ناجون يدلون بألمهم ودموعهم
مرفأ بيروت: عام بطعم الجحيم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد مرور عام على الانفجار الذي قتل 217 شخصاً وأصيب فيه 7000 آخرون، تقول عائلات ضحايا الانفجار كما الناجون منه إنهم عاجزون عن الهرب من المشهد المتكرر والبشع لذلك النهار.
إيلاف من بيروت: كل يوم، يتحدث جيلبير قرعان مع خطيبته سحر عبر واتساب، مع أنها قُتلت في الانفجار المدمّر الذي عصف ببيروت منذ سنة بالضبط. ويقوم الشاب البالغ من العمر 31 سنة، والذي شلّه الحزن، بشحن خط هاتف شريكته لكي يستمر جهازها بتلقّي رسائل يرسلها وتظل بلا جواب، وفقًا لتقرير مطول، نشره موقع "إندبندنت عربية"، لمناسبة مرور عام على تفجير مرفأ بيروت، في 4 أغسطس 2020.
في كل مكان حوله، تشكّل زوايا منزله نوعاً من النصب التذكاري لشريكته التي جمعته بها علاقة استمرّت سبع سنوات، وهي عملت مسعفة في فوج الإطفاء وكانت في الخدمة يوم مقتلها. لا تخلو أي بقعة في المنزل من صورة أو تمثال أو رسم لسحر فارس، 27 سنة، وهي تبتسم، مرتديةً زيّها الرسمي.
حتى جسم جيلبير تحوّل إلى مزار: فوجه سحر موشوم على ساعده الأيسر واسمها مخطوط على عنقه.
ويقول، بوجه نحته الحزن، وقد خسر جسمه نحو 12 كيلوغراماً من وزنه لعجزه عن تناول الطعام كما يجب طيلة الأشهر الـ12 الماضية "يقولون إن الحياة تستمر لكن حياتي عالقة عند الرابع من أغسطس (آب) 2020، ولا يمكنني متابعتها".
لا أنام
"أعيش الموضوع كل يوم. لا يمكنني النوم. أفكّر باستمرار في أنها مسافرة فقط. لا يمكنني أن أتخيّل أنها لن تدخل من باب المنزل".
وما يزيد الأمر سوءاً هو أن جيلبير كان يتحدث مع سحر عبر اتصال فيديو، بعد الساعة السادسة بدقائق قليلة فقط يوم 4 أغسطس، حين انفجرت مئات (إن لم نقل آلاف) الأطنان من المواد المتفجّرة المُخزّنة بشكل سيء في مرفأ بيروت، وقتلتها على الفور.
كان فريقها في فوج إطفاء بيروت قد أُرسل للمساعدة على إخماد الحريق المشتعل في العنبر رقم 12 الذي حوى مخزون المتفجرات. لم تكن لديها أدنى فكرة أنها تسير نحو موتها المؤكّد.
آخر ما شاهده جيلبير في ذلك الاتصال كان الدخان والألعاب النارية وألسنة النيران المتصاعدة وراء وجهها المرتعب. وصاح بها أن تركض وهذا ما فعلته لعدة دقائق، فيما اهتزّ عالمها وتأرجحت صورته على شاشة الهاتف. ويقول قبل أن يبتلع كلماته ويصمت "ثم انقطع الخط فجأة. وبعد ثانيتين، طرحني الانفجار أرضاً"، على ما جاء في تقرير موقع "إندبندنت عربية".
بعد مرور عام على الانفجار الذي قتل 217 شخصاً وأصيب فيه 7000 آخرون، تقول عائلات ضحايا الانفجار كما الناجون منه لـ"اندبندنت" إنهم عاجزون عن الهرب من المشهد المتكرر والبشع لذلك النهار، لأن القليل جداً قد تغير مذاك، ولم يحدث سوى تقدم ضئيل للغاية.
