رغم مرور ثلاثة عقود على الانتهاكات
القضاء التونسي يسلط الضوء على التعذيب في عهد الدكتاتورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قابس: شهدت سجون تونس في فترة حكم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، انتهاكات لحقوق الانسان على أشكالها، وممارسات عنيفة بحق المعتقلين ترتقي إلى مستوى الجرائم، ورغم مرور ثلاثة عقود على تلك العمليات، قرر القضاء التونسي النظر في تلك القضايا، عبر محاكمات غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
يسلط القضاء المتخصص في تونس الذي باشر النظر في الجرائم المتعلقة بالعدالة الانتقالية الثلاثاء، الضوء على عمليات التعذيب التي حصلت خلال عهد الدكتاتورية، في خطوة نادرة حتى الآن.
شهود
وعدّد الشهود الذين تكلموا في الجلسة عن تجاوزات نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي المتمثلة في تقييد المساجين عراة في وضع "الدجاجة المصلية"، والجلوس عاريا على قارورة، والبقاء مكبلا بالنافذة لمدة 36 ساعة، وعمليات اغتصاب باستعمال الهراوة، والضرب حتى الموت.
وأصغى خمس قضاة مختصون في مسار العدالة الانتقالية لمدة خمس ساعات، الى الشهود وأفراد عائلة كمال المطماطي، الاسلامي الذي عُذب حتى الموت في تشرين الاول/اكتوبر1991.
العضو في "النهضة"
وروى الطبيب علي عامر العضو في حزب النهضة الذي تم توقيفه وكان شاهدا على "ثلاث أو أربع ساعات" من تعذيب المطماطي، أن رجال الشرطة "طلبوا منّا إدارة وجوهنا عرض الحائط، وشرع ثلاثة شرطيين رياض وأنور ومصطفى في ضربه بوحشية بعصي كبيرة".
وتابع الطبيب "قلت لهم إن لديه كسورا على مستوى يده وعليهم التوقف عن تعذيبه، لكن رئيس الفريق سمير زعتور قال إنه يتظاهر، وانهال عليه بنفسه ضربا بعصا حتى فقد الوعي".
وأشار الطبيب الذي اعتذر عن اجابة بعض الأسئلة بسبب قدم المسألة، الى أنه تعرض للتعذيب بدوره في تلك الفترة، "عندما قلت للشرطيين إنه مات، أخرجوه مباشرة من الغرفة".
بعد ثلاثة عقود
وحاولت المحكمة تسليط الضوء على هذه الأحداث، وأعاد القاضي مساءلة الشهود لفهم التفاصيل، بالرغم من مرور ثلاثة عقود تقريبا وإنكار الشرطيين الذين تمّ استدعاؤهم الى الجلسة.
حتى الآن، لم يتم التطرق الى هذه الجرائم إلا في وسائل إعلامية، او في جلسات علنية لهيئة الحقيقة والكرامة التي استُحدثت في 2014 للنظر في انتهاكات لحقوق الانسان وقعت في تونس بين 1955 و2013.
منظمات حقوقية
وتقول ممثلة المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب كاميل هنري ان في القضايا المتعلقة بالتعذيب وتجاوزات الشرطة امام القضاء المتخصص في القانون العام "يوجد إجمالا الكثير من الإجراءات وقليل من النقاش المعمق"، مضيفة أن "توصيف الحيثيات يبقى سطحيا".
وتوضح مسؤولة مكتب تونس لمنظمة "هيومن رايتس وواتش" آمنة القلالي انه لم يتم تجريم التعذيب الا في 1999 "ولم يكن محور اهتمام في أي قضية ولم يسع القضاة لتفكيك آلياته".
ويبقى مهما اعتماد منهج قضائي في هذه الممارسات التي ما زالت موجودة بالرغم من تطور الأداء الأمني.
شهادات الشرطة
وخلال جلسة المحاكمة الثلاثاء، كشفت شهادات رجال الشرطة عن وجود ثقافة عنف بتأكيدهم أنهم لم يشاهدوا سوى ضرب على الساق وصفعات، وهي أمور لا يزالون يعتبرونها مقبولة.
وقال رجل شرطة عمل في القسم الذي ضُرب فيه كمال المطماطي حتى الموت، في شهادة ادلى بها من وراء ساتر، "لم يكن هناك عنف ممنهج، كان هناك عنف خفيف لمعرفة الحقيقة".
وتقول آمنة القلالي إنه "من النادر ان نحصل خلال جلسات على شهادات متأتية من داخل الجهاز الأمني"، مضيفة "الإنكار وعدم الندم وابتذال العنف كلها ترسم ضمنا ملامح" نظام قمعي.
وتضيف "بالكشف عن هذه الآليات المتجذرة في ثقافة الشرطة يمكن ان نفهم أكثر وأن نعمل على اجتثاثها... بالرغم من ان الطريق لا يزال طويلا".
وتأمل المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب من خلال هذه القضية التي ستليها ثلاثون قضية أخرى على الاقل أمام القضاء، أن يُخلق "إطار أفضل داخل القضاء" من أجل مقاضاة ممارسات التعذيب وعمليات العنف التي تقوم بها الشرطة.
الافلات من العقاب
وتبقى معرفة ما إذا كانت العدالة الانتقالية ستنجح في القضاء على ظاهرة الافلات من العقاب خصوصا أن أي متهم لم يحضر جلسة الثلاثاء. كما لم يحضر أي ممثل عن المتهمين.
وصدر حتى اليوم حكم واحد في حالة تعذيب استنادا للفصل 101 مكرر من المجلة الجزائية التونسية، وقضى بالسجن مع تعليق تنفيذ العقوبة.