وزراء على دراية بملفات التعاون الثنائي يطمئن الرباط
استطلاع "إيلاف المغرب": تفاؤل مغربي من حكم الاشتراكيين في مدريد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الرباط: بنسبة وصلت السبعين في المائة، عبر المشاركون في استطلاع "إيلاف المغرب" عن تفاؤلهم السياسي بعودة الحزب الاشتراكي العمالي إلى قصر "لامنكلوا" مقر رئاسة الحكومة الإسبانية في مدريد.
وسأل موقع "إيلاف المغرب" متصفحيه إن كانوا يعتقدون أن عودة الاشتراكيين إلى السلطة في جارتهم الإيبيرية، ستساهم في إيجاد حلول وتسويات للملفات العالقة بين البلدين الجارين؛ بعضها ضارب في القدم مثل النزاع المزمن بشأن مدينتي سبتة ومليلية وباقي الثغور المحتلة في شمال المملكة المغربية؛ فيما يعود البعض الأخر من المشاكل إلى المستجدات والطوارئ التي يفرزها تطور العلاقات المتأرجحة بين الرباط ومدريد، من قبيل تداعيات مشكل الصيد البحري وتسويق المنتجات الزراعية التي يصدرها المغرب إلى الأسواق الأوروبية، عبر التراب الإسباني، وهو ممر إجباري.
ويدرك المغاربة أن ملف الصيد البحري والمنتوجات الزراعية، يندرجان ضمن صلاحيات المفوضية الأوروبية في بروكسل ، فهي التي تفاوض المغرب، غير أن إسبانيا تكون حاضرة وبقوة دائما في الركن الخفي من غرفة المفاوضات، لأن أية أزمة أو تعثر يعتري التفاوض ينعكس سلباعلى إسبانيا قبل بروكسل ؛ لذلك تلقي الأولى بكامل ثقلها على الشركاء الأوروبيين لترشيح كفة مصالحها عبر تفهم المواقف المغربي.
وعموما تنتهي المفاوضات بتعادل كفة المصالح بين الرباط ومدريد، وخاصة حينما تبدي المملكة المغربية قدرا من المرونة، تبعا لطبيعة الملف الذي يجري النقاش بشأنه، باستثناء القضايا السيادية، وفي طليعتها ملف الصحراء والوحدة الترابية وهما المسبب الأساس للخلافات المستديمة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يتخذ في كثير من الأحيان مواقف يشوبها الالتباس والتردد حيال المطالب المغربية، بينما يبدي علامات الرضى على ما تمليه عليه محكمة العدل الأوروبية بشأن الصيد البحري لما قضت الأخيرة ببطلان اتفاق الصيد بين الرباط وبروكسل ، كونه يشمل الشواطئ الجنوبية (الصحراء)، التي اعتبرها القضاة الأوروبيون ، أرضا خاضعة لسيادة الأمم المتحدة ريثما تتوصل الأطراف إلى حل نهائي لنزاع الصحراء.
وما يغضب الرباط في حالات متكررة، أن بروكسل تغامر بمصالحها وترجح المنطق الذي يروجه الناشطون السياسيون والحقوقيون الأوروبيون المسخرون بمقابل مالي،لإقناع الرأي العام بعدالة أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية الزاعمة بأن المغرب يستغل ثروات المنطقة.
لا يفهم كيف يصحو التنظيم الانفصالي من سباته العميق ليفيق ذات يوم وفي العشرية الثانية من الألفية الثالثة، ليكتشف أن المغرب يستغل الثروات الطبيعية في المحافظات الصحراوية ؟
الأخطر من هذا أن الدعاوى التي ترفعها جمعيات وكيلة عن جبهة البوليساريو ضد المغرب أمام المحكمة الأوروبية، ترفع ضد شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي أي المغرب الذي يتمتع منذ سنوات بصفة الوضع المتقدم، أي أنه كما جرى التصريح بذلك أثناء توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية ؛ يتمتع بكل حقوق وامتيازات الأعضاء الرسميين، باستثناء الحق في التصويت على القرارات السياسية.
هذا التعامل المتقلب هو ما يغضب المغرب ، لذا تتسم ردود أفعاله أحيانا بالاحتجاج حيال ما يظنه مسا بحقوقه الثابتة من طرف شركائه الأوروبيين.
وليس هدف قراءة نتائج هذا الاستطلاع، الدخول في تعقيدات الموقف الأوروبي وخلفياته، وكشف الآليات واللوبيات المؤثرة وتضارب المصالح فيه ؛ الغاية هنا تبيان ما يمكن أن تقوم به مدريد من أدوار في ظل الحكم الجديد، لتلطيف الأجواء على الصعيد الثنائي والمتعدد مع الاتحاد الأوروبي.
جدير بالذكر أن العلاقات بين الرباط ومدريد اتسمت خلال السنوات السبع التي قضاها ،ماريانو راخوي، زعيم الحزب الشعبي المحافظ ، على رأس الحكومة الإسبانية، اتسمت إجمالا بالهدوء ، وربما كان وضعها أحسن مما كان عليه في ظل الحكومة الاشتراكية التي سبقت الحزب الشعبي.