ومن الأسباب الرئيسية للغضب واليأس، عدم تحميل أي أحد مسؤولية ما يُعتقد أنه أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث. وهو ما حصل على الرغم من وجود إثباتات ورقية مُدينة تكشف أنّ كبار المسؤولين، بدءاً من سلطات المرفأ، ووصولاً إلى رئيس الجمهورية، كانوا على علم بوجود مخزون نترات الأمونيوم القاتل الذي تسبب بالانفجار لكنهم لم يتحركوا قيد أنملة ولم يفعلوا أي شيء حياله. وعوضاً عن ذلك، وصل التحقيق المحلي إلى حائط مسدود، مرّة تلو الأخرى. لم يخضع أي مسؤول رفيع إلى التحقيق كما يجب بسبب عائق الحصانة.
تحركات أكثر تصادمية
هذا الأسبوع، طالبت لجنة مؤلفة من أهالي الضحايا، الذين أقاموا جنازة رمزية خارج منزل أحد المسؤولين على سبيل الاحتجاج، برفع الحصانات عن المتّهمين خلال 30 ساعة، وحذّرت "بأننا سننتقل إلى تحركات أكثر تصادمية". يوم الثلاثاء، حثّت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إعطاء تفويض لإجراء تحقيق دولي كما أنها دعت الدول حتى إلى فرض عقوبات على أهداف محدّدة، كما قال تقرير موقع "إندبندنت عربية".
وما يفاقم الأذى هو أن آلاف المنازل من بين تلك المتضررة أو المدمّرة بسبب الانفجار، والتي قُدّر عددها بسبع وسبعين ألفاً، لم تُرمَّم بالكامل بعد. أما الواجهة البحرية القريبة من المرفأ، التي كان منظرها يوماً مثيراً للإعجاب، ينقسم بين مباني الشقق السكنية والشركات والحانات، فما زالت أرضاً مقفرة ذات خطوط متعرّجة.
وفيما تلقى البلد ضربة إضافية أتت على شكل إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية المُسجّلة في التاريخ الحديث، يصارع الأشخاص الذين ما زالوا يعانون من إصابات بالغة بسبب هذه الجراح وسط نقص مزمن في المواد الطبية أصبح بسببه من شبه المستحيل إيجاد مسكّنات عادية لا تحتاج حتّى إلى وصفة طبيب. ولا توفّر المستشفيات أي متنفّس يُذكر من هذا الوضع، لأنها تحاول العمل مع مستلزمات قليلة وانقطاع في التيار الكهربائي قد يدوم حتى 20 ساعة.
"كل ثانية من كل يوم فيها ألم"
كل صباح، تستيقظ تريسي عواد-نجّار وتبكي لمدة نصف ساعة قبل أن تستجمع قوتها وتكمل يومها في الكفاح من أجل تحقيق العدالة لابنتها. فألكساندرا نجّار ذات السنوات الثلاث واحدة من أصغر ضحايا الانفجار.
وفي غياب أي مساعدة من القوات الأمنية أو الدولة، اضطر والداها مساء الرابع من أغسطس أن ينقلا جسم ألكساندرا الهامد من مستشفى إلى آخر على متن دراجة نارية يملكها شخص غريب، وهما يخشيان أن يكون هذا التأخير هو الذي كلّفها حياتها.
ويخبر زوجها، بول، "اندبندنت" أن ما يزيد "ألم كل ثانية من كل يوم" من شوقه لابنته هو أنّ الجريمة ما زالت من دون عقاب أو حل. ويضيف "لا نملك الحقيقة ولا العدالة ولم يُحمّل أي أحد المسؤولية. وليس لدينا المجال لكي نحزن".
"حتى اليوم الذي أقيمت فيه جنازتها وجرى دفنها، علمنا، زوجتي وأنا، أنه علينا القتال، وعلينا إعلاء صوتنا". ويقول إن العائلات بدأت بالبحث عن المساعدة في الخارج، وبدأت بحثّ المجتمع الدولي ليس على التدخل بل على قطع العلاقات الدبلوماسية مع الأطراف المتورطة بالانفجار. "إنه لإجرام أن يُطلب من الأشخاص نفسهم الذين قتلونا في 4 أغسطس أن يشكّلوا حكومة ويحكموننا مجدداً. هذا أمر لا يُطاق".
10 مرات
تُظهر وثائق رسمية مُسرّبة اطلعت عليها "اندبندنت" أن سلطات الجمارك والجيش والأمن بالإضافة إلى القضاء، حذّرت الحكومات المتعاقبة 10 مرات على الأقل من المخزون الخطير للمواد الكيماوية المتفجّرة التي وصلت على متن سفينة إلى المرفأ في عام 2014.
كما اعترف الرئيس اللبناني ميشال عون بأنه عرف بوجود هذا الخطر لكنه "ترك أمر معالجته لسلطات المرفأ". ومن ناحيته، حصل حسّان دياب، رئيس الوزراء، كذلك على تقرير أمني مفصّل.
وعلى الرغم من هذا، طالب النواب والمسؤولون الذين ينفون الاتهامات بحقّهم في الحصانة على امتداد فترة التحقيق.
وقد وصل الأمر بالسلطات إلى استبعاد أول قاضٍ عُيّن في التحقيق بعد استدعائه شخصيات سياسية إلى الاستجواب. ومذّاك، رفضت طلبات قاضي التحقيق الجديد برفع الحصانة النيابية واستجواب أعضاء بارزين في الأجهزة الأمنية على علاقة بالمأساة.
ويقول أيمن رعد، المحامي المعروف الذي يمثّل أحد الضحايا إن الهيئة الوحيدة التي رفعت الحصانة كانت نقابة المحامين في بيروت، التي يترأسها شخص مستقلّ تعرّض للهجوم بسبب تصرفه.
وفيما تُعتبر هذه الخطوة إيجابية، ما زال هناك "دوامة" من مستويات الحصانة تجعل من المستحيل بالنسبة للعائلات أن تدفع مسار التحقيق نحو الأمام. ويضيف "لديك قضاة ومحامون ونواب ومسؤولون أمنيون ووزراء يلعبون عدة أوراق حصانة. بالتالي، إن كسرت سلسلة واحدة، مثلما فعلت نقابة المحامين في بيروت حين رفعت الحصانة عن شخصين باعتبارهما محاميَين، فما زالوا يتمتعون بالحصانة بصفتهم وزراء أو أعضاء في البرلمان".
ويتابع "هم يتلاعبون بالملف بحيث لا يكون أمامنا خصم واضح نهاجمه. نحن أمام طريق مسدود".
هذا الأسبوع، اتّهمت منظمة العفو الدولية السلطات بقضاء العام الماضي "في عرقلة سعي الضحايا لمعرفة الحقيقة بوقاحة" وبأنها "أعاقت سير العدالة بوقاحة كل مرة".
متهمون ينفون
ومن جهتها، دعت "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر في 700 صفحة، حكومات العالم إلى فرض عقوبات محدّدة تتعلق بحقوق الإنسان والفساد، وتتضمّن منع السفر وتجميد الأصول، وتستهدف المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة والمرتبطة بانفجار 4 أغسطس.
تنفي السلطات بشكل قاطع الاتهامات الموجّهة إليها بالتورّط في الانفجار أو بعرقلة سير العدالة. عندما وجّهت "اندبندنت" سؤالاً عن تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى مكتب رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، الذي اتُّهم إلى جانب ثلاثة وزراء سابقين بالإهمال والتقصير، جاء الردّ بأنه "بذل كل ما يقدر عليه خلال الفترة الزمنية القصيرة... من أجل معالجة قضية نترات الأمونيوم المخزّن في العنبر 12 في مرفأ بيروت".
وأضاف البيان الصادر عن المكتب "إنّ الاتهام بالإهمال والتقصير بينما تصرّف (رئيس الوزراء) كما يجب فوراً وضمن حدود سلطاته الدستورية، ليس فقط اتهاماً لا يقبله العقل، بل هو أيضاً محاولة لتحويل الأنظار عن الجناة الحقيقيين ودفن الحقيقة التي طالب رئيس الوزراء القضاء بالكشف عنها".
ورفض مكتبه الردّ على أسئلة محددة حول دعوات رفع الحصانة. كما أصدر بياناً ألقى فيه باللوم على "تراكم الفساد" و"الدولة العميقة".
وجاء في البيان "لقد كشف انفجار 4 آب عورات البلد. انكشف جانب من الفساد الذي ينهش لبنان، وظهرت معالم الدولة العميقة، دولة الفساد".
ما زلت هناك
كانت كارمن الخوري التي أربكها صوت شبيه بصوت طائرة تحلّق على علو منخفض، تحدّق في السماء حين انشقّت وأطلقت حلقة جهنّمية بيضاء سحقت كل ما في طريقها.
استعادت وعيها وهي مسمّرة تحت سيارة وقعت فوقها عارضة حديدية ثقيلة خُلعت من الأرض، وبقربها سيدة تحتضر وتختنق بدمائها. ومرّت بهما سيدة أخرى وهي تحمل يدها المقطوعة.
وسط فوضى المستشفيات الغارقة بما لا طاقة لها على تحمّله، مرّت أيام عدة قبل أن تحصل الأستاذة والإدارية الجامعية على تشخيص كامل.
واستطاعت في النهاية علاج كتفها المخلوعة وكوعها المكسور ووتر أخيل (العرقوب) الممزق. لكن بعد عام على الحادث، سوف تضطر لمغادرة البلاد بسبب الضرر الذي ألحقته قوة الضربة بإحدى كليتيها، مع نفاد الأدوية وحاجتها لغسيل الكلى غير المتاح لها، كما يقول تقرير "إندبندنت عربية".
وتقول الأم لولدين وهي تشرح معاناتها اليومية من الألم "إن أجهزة غسيل الكلى لا تعمل: واللوازم الطبية المتوافرة قليلة لدرجة أنهم لا يعطونها سوى لمن لديه كليتين معطوبتين".
"لا أملك أياً من الأدوية الأخرى التي أحتاجها هنا لذلك أسعى للحصول عليها عبر أي أحد يستطيع أن يجلبها معه من الخارج".
باتت السيدة التي كانت يوماً من الفئات الأكثر حظاً في لبنان تعاني من أجل تلبية احتياجاتها الأساسية. هي تقبض راتبها الجامعي بالليرة اللبنانية التي خسرت أكثر من 90 في المئة من قيمتها خلال العام الماضي، أي أن راتبها الشهري أصبح لا يزيد على بضع مئات الدولارات. أمّا مدخراتها بعد ثلاثة عقود من العمل تقريباً، فلا قيمة لها.
وتقول "لم أتلقّ أي مساعدة لتغطية النفقات الطبية، ولم يقدم لنا الجيش أي تعويض لقاء الأضرار اللاحقة بالمنزل ولم نحصل على أي دعم من الدولة".
تشبه قصتها قصص كثيرين يتعاملون مع إصابات غيّرت مجرى حياتهم في بلد انهار اقتصاده بالكامل. في يناير (كانون الثاني)، أفاد المجلس النرويجي للاجئين أنّ 42 في المئة من الأُسر التي تأثّرت بالانفجار ولديها مشكلات طبية مزمنة عاجزة عن متابعة علاجها- ويُعتقد أن هذه النسبة ارتفعت كثيراً الآن.
وأضافت السيدة الخوري بنبرة ملتاعة مألوفة "ما زلت هناك في الرابع من أغسطس. دمّر ذلك اليوم منازلنا وحياتنا. من الصعب جداً أن يكون المرء عاجزاً إلى هذه الدرجة ولا يعلم أين يذهب وماذا يفعل".
لا عدالة ولا أجوبة
بعد تجربة عقود طويلة من الحرب الأهلية، عرفت ماكروهي أركانيان وعمّها المسنّ أنه من الحكمة الابتعاد عن النوافذ حين سُمع عند الساعة السادسة في الرابع من أغسطس الدوي الأول من مستودع المرفأ الذي لا يبعد عنهما سوى بضع مئات الأمتار.
وما هي إلّا ثوانٍ حتّى عصف ضغط الإعصار الأبيض بمنزلهما. جلست السيدة اللبنانية الأرمنية البالغة من العمر 74 سنة ساعات طويلة في المنزل المخرّب بقرب جثّة قريبها المغطاة بالدماء، إذ لم يأتِ أحد لمساعدتها.
بعد مرور عامٍ، يبدو منزل ماكروهي، وهو واحد من بين 77 ألف وحدة سكنية تعرّضت للدمار أو لحقت بها الأضرار وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، مجمّداً في ذلك الحال من الخراب. وتشرح أنّ لا أحد أتى لإزالة الركام، فما بالك بتصليح المكان.
وفي الواقع، تقول ماكروهي إن الأشخاص الوحيدين الذين ساعدوها كانوا متطوعين نقلوا بعض أثمن ممتلكاتها إلى شقة صغيرة جداً تستأجرها حالياً في مكان آخر من المدينة.
حصلت أخيراً على تعويض بقيمة 30 مليون ليرة (نحو 1500 دولار على سعر صرف السوق السوداء) من الجيش اللبناني تعتاش حالياً منه. لكنه لن يدوم طويلاً مع الارتفاع الجنوني في الأسعار. وتسأل وهي تشقّ طريقها عبر الركام "لماذا لم تساعدني السلطات على الأقل في تنظيف الشقة؟". "أشتاق كثيراً إلى منزلي. لا عدالة ولا أجوبة. لم نحصل على أي شيء".
نحو خمسين في المئة فقط من أصل 77 ألف مبنى متضرراً في الانفجار بحسب التقديرات قد أُصلح، وفقاً لتصريحات رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية، مارون الحلو لقناة الجزيرة الأسبوع الماضي.
وهو ما يعني أنّ آلاف الأشخاص ما زالوا مشرّدين، أو يعانون مثل ماكروهي، من أجل تدبير أمورهم في مساكن مُستأجرة مؤقتة، فيما الأسعار تحلّق.
وتقول إيلينا ديكوميتيس من المجلس النرويجي للاجئين لـ"اندبندنت" إن عدداً كبيراً من الناس معرّض للطرد لأنه بات عاجزاً عن دفع مستحقات الإيجار وبات يتناول وجبة أقلّ لكي يتمكن من الاستمرار.
وتضيف أنّ "الأحياء الأقرب إلى قلب انفجار المرفأ كانت أساساً من أفقر المناطق في المدينة قبل الانفجار وقد بلغت الآن مستويات أعمق من الفقر".
نحن الأموات
بعد مرور عام، ما زالت عائلات الضحايا كما الناجون العالقون في دوامة من الألم، يقاتلون وقد تعهدوا بالنزول إلى الشارع في 4 أغسطس ضمن مسيرات حاشدة.
وهكذا، تصاعدت "رياح التغيير" من قلب الرماد، كما يقول بول نجار. ويضيف: "بعد الرابع من أغسطس، شعرنا بولادة حركة جديدة، حلّت حركة تضامن هائلة محلّ غياب التحرك الحكومي"، ثم يشرح أن ذلك تطوّر إلى ما بعد تنظيف المواطنين الشوارع وتوزيعهم الطعام ومساعدتهم على إعادة بناء المنازل.
الشهر الماضي، انتُخب على رأس لائحة من المرشحين المستقلين الذين اكتسحوا انتخابات قيادة نقابة المهندسين في بيروت، التي تسيطر عليها عادة الأحزاب الرئيسية في البلاد. وبلغت المشاركة ثلاثة أضعاف تلك التي سجّلتها الانتخابات النقابية السابقة، بحسب تقرير "إندبندنت عربية".
وهو يقول إن هذه هي الخطوة الأولى في كسر قبضة الهيكلية الحزبية التقليدية في البلاد التي تمسك بزمام السلطة.
أما بالنسبة لجيلبير، فيكمن الأمل في محاسبة المسؤولين عن الانفجار باعتبارها الخطوة الأولى في كسر نمط قديم ومتجذر من الحصانة التي يتمتّع بها المسؤولون الفاسدون الذين عاثوا في البلاد خراباً.
ويقول لـ"اندبندنت" وهو يضع شارةً عليها وجه سحر "بالنسبة لي، لن يخفف هذا الأمر ألمي لكنني أضغط على التحقيق من أجل الضحايا، لكي لا يكونوا مجرّد أرقام".
"لو استطعنا تحقيق العدالة، قد يساعد ذلك في المستقبل، جيل الشباب، كي يروا بعض التغيير على الأقل".
ويشرح أنه في ما يبدو الموضوع مستحيلاً في الوقت الحالي، ما زالوا عالقين في جحيم 4 أغسطس.
ويضيف بصوت متهدّج "أشكر الله أن سحر لم تضطر للعيش في الوضع الحالي للبلاد. هي في مكان أفضل منّا نحن في لبنان".
"أحياناً أقول إن سحر هي على قيد الحياة فيما نحن الأموات".