ثقافات

باعتباره "أيقونة" لمعت في المجال الفكري والفلسفي

"منتدى أصيلة" يكرم الكاتب والمفكر المغربي عبد السلام بن عبد العالي

جانب من الندوة التكريمية للكاتب والمفكر المغربي عبد السلام بن عبد العالي ضمن فعالية "خيمة الابداع" في موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ43
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من أصيلة: احتفى منتدى أصيلة، الجمعة، في إطار فعاليات دورته الثالثة والأربعين، بالكاتب والمفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي، وذلك وفاء لما درج عليه المنظمون عليه طيلة سنوات، حين قرروا أن يقيموا ندوة تكريمية له في إطار "خيمة الإبداع"، وأن يجعلوا منها "مناسبة لتكريمِ نخبة من الشخصيات المغربية والعربية، ذات الفضل والتميز والعطاء، من مفكرين وكتاب ومبدعين"؛ وهو التكريم الذي يشكل فرصة لاستحضار وتمثل الإسهامات القيّمةِ للشخصية المُحتفى بها، كما قال محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة في جلسة افتتاح هذه الندوة التي احتضنها مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، والمبرمجة ضمن فعاليات الدورة السادسة والثلاثين لجامعة المعتمد ابن عباد المفتوحة، بمشاركة عدد من الباحثين الأكاديميين والكتاب والمثقفين المنشغلين بالفكر الفلسفي، قدموا شهادات في حق المحتفى به ومداخلات على علاقة بمحاور اهتماماته العلمية والفكرية.
وحرصت "مؤسسة منتدى أصيلة"، بالمناسبة، على تنسيق كتاب جماعي، يضم أعمال الندوة ويوثق لهذهِ اللحظة التكريمية.

سيرة
يزاوج بنعبد العالي في كتاباته بين الفكر والأدب والنقد والترجمة.وقد استطاع على امتداد مساره العلمي الحافل، أن ينحت حضورا منتظما في الساحة الفكرية بالمغرب، سواء من موقعه كأستاذ جامعي، أو كباحث ظل يلاحق ظل الفلسفة وأطيافها، ويتتبع تلاحق التطورات والمستجدات، وتجدد النظريات والأطروحات في الفكر المعاصر؛ يحلل ويدقق ويقارن، من دون أن يركن إلى البديهيات أو المسلمات، بل يؤثث كثيرا من النصوص التي كتبها، بغير قليل من حواريات مفترضة مع مخاطب، يحضر فيها أسلوب الجدل والسجال والمحاججة، ومنطق البرهنة والاستدلال، ولا سيما عندما يتناول ظواهر ثقافية أو مجتمعية أو تربوية، أو سلوكية أو نفسية، مما يعيشه الإنسان المعاصر أو يعرض له في حياته اليومية، من قبيل ما تناوله في كتابيه "ثقافة الأذن وثقافة العين" و"كأنك تقول الشيء نفسه".


صورة الكاتب المغربي عبد السلام بنعبد العالي

وراكم بن عبد العالي عشرات الكتب والترجمات، نذكر منها "أسس الفكر الفلسفