة خدماتها لجمع البيانات في إطار البرامج العلميّة. كما تساهم بعض المنظمات غير الحكوميّة والمؤسسات الخاصة مثل مؤسسة الأمير ألبير الثاني أمير موناكو ومؤسسة ديفيد ولوسيل باكارد في تمويل برامج تعنى بعلوم المحيطات وحمايتها.
الدور المحوري للمعدّات
يضطلع كل من الوكالات المختصّة بعلوم المحيطات والمختبرات البحريّة، بوصفها الجهات الفاعلة الرئيسة المعنيّة بجمع وتحليل البيانات، بدور رئيسيّ في إجراء الدراسات حول التنوّع الحيوي في النظم الإيكولوجيّة البحريّة وتحمّض المياه وتأثير الإنسان على البيئة الساحليّة. ويوجد العدد الأكبر من هذه الوكالات البحثيّة في كل من الولايات المتحدة وإسبانيا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا واليابان وجمهوريّة كوريا والبرازيل.
ويجسّد تخصّص هذه الوكالات أولويّات هذه البلدان. حيث أنّ الهند والنرويج وفنلندا تمتلك العديد من الوكالات المختصّة في الصيد في حين أنّ إيطاليا والاتحاد الروسي وفرنسا والأرجنتين والكويت تميل إلى تركيز جهودها على رصد المحيطات.
كما تعدّ السفن البحثيّة عنصراً هامّاً في البنية التحتيّة اللازمة للبحوث حيث أنّها تمكّن من الوصول إلى المناطق الساحليّة وأعالي البحار في آن واحد. ويذكر أنّ هناك 371 سفينة بحثيّة حول العالم موزّعة كالتالي: 51 سفينة في الولايات المتحدة و29 سفينة في اليابان و28 سفينة في ألمانيا و27 سفينة في تركيا و26 سفينة في جمهوريّة كوريا و20 سفينة في كندا و20 سفينة في إيطاليا و18 سفينة في فرنسا، حيث أنّ هذه البلدان تمتلك أكبر الأساطيل.
النساء يشكلن النسبة الأكبر من الباحثين في مجال علوم المحيطات
تشهد الموارد البشريّة أيضاً اختلافات كبيرة. ونجد أكبر نسبة من الموظفين في مجال علوم المحيطات من باحثين وفنيّين في الصين حيث يصل عددهم إلى 38 ألف موظفاً. كما نجد أنّ الدول التي تمتلك أكبر عدد موظفين في هذا المجال بعد الصين هي الولايات المتحدة التي تمتلك 4000 باحثاً، وألمانيا (3300) وفرنسا (3000) وجمهوريّة كوريا (2400) وإيطاليا (2100). وجدير بالذكر أن النرويج تمتلك أكبر نسبة من الباحثين مقارنة بعدد مواطنيها حيث يصل عدد الباحثين فيها إلى 364 باحثاً لكل مليون مواطن، وتليها بلجيكا (74).
وجدير بالذكر أنّ نسبة الباحثات في مجال علوم المحيطات أكبر من نسبتهنّ في المجالات العلميّة الأخرى. ففي عام 2013، كانت نسبة الباحثات في مجال علوم المحيطات 38% أي زيادة بنسبة 10% عن العدد الكلي للباحثات. أما في كرواتيا والإكوادور والأرجنتين وسورينام وأنغولا، فإنّ أكثر من نصف عدد الباحثين فيها من النساء.
ومن أجل تقييم أهميّة علوم المحيطات مقارنة بالمجالات الأخرى، قام معدّو التقرير على نحو خاص بإحصاء عدد المنشورات العلميّة. وتبيّن أن الفترة بين عامي 2010 و 2014 شهدت أكثر من 372852 منشوراً علميّاً، كما أن ّ33% من هذه المنشورات في أوروبا ما يجعلها في الصدارة، ثم تليها آسيا بنسبة 28% وأمريكا الشماليّة بنسبة 26%. أما على مستوى الدول، فقد سجّلت الولايات المتحدة أعلى نسبة من المنشورات، وتليها الصين والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وكندا وأستراليا واليابان. ولكنّ الصين أحرزت أعلى نسبة في التقدّم في ما يتعلّق بالمنشورات العلميّة على غرار عدد من الدول الناشئة مثل البرازيل والهند وإيران وجمهوريّة كوريا.
التعاون أساس البحوث المستقبليّة بشأن المحيطات
يخلص التقرير أخيراً إلى مجموعة من التوصيات لصالح واضعي السياسات. حيث يدعو التقرير على نحو خاص لتعزيز التعاون بين الدول والمؤسسات المختلفة من أجل تمكين عدد أكبر من البلدان من إجراء البحوث وزيادة تأثيرها. كما يوصي التقرير بتعزيز عمليّة جمع ودراسة البيانات وإيجاد مصادر تمويل بديلة.
يهدف التقرير العالمي للجنة اليونسكو الدولية الحكومية لعلوم المحيطات إلى رصد وضع علوم المحيطات حول العالم. هذا وسيساعد التقرير على وجه الخصوص في تحديد الثغرات والإنجازات في مجال علوم المحيطات الذي يؤثر تأثيراً مباشراً على الاقتصاد والبيئة. كما يوفّر هذا التقرير الذي ينشر مرّة كل خمس سنوات أداة لتقييم التقدّم المحرز في تنفيذ الهدف التنموي الرابع عشر الذي اعتمدته الأمم المتحدة في إطار خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والذي ينص على "حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة".