"إيلاف" تجول في المهرة اليمنية (2 من 2)
هنا... جنة في الأرض لغتها قديمة مستمرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تواصل "إيلاف" جولتها الميدانية في محافظة المهرة الواقعة في أقصى شرق اليمن، لترصد أهم المشاهد من طبيعة هذه المحافظة وتراثها الإنساني والثقافي والاجتماعي.
إيلاف من المهرة: للمرأة في محافظة المهرة شخصيتها القوية المتفردة، التي تميزها من كثير من نساء اليمن. وهي حظيت بمكانة عالية في المجتمع المهري الذي يجلّها ويحترمها بشكل قد لا يتصوره أحد.
تقول هند سالم، مديرة تنمية المرأة في محافظة المهرة، إن المرأة المهرية تتربى منذ صغرها على الشجاعة واتخاذ القرار، وهي إنسانة بسيطة على طبيعتها وفطرتها، لكنها تتحلى بالحكمة والصبر والقوة.
تضيف لـ "إيلاف": "للمرأة هنا مكانتها العالية جدًا، فهي حاصلة على حقوقها داخل بيتها وبين مجتمعها أيضًا، وحتى في مهر العروس ليس هناك فرق إذا كانت مطلقة أو بكر، الذي يتم أخذه على البنت يأخذونه أيضًا على المرأة المطلقة، أما في باقي المحافظات الأخرى فالمرأة المطلقة لا يهتمون بها، وربما يكون مهرها قليلًا جدًا، واعتقد أن هذا ليس انتقاصًا من منزلة باقي النساء، لكن تميزت المهرية تميزًا غير عادي من اليمنيات الباقيات بسبب ما تحظى به من اهتمام خاص في كل شي".
ردّت المسؤولة المهرية إلى الأذهان الدور التاريخي والريادي للمرأة في المهرة، قائلةً: "كان للمرأة المهرية في الماضي دور عظيم وكبير من أجل الدفاع عن الوطن، فقد كانت مناضلة ومكافحة من أجل الوطن والحرية، وأثبتت وجودها كامرأة، وشاركت الرجل في كل شيء، وكانت حاضرة في كل شي، ولم يكن دورها مقتصرا على تربية أولادها فحسب، بل كانت مربية ومناضلة وشجاعة وقوية، وكان لكثير من النساء في مرحلة الثورة ضد الاحتلال البريطاني في ستينيات القرن الماضي دور في توفير احتياجات المناضلين، بتجهيز الزاد والماء لهم".
نساء يقتحمن الإعلام
على الرغم من أن المهرة محافظة ريفية ونائية في أقصى شرق اليمن، إلا أن المرأة فيها اقتحمت عالم الاعلام، وهي ظاهرة استثنائية قلما نجدها في محافظات الريف اليمني، التي يندر أن تجد فيها النساء يعملن في العمل الإعلامي.
عند زيارة "إيلاف" لمحطة راديو المهرة، وهي إذاعة حكومية، وجدنا سبع مذيعات مجتمعات في استديو الاذاعة، يشكلن نحو نصف طاقم العمل الإذاعي.
تشير المذيعة سارة محمد إلى أن المرأة المهرية في الزمن الماضي كانت شبه مهمشة، "والآن تراها موجودة في جميع المجالات، لها مكانها ولها قرارها، تراها المهندسة والمعلمة والإعلامية والطبيبة والسياسية، كما التحقت الفتاة المهرية بالتعليم الأساسي والثانوي والجامعي، وتنامت أعداد الطالبات الجامعيات بشكل كبير".
تضيف لـ"إيلاف" أن المرأة المهرية اليوم من صناع القرار، أثبتت وجودها ومكانتها في المجتمع، تشارك الرجل في مناحي الحياة والعمل المختلفة، ولا تقل أهمية ومكانة عنه، وكل منهما له قراره.
جنة الأرض
كان بداية موسم الخريف قد حل عند زيارتنا حوف، المحمية الطبيعة الجميلة باخضرارها وأمطارها وضبابها الكثيف.
تقع حوف على حدود محافظة المرة مع سلطنة عمان. وكانت الحكومة اليمنية قد اعلنت غابات حوف محمية طبيعية في أغسطس عام 2005، حيث تعد من أكبر الغابات في شبه الجزيرة العربية، حيث تسودها النباتات الاستوائية الموسمية منذ مئات السنين، كما تعتبر غابة موسمية محاطة بنظام بيئي جاف بعد موسم سقوط الأمطار، وموطن لأكثر من 300 نوع من النباتات والحيوانات والطيور النادرة.
تتوافد إلى حوف أفواج من السواح من محافظات يمنية عدة، ومن سلطنة عمان، للاستمتاع بالطبيعة الساحرة وكنوز الحياة البرية، إلا أنهم يشكون افتقار حوف إلى مشاريع البنية التحتية، خصوصًا الفنادق والمطاعم.
في هذا الصدد، يقول سالم شنجل، وهو سائح محلي: "حوف منطقة سياحية، فيها مناظر خلابة كما تشاهد، ويأتيها الزوار من محافظات اليمن كلها، وكذلك من بعض الدول الخليجية وخاصة سلطنة عمان وذلك لقضاء الاجازات، وخاصة في موسم الخريف الممتد من يوليو إلى سبتمبر".
يستدرك شنجل في حديثه لـ "إيلاف": "للأسف الشديد، لا اهتمام من الحكومة ولا من رجال الاعمال والقطاع التجاري، حيث تفتقر المحمية إلى الخدمات الفندقية والمطاعم، ما يسبب مغادرة السواح المحليين والخليجيين، فنناشد عبركم كل الجهات المسؤولة في الحكومة اليمنية ورجال الاعمال والاستثمار الاهتمام بهذه الارض الخلابة، واستثمارها بالشكل الذي ينبغي".
هنا... يلتم شمل اليمنيين بلا سلاحهم
للمهريين لغة خاصة
عند تجوالنا في مدن وبلدات المهرة، وجدنا كثيرا من المهريين يتكلمون اللغة المهرية في أحاديثهم الجانبية، وهي ميزة خاصة تفرد بها ابناء محافظتي المهرة وسقطرى عن بقية اليمنيين.
يشير الباحث سالم لحيمر القميري إلى أن اللغة المهرية، على الرغم من قدمها، لا تزال موجودة عند المهريين، وهي لغتهم الثانية بعد اللغة العربية.
يضيف لحيمر لـ "إيلاف": "اللغة المهرية منبع ثقافتنا، وحفظ المهريين تراثهم وأدبهم وثقافتهم بهذه اللغة التي تعد من أقدم اللغات العربية القديمة".
يكشف لحيمر عن اهتمام عدد من المستشرقين الغربيين بدراسة اللغة والحضارة المهريتين: "وصل المستشرق النمساوي (حيم) إلى المهرة في عام 1508، وصور ورسم مجمل تراث المهرة وخاصة في قشن، ثم عاد إلى النمساء واقام هناك متحفًا خاصًا بالمهرة، كما أن المستشرق وللتر مولير كتب عن اللغة المهرية وكان يجيدها، والتقيت به في عام 1989، كما أن المستشرقة ماري كلود سيمون قامت هي الأخرى بدور كبير في دراسة اللغة المهرية، ونشرت أعمالًا ممتازة لنشر اللغة المهرية".
لغة قديمة
يقول عامر سالام، مدير عام المتاحف والآثار في محافظة المهرة، إن المجتمع المهري بأكمله – رجال ونساء - يتحدث المهرية لغةً قديمة لكن بطريقة ارتجالية ويتوارثها ابا عن جد دون دراسة منهجية .
وأضاف سالام لدى زيارة "إيلاف"للمتحف الوطني الحكومي: "تجاوز انتشار لغتنا محافظة المهرة، حيث يتكلمها سكان محافظة ظفار في سلطنة عمان وسكان جزيرة سقطرى، كما اننا نحن في متحف الآثار رصدنا مخربشات وكتابات قديمة على شكل مربعات ومستطيلات وأحرف تعود للغات قديمة".
وأبدى سالام أسفه الشديد لعدم وجود الاهتمام باللغة المهرية، سواء من المجتمع المهري نفسه أو من الجهات المسؤولة، من سلطة محلية أو جامعات، مشيرا إلى أن اللغة المهرية مازالت ارتجالية، وأن هناك أخطاء في النطق من منطقة إلى أخرى، إذ يتعلمها المهري بالوراثة وليس في المدارس أو المراكز التعليمية.
ناشد سالام الحكومة اليمنية إيلاء اللغة المهرية الاهتمام، باعتبارها من اللغات السامية القديمة، من خلال توجيه مراكز البحث العلمي والجامعات بالاهتمام بهذه اللغة ودراستها دراسة علمية، والحفاظ عليها كتراث انساني في المقام الاول .