حث الحكومة على وضع سياسة لتقليص الفوارق الاجتماعية
أمين "الاستقلال" المغربي يدعو الأحزاب لمواجهة التحديات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الرباط: تخلى نزار بركة، أمين عام حزب الاستقلال المغربي المعارض، عن طابعه الهادئ والمسالم موجهاً سهام نقده للأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، حيث دعا الأحزاب السياسية ومختلف الفعاليات إلى وقفة وطنية استراتيجية ذكية لتحصين المكتسبات ومواجهة التحديات التي تهدد استقرار ووحدة الوطن.
وقفة استراتيجية وطنية
وقال بركة، الذي تولى منصب الأمين العام لأعرق حزب مغربي، قبل ثلاثة أشهر، في كلمة ألقاها مساء الخميس بالرباط، بمناسبة تخليد حزبه للذكرى الـ 74 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، "وفاء لروح الإصلاح المتجددة التي تحملها وثيقة المطالبة بالاستقلال، نحن مدعوون اليوم كفاعلين سياسيين وقوى حية من مختلف الأطياف إلى القيام بوقفة استراتيجية وطنية ذكية من أجل ترصيد ما تحقق من مكتسبات وإنجازات ورصد وتحديد مواطن الضعف والاشكاليات المستعصية".
ودعا أمين عام حزب الاستقلال إلى تحديد "التحديات المستجدة وتقييم تداعياتها السلبية ومخاطرها الحالية والمستقبلية على تماسك مشروعنا المجتمعي ونجاح نموذجنا التنموي وصلابة تجربتنا الديمقراطية"، مؤكدًا أن هذه الوقفة الاستراتيجية وطنية من شأنها "انتشال الرؤية التي تحكم مسيرتنا نحو المستقبل من ضغط الآني وديكتاتورية الظرفي والعمل على تحيين هذه الرؤية وإعادة ترتيب أولوياتها".
وحث بركة على أهمية "ضخ دماء جديدة في دينامية الإصلاح والتطور التي انطلقت مع تجربة التناوب التوافقي وتوطدت مع دستور 2011 بسقف حقوقي وديمقراطي عالٍ، وبما يعج به من طموحات وانتظارات وآمال التغيير التي ما فتئ يعبر عنها المواطن المغربي".
وزاد أمين عام حزب الاستقلال مؤكدا "لا محيد من الإسراع بإجراء هذه الوقفة الوطنية ونحن تحدونا الإرادة لجعل سنة 2018 سنة لاستعادة زمام الفعل الاستراتيجي والقطيعة مع الانتظارية والارتجال والتردد وسياسية رد الفعل"، وذلك في انتقاد مبطن منه لحكومة سعد الدين العثماني بأدائها في مختلف المجالات.
وتساءل بركة الذي يشغل في الآن ذاته منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، متسائلا: "هل من الحتمية أن تظل بلادنا في وضعية تتلاشى فيها المشروعية الديمقراطية للانتخابات، خاصة على مستوى المدن، في سياق تنامي العزوف على المشاركة في المسلسل الانتخابي والشأن السياسي؟"، معتبرًا ان هذا الوضع يؤدي لاتساع "الهوة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني المنظم وتصبح آليات التمثيلية والوساطة مع السكان والمجتمع في لحظات الأزمة والاحتقان رهينة بإيقاع الشارع والانفعال والانفلات وهذا هو أصل الخطر على بلادنا"، وفق تعبيره.
شروط إنجاح النموذج التنموي الجديد
وأضاف المتحدث ذاته متسائلاً " هل محتم علينا أن نطبع ونتعايش مع مفارقات "مؤلمة ومستفزة" ينتجها نموذجنا التنموي؟"، مسجلا أن معدل النمو والتشغيل يعرف تراجعًا مستمرًا، اذ قال "كنا نخلق 150 ألف فرصة شغل سنويًا، اليوم نخلق فقط 50 ألف منصب شغل سنوياً، وهذا يؤدي إلى ارتفاع متزايد في بطالة الشباب، يصل اليوم إلى 50 بالمائة في المدن خاصة في صفوف حاملي الشهادات"، حسب بركة.
وشدد بركة أمام المئات من أنصار حزب الاستقلال على أنه من الضروري أن تقف القوى الحية بالبلاد هذه الوقفة الاستراتيجية للقطع مع "المنحى السلبي وتعبئة كل الإرادات الوطنية من أجل القيام بالإصلاحات الضرورية والانتقال إلى جيل جديد من الإصلاحات يكون أكثر نجاعة وقادر على مواجهة التحديات ومواكبة التطلعات المتزايدة"، كما أضاف: "لا محيد لبلادنا عن التفاف كل الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والعمل يدا في يد لإنجاح الأوراش الاستراتيجية الجديدة التي أكد عليها الملك محمد السادس بإرساء نموذج تنموي جديد يمكن من تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ويضمن تكافؤ الفرص بين المواطنين والتوزيع العادل للثروة الوطنية".
وأكد بركة على أن التحول نحو النموذج التنموي الجديد خلال هذه السنة يمر بالضرورة عبر الإسراع في فتح واستكمال عدة أوراش، من أبرزها "ربح معركة التشغيل وهي أم المعارك وندعو الحكومة لجعل سنة 2018 سنة إنعاش وتقوية التشغيل، وأن تراهن على إحداث ما لا يقل عن 150 ألف منصب شغل سنوياً لفائدة الشباب، وذلك من خلال وضع وتنفيذ برنامج استعجالي في المشاريع الصغرى على مستوى الجهات ( المحافظات)، يأخذ في الاعتبار حاجياتها وخصوصياتها".
وحث أمين عام حزب الاستقلال المعارض الحكومة على وضع سياسة لتقليص "الفوارق الاجتماعية والمجالية وتنزيل برنامج استعجالي لتدارك النقص الحاصل في العالم القروي والمناطق النائية وكذا المناطق الحدودية، وتعبئة الطلب العمومي في تأهيل البنيات التحتية والتجهيزات والخدمات الأساسية بكيفية مندمجة وإعادة توزيع الثروة"، معتبرًا أن"لا تنمية ولا سلم إجتماعيا من دون تشغيل".
مراجعة نمط الاقتراع
وطالب بركة في إطار تصور حزبه لإنجاح النموذج التنوي الجديد بضرورة "تأهيل الحقل السياسي بما يعيد الاعتبار لصورة الفاعل السياسي ببلادنا لأنه هو الذي سيحمل هذا النموذج وسيسهر على تفعيله سواء على المستوى الوطني أو الترابي".
وأضاف "لابد أن نضمن انخراط المواطنين في هذه الدينامية كشرط أساسي من شروط إنجاحها".
واسترسل قائلا: "نحن مدعوون كل من موقعه لنعمل جميعًا من أجل استرجاع ثقة المواطنين والفاعلين في مصداقية الممارسة السياسية، وأن تستعيد الوساطة السياسية أدوارها في تمثيل وتأطير المواطن وتمكينه من إسماع صوته والتعبير عن اختياراته".
وأفاد بركة بأن مسعى استعادة الثقة يتطلب "تضافر جهود تخليق الحياة السياسية وترسيخ ثقافة المصلحة العامة والوفاء بالالتزامات واقتران المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد الانتخابي ، وكسب رهان النزاهة والاختيار الحر بعيدًا عن المال والنفوذ".
ولم تقف مطالب بركة عند هذا الحد، بل شملت المطالبة بمراجعة النظام الانتخابي، حيث قال: "ينبغي أن نبدأ منذ هذه السنة بمراجعة وتقييم مدونة الانتخابات وطبيعة نمط الاقتراع الأنسب والأكثر ملاءمة لتقوية الثقة التمثيلية بين المواطن والمنتخب"، وذلك في دعوة صريحة إلى مراجعة نظام الانتخابات التي لا تسمح بفرز أقطاب سياسية واضحة في المشهد السياسي.
رسالة بركة لشباط
واعتبر بركة أن إرث حزب الاستقلال "لا يتسع لغير البناء والتأسيس وبعد النظر، ولا تحركه الأهواء اللحظية ولا العواطف الانفعالية والأطماع الذاتية"، مؤكدا أن "لا مكان فيه للهدم والسجال والأنانيات"، وأضاف "هو رصيد ممتد ومتواصل نحن مؤتمنون على تطويره وإغنائه بأفكار جديدة وبرامج مبتكرة في خدمة المواطن ومواصلة مسلسل الإصلاح والتنمية وترسيخ البناء الديمقراطي"، وذلك في رسالة مشفرة إلى خصمه حميد شباط، الذي حضر المهرجان وهتف أنصاره باسمه بعدما لم يذكره مقدم فقرات الاحتفال.
محطة خالدة في تاريخ المغرب
وبخصوص المناسبة التي جمعت العائلة الاستقلالية، قال بركة إن التخليد الحقيقي لذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال يتجلى في "تشبثنا بالثوابت التي تعزز وحدة الأمة والتزامنا بالممارسات التي تعزز روابط الثقة داخل المجتمع وتجاه المؤسسات الدستورية التي يقوم عليها النموذج المغربي المتميز"، معتبرًا أن تخليد حزبه لهذه الذكرى التي تمثل محطة مضيئة في تاريخ بلادنا جاء "لربط الماضي بالحاضر وتقدير رواد ومهندسي هذا الحدث الخالد" بقيادة حزب الاستقلال وصفوة من رجال الحركة الوطنية من مختلف المناطق بتنسيق ودعم من الملك الراحل محمد الخامس".
وأضاف بركة ان هذه المحطة عكست "التحام إرادة العرش والشعب قاطبة لمواجهة الظلم والاستعمار والقمع في زمن الوصاية والحماية والمطالبة بالحرية والاستقلال وصيانة الوحدة الترابية والديمقراطية للمملكة والدفاع عن الثوابت الوطنية والتشبث بالمقومات الدينية والحضارية والثقافية التي تضمن وحدة وتماسك الأمة المغربية".
وأشار أمين عام حزب الاستقلال إلى أنه رغم مضي 74 سنة على تقديم الوثيقة ، و30 سنة على إقرارها عيدًا وطنيًا من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، مازالت "فلسفتها والمبادئ التي تنتصر حاضرة بقوة تعبر العقود والأجيال من خلال مضمونها الحداثي وروح التضحية التي تشبع بها الموقعون عليها وعبر أبعادها الوطنية والسياسية والاجتماعية التي نجد امتدادها في المشروع المجتمعي المتضامن والمتوازن الذي نطمح إلى تحقيقه في ظل الملكية الدستورية والخيار الديمقراطي".
وقال أيضًا "نستحضر في حزب الاستقلال هذه المناسبة الخالدة في ذاكرة الشعب المغربي بما تقتضيه اللحظة من تبصر وتشبث بالمبادئ والقيم وحب الوطن والوعي بالنضال المتسامي وغيرها من المقومات الأساسية التي أفرزتها، وذلك من أجل مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية، والثبات على هويتنا كمغاربة واستقلاليين واستقلاليات مهما كانت الإغراءات ومهما تطلب ذلك من تضحيات".
لحظة تكريم
وعرف المهرجان تكريم ثلاثة أسماء من رموز حزب الاستقلال الذين غيبهم الموت، وهم محمد بوستة، الأمين العام الأسبق للحزب، والكاتب والأديب عبد الكريم غلاب، بالإضافة إلى الراحل محمد العيساوي المسطاسي ، الذي يعد آخر الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، كما شهد المهرجان حضور غالبية قيادات حزب الاستقلال من بينهم الأمينان العامان السابقان عباس الفاسي، وحميد شباط، وعدد من الوزراء في الحكومات السابقة، بالإضافة إلى مصطفى الكثيري المندوب السامي لرجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير، ومحمد اليازغي الأمين العام الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.