ماذا يمكن أن تفعله إسبانيا الاشتراكية من أجل إنصاف المغرب وتفهم مطالبه المشروعة ؟ لا بد من التذكير هنا أن الوضع الدستوري للحكومة الحالية لا يخلو من إشكالات ، فهي حكومة ذات لون حزبي واحد، مدعومة بأطياف من اليسار والأحزاب القومية، ما يعني أن رئيسها بيدرو سانشيث والاشتراكيين ، ليسوا مطمئنين لاستمرار مكونات الأغلبية الحكومية في مساندتها إذ يمكن أن تسحبها في أي وقت ، رغم أن الخلاف المحتمل بين الأطراف ،سيدور قطعا على خلفية السياسات الداخلية لأسباب انتخابية، وبدرجة اقل بكثير على ملفات السياسة الخارجية.
صحيح كذلك أن رئيس الوزراء الحالي، استطاع استمالة الرأي العام الإسباني الذي رحب بفريقه الحكومي ، لعدة أسباب بينها اعتداله وميله إلى يسار الوسط ، وثانيا احتواء الفريق على غالبية النساء 11 مقابل 17 ، أسندت لهن أهم الحقائب الوزارية. السبب الأخر يكمن في نظرة مخالفة لرئيس الوزراء الاشتراكي لمشكل القوميات وتعاطيه معها وخاصة تلك التي تعبر عن مطالبها بصوت مرتفع مزعج للحكم المركزي ، كما هو الحال في كاتالونيا وإقليم الباسك،على سبيل المثال.
ولتهدئة الخواطر المهتاجة، سارعت السلطة الجديدة إلى فتح الحوار مع الأحزاب الانفصالية التي شقت الطاعة على الحكومة السابقة في كاتالونيا، وأدت إلى تأزيم العلاقة بين الطرفين فجرى الاحتكام إلى الدستور والقضاء.
في هذا السياق، طعم سانشيث فريقه بأسماء من الأقاليم، فتمت ترضية الكاتالانيين والباسكيين والأندلسيين.
والحقيقة أن الانفتاح على الأقاليم أملته الرغبة في إشراكها من جهة وضمان الاستقرار الحكومي وإدامة عمر الولاية التشريعية إلى حين موعدها الدستوري. يعني ذلك أن الحكومة الجديدة لن تنهج بمفردها سياسة حيال المغرب ، لا تختلف في خطوطها العامة عن تلك التي سار عليها الحزب الشعبي . ربما يكون الاشتراكيون أكثر تفهما لوجهات النظر المغربية اعتبارا لعلاقاتهم التاريخية مع المغرب وان كانت قيادة الحزب الجديدة لا تعرف المغرب بما فيه الكفاية مثل رفاقهم السابقين.
يشار في هذا السياق، إلى أن وزيرين في الحكومة الحالية، لقيا الترحيب غير المعلن من المغرب . يتعلق الأمر برئيس الدبلوماسية، جوزيب بوريل،الوزير الأسبق في حكومات رئيس الوزراء فيلبيبي غونثالث ، الذي يتردد على المغرب بين الفينة والأخر في مناسبات ثقافية وسياحية.
الوزير الثاني هو لويس بلاناس، من إقليم الأندلس، المستفيد الأول من اتفاق الصيد البحري .وأمضى حوالي ست سنوات سفيرا لبلاده في الرباط ، وبالتالي فهو ملم بتلابيب ملف الصيد البحري وما يمثله الاتفاق مع المغرب للأسطول الأندلسي.
الوزيران قادران، إن أرادا، على تفهم الموقف المغربي في حالة ما إذا تأزم التفاوض على تجديد اتفاق الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
يصعب فيما تبقى من عمر الولاية التشريعية في إسبانيا،أن تثير الرابط مع مدريد الملف الأزلي العويص: سبتة ومليلية بل حتى التفكير الهادئ يبدو بعيدا ، لتصور بدائل مرنة يمكن أن تطوي رمزيا صفحة آخر استعمار في القارة الأفريقية.
إنه ملف عسير يتطلب صبرا وطول نفس من الجانب المغربي إضافة إلى وضوح الرؤية الإستراتيجية البعيدة المدى والاستخدام الجيد والعقلاني للأوراق التي تمتلكها الرباط، في مقابل تخلي إسبانيا كلها وليس الحزب الاشتراكي ، عن الإرث الاستعماري الاستيطاني.
وبطبيعة الحال، ما دام نزاع الصحراء قائما ، فليس من الوارد أن تفتح الرباط جبهة المواجهة مع مدريد لاستعادة ما تم اقتطاعه بالقوة في فترات الضعف والتراجع. ومدريد أدرى من غيرها بهذه الحقيقة.
يمكن القول كخلاصة إن ما يأمله المغاربة من خلال تصويتهم المتفائل، أن يبتعد شبح التأزم عن العلاقات بين البلدين، وأن تستمر مد ريد في التعامل مع المغرب كجار وحليف استراتيجي ، يتوجب عليها الإصغاء إلى رأيه واعتبار مصالحه الحيوية في سياسة الجوار.
ليس المغرب بمثل قوة إسبانيا ولكنه يستطيع أن يتسبب لها في العديد من المشاكل ما لم يحسنوا التعامل معه دون استعلاء وفي إطار الندية .فالبلدان محكومان بفعل الجغرافية والتاريخ، بالتعاون الوثيق في كافة الميادين، ومن حسن حظ البلدين أن الغالبية فيهما ترى هذا الرأي، رغم ما يشوب العلاقات من عثرات كثيرة في الطريق.