أخبار

تعلّموا كيف يناضلون من أجل البقاء

شهادات موجعة من قلب النزاع في مالي

عنصر سابق في ميليشيا من الدوغون في وسط مالي في الثالث من أبريل 2021
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

موبتي (مالي): علقوا في دوامة العنف المتواصلة في مالي منذ 2015، وتعلّموا كيف يناضلون من أجل البقاء: بينهم جندي، وتلميذة مدرسة، وأستاذ مدرسة، وجهادي... أدلوا بشهادات تمثّل جوانب مختلفة من نزاع دام.

وأجرت فرانس برس هذه المقابلات في تواريخ مختلفة على مدى أشهر في باماكو وموبتي وسيفاريه، في مناطق صعبة وخطرة بالنسبة إلى الصحافيين والعاملين في المجال الإنساني.

بدأت أعمال العنف في وسط مالي في 2015 مع ظهور مجموعة جهادية بقيادة داعية إسلامي متطرف من إتنية البول أمادو كوفا.

وترتبط المجموعة بتنظيم القاعدة، وترفض كل وجود لدولة مالي، وتريد إقامة مجتمع إسلامي متشدّد. جنّدت عدداً كبيراً من أعضائها بين إتنية البول المهمّشة، قبل أن تجنّد آخرين. وعادت معها انقسامات قديمة بين المجموعات التي تقطن المنطقة.

وتشكّلت مجموعات تدّعي الدفاع عن أفرادها مثل دان نان أمباساغو داخل إتنية الدوغون. بدأت بتجمّع قرويين يريدون الدفاع عن منازلهم، وتحوّلت إلى ميليشيا، واتُهمت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. تمّ حلّها رسمياً، لكنها لا تزال ناشطة.

واتّهمت منظمات غير حكومية الجيش المالي بالتنسيق مع نان دان أمباساغو ضد الجهاديين.

واضطرت بعض القرى أحياناً بالقوة، إلى توقيع اتفاقات سلام مع مجموعة كوفا الجهادية كتيبة ماسينا.

ونزح خلال النزاع قرابة مئتي ألف من السكان، بينما قتل الآلاف.

شهادات حية

وافق ثمانية أشخاص كانوا يقطنون مناطق شهدت أعمال عنف على أن يتكلموا مع وكالة فرانس برس شرط عدم الكشف عن هوياتهم، وبالتالي اعتمدوا أسماء مستعارة. وهذه روايتهم:

كان جورج (أربعيني) مدير فندق ورأى الحرب تصل إلى حيث يقيم في 2017. توقّف السياح عن المجيء، وظهرت الأسلحة، فانضم إلى ميليشيا من الدوغون.

ويروي "لم يحصل أبداً خلاف بين البول والدوغون قبل ذلك. كانت القرية هادئة. ثم بدأت تظهر المشاكل. عندنا، بدأت بقصة فرد من البول قتل حكيماً من الدوغون.

بعد ذلك، وصل البول السيئون (الجهاديون). ونُقل إلينا أنهم كانوا يعتدون على القرى المجاورة، وكان علينا أن ندافع عن أنفسنا.

كنت أنا الابن الأكبر في العائلة، وكنت قد ورثت بندقية صيد من والدي. كنت أنا المسؤول وكنت مضطراً لأن أذهب للقتال. وانضم إلى الميليشيا أيضاً 14 شخصاً آخرين من القرية.

كنا نحرس الطريق، نطلب من المارة أحياناً قليلاً من المال لنشتري سجائر أو طعاماً. كانت الأمور تسير بشكل جيد إلى حد ما.

بعد ذلك، حصلت خلافات. كان البعض يشرب الكحول كثيراً، ويستغلون نفوذهم. كانوا يجبرون الناس على احترامهم، ويفرضون عليهم غرامات غير معقولة. وفي لحظة فهمت.

لم نعد نقاتل الجهاديين، كنا نبتز الناس، بمن فيهم الدوغون. لم أدخل إلى دان نان أمباساغو من أجل إلحاق الضرر بأحد، إنما من أجل مساعدة الناس. ذهبت لمقابلة القائد. قلت له أن لدي ما أفعله في باماكو. ذهبت ولم أعد".

هجمات وقتل

تروي فاتوماتا (14 عاماً) بخجل بينما تحدّق بالأرض، ليلة 23 آذار/مارس 2019 الدامية. داهم مسلحون فجراً الجزء الذي يقطنه أفراد من إتنية البول في قرية أوغوساغو. وُجّهت أصابع الاتهام إلى دان نان أمباساغو. فُتح تحقيق لم تنشر نتائجه بعد.

"عندما هوجمت القرية المتاخمة لقريتنا، لجأنا إلى بول آخرين في أوغاساغو. وفعل الجميع مثلنا. فرغت قرى البول في كل مكان.

بعد أشهر، تعرضت أوغاساغو للهجوم بدورها في بداية موسم القطاف. بعد صلاة الفجر، طوقوا القرية وأطلقوا النار في كل مكان.

عندما بدأ الهجوم، استلقينا أرضاً في الكوخ. أطلقوا علينا النار من الخارج. خرجتُ مسرعة ولجأتُ إلى كوخ آخر مع والدتي. كنا منحنين، لكن الرجال دخلوا وأطلقوا النار على كل المتواجدين.

كنّا ثمانية في الكوخ. قتل ستة. غبتُ عن الوعي، ولا شك ظنوا أنني متّ. عندما استفقت، كان هناك مسعفون في المكان. فتحت عيني، والدتي كانت هنا إلى جانبي، ميتة".

وقتل 157 شخصاً في تلك الليلة. وأصيبت فاتوماتا بكسور في ساقيها. وقد لجأت إلى مخيم نازحين في موبتي، العاصمة الإقليمية.

كان الجهاديون التابعون لأمادو كوفا يهاجمون في المنطقة رموز الدولة والعالم الغربي. تحولت المدارس إلى هدف. أقفلت حوالى ألف مدرسة. وكان صديقي (36 عاماً) يعلّم في مدرسة.

"كنا مدركين أن الوضع سيء. وكانت تصلنا أصداء إقفال المدارس، لكننا كنا نواصل العمل من أجل الأطفال. في ذلك الأربعاء، كانت الساعة 11,45. وصل أشخاص على دراجات نارية وطوقوا المدرسة.

سمعنا صوت رشاشات. كانوا يطلقون النار في الهواء وعلى البوابات. تجمعنا كلنا في الخارج، معلمين وتلامذة. كان هناك أشخاص من مجموعات إتنية مختلفة. اقترب الواصلون من المدير وقالوا له: (لماذا؟ طلبنا منك أن تقفل المدرسة). وضربوه. كانت الدموع تملأ أعيننا، لكننا احتفظنا بهدوئنا.

ثم تعرضوا لي أيضاً. وأخذ بعضهم دراجاتنا النارية. لم يكن في إمكاننا أن نفعل شيئاً. عندما وصلت إلى المنزل مساء، وقعت أرضاً فجأة. بدأت زوجتي بالصراخ، لم تفهم شيئاً. عندها أدركتُ ما حصل ووقع الصدمة. غادرنا منذ ذلك اليوم، وأنتظر أن يعود الأمن".

ويعيش صديقي في مدينة كبرى في الوسط، وهو عاطل عن العمل، ويريد أن يعود إلى التعليم.

أستاذ أو مخبر

يتحدث بشير (42 عاماً) عن "الظلم" الذي لحق به: في البداية كان الجهاديون يتهمونه بأنه مخبر للجيش. ثم اتهمه الدوغون بأنه جهادي.

"كنت الصحافي الوحيد من إتنية البول في المنطقة. جاء الجهاديون إلى قريتي وطلبوا مقابلة والديّ. قالوا لهما إنني أعطي معلومات للجيش في إذاعتي. وقالوا لوالدتي (سنقتله إذا عثرنا عليه). غادرت القرية إلى المدينة.

ولكن الأمور تدهورت هناك أيضاً. كان الدوغون أكثرية في المدينة، والبول غادروا كلهم تقريباً. كنت أغطي تظاهرة تحتج على غياب الدولة. صرخ بي أشخاص من الدوغون سائلين لمَ أسجل بهاتفي. فقلت (أنا صحافي).

لجأت إلى مركز الشرطة، وتقدمت بشكوى، لكن لم يحصل شيء. لا أستغرب أن يتهمني الجهاديون بأنني مخبر لأنني أعمل في الإذاعة، لأنهم لا يسعون إلى الفهم، لكن أن يعتبر سكان أنني جهادي لأنني بول، هذا اختزال".

أصبح بشير أستاذ لغة عربية في مدينة في الوسط، ولا يزال يتعاون عن بعد مع إذاعته.

لم يعد للحياة معنى

تجهش روكيا (خمسينية) في كوخ تفوح منه رائحة السمك، بالبكاء. ككثيرين من المدنيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في خضم حرب أهلية، لا تفهم هذه الصيادة المنتمية إلى إتنية بوزو كيف خطف معظم أفراد عائلتها ذات يوم من العام 2018 من على ضفاف نهر النيجر.

"كانت العائلة في النهر. أشار إلينا رجال على الضفة من مركز تفتيش بأن نتوقف. توقفنا حتى لا يقتلونا. طلبوا من الرجال أن ينزلوا من المركب للتفتيش. بين الأشخاص الـ23 الذين نزلوا، كان هناك زوجي با وشقيقاي أمادو وسينبارما، وولدي محمد ولاسانا.

تكلمت مع الجهاديين. حاولت أن أقول لهم إن ليس لدينا شيء ضدهم، وإننا هنا فقط للصيد. قالوا لي إنهم هم هنا من أجل الله. لا أفهم، لا أفهم لم فعلوا هذا.

مرت ثلاث سنوات، ولم أرَ زوجي منذ ذلك اليوم، ولا شقيقي ولا ابني. لم أعد أنام، ولم يعد للحياة معنى. يمكنهم أن يتابعوا، أن يتوقفوا. لا فرق بالنسبة إليّ.

لم يبقَ من العائلة إلا رجل واحد، أمادو الصغير الذي ولد بعد يومين من عملية الخطف".

وتعيش روكيا مع نساء العائلة الأخريات اليوم في محيط موبتي، ولا يذهبن إلى الصيد، ويعشن من إعانات منظمات غير حكومية محلية.

الجهاديون

كان بلال (37 عاماً) يعمل في بيع السمك، لكن مدخوله لم يعد يكفيه مع تراجع تجارة السمك بسبب انعدام الأمن. وعندما عرض عليه صديق القيام بعمل آخر، لم يتردّد.

"ذهبت لمقابلتهم عبر وسيط. اقترحوا علي البقاء. خلال الأشهر الثلاثة الأولى، التقيت هناك بأصدقاء طفولة والمدرسة القرآنية. كنت أقوم بالخدمة: تأمين الماء، غسيل الدراجات. كان المعسكر في غابة، وكان كل شيء منظماً.

كنت مقتنعاً بأن هؤلاء الأشخاص الذين يُسمّون جهاديين يحترمون الإنسان أكثر من الجيش. يهاجمون الأشخاص الذين لا يحترمون الشريعة. كانت معركة ضد لاعدالة الدولة.

كان هناك أشخاص من كل الإتنيات في المجموعة، لكن كان هناك العديد من البول طبعاً. أنا أنتمي إلى البامانان (بمبارا). أدركت بعد حين أنهم لا يملكون وسائل تطبيق الشريعة، وبالتالي، كان بعضهم ينفذ غزوات، يهاجم قرى من أجل الحصول على الطعام والماشية.

قصدت القاضي في المعسكر، لكنه رفض القيام بشيء. قبل أن أغفو، كنت أحلل حياتي كل مساء. أظن أنني كنت في الإجمال إنساناً جيداً. فهل يمكن أن أشارك في هجمات ضد أناس، فقط لأحصل على الطعام؟

فكرت في زوجتي التي اشتقت إليها. عندما تزوجنا، عالتها أوكلتني بها، وأنا هجرتها عملياً. مع مرور الليالي، ازددت اقتناعاً. ساعدني داعية على الهرب".

يعيش بلال اليوم في مدينة كبيرة في الوسط، وترفض زوجته رؤيته.

لست جهادياً

قاسم (42 عاماً) تاجر من البول. يسكن في مدينة تعرضت لتسلل جهاديين مراراً، وكذلك لعمليات لجنود ماليين.

"كان ذلك يوم اثنين الساعة 15,00. كنت مع شابين نناقش إلى جانب الطريق. وكانت هناك قطعان غنم وماعز. مرت سيارة عسكرية في المكان، وطلب منا من في داخلها أن نركب معهم. سألتهم (لماذا؟).

أنا بول لكنني لست جهادياً.

في مؤخرة السيارة، قيدوا أرجلنا وأيدينا، وعصبوا أعيننا. أمضينا 24 ساعة من دون أن نشرب أو نأكل. أزالوا العصبة عن أعيننا والتقطوا صورة لنا أضافوا إليها سلاحاً لم يكن لنا، ثم اقتادونا إلى مركز الشرطة.

هناك، قالوا لنا إن لدينا أسلحة ودراجات. الدراجة، صحيح، لكن السلاح، لا.

اقتادونا إلى باماكو. واعتقلونا لمدة 28 يوماً قبل الإفراج عنا. يعتقدون أننا، كبول، موافقون كلنا على الجهاد. يريدون أن يخلقوا الكراهية بين الإتنيات. وعندما يفعلون هذا، ليس من أجل بناء مالي، إنما من أجل تدميرها".

عاد قاسم إلى مدينته، لكنه يرغب بالرحيل.

على الجبهة، ينتشر الجنود الماليون في معسكرات قد يتعرضون لدى خروجهم منها للألغام اليدوية الصنع، وهي إحدى الوسائل المفضلة للجهاديين، أو لهجمات.

"على الأرض، في الصباح، نشرب قهوة بكميات كبيرة ولكن ذات نوعية سيئة. هناك غالباً نقص في الطعام والدواء والذخائر. ذات صباح، (لم يحدد السنة)، تلقينا إنذاراً في المعسكر. كانت الساعة 11,00. غادرنا عبر طريق تقع بين تلتين.

15 شخصاً، أربع سيارات، لا مدرعات. فجأة دوّى انفجار كبير. فتحت عيني، رأيت رفيقي مقطوعين إلى نصفين مع إمعائهما في الخارج. وكان هناك ثالث مقتولاً أيضاً. حُفرت الصورة في ذاكرتي.

عندما أدركت ما حصل، كان بدأ إطلاق النار. كانوا يختبئون بين العشب. استمر الأمر عشرين دقيقة. لم تكن لدينا ذخائر كافية، بينما كانوا هم يطلقون النار من دون توقف.

نجحنا بالانسحاب. لا أتمنى لأحد أن يشهد انفجار لغم. في الوسط، غالباً ما يستخدم الجهاديون الألغام ضدنا. الله هو الذي يقرر كل شيء، لكنني أعرف أنه، في وسط مالي، الحرب ليست حلاً".

وخضع مالك (ثلاثيني) لعلاج نفسي على مدى أشهر، وهو اليوم في باماكو في انتظار فصله إلى مكان آخر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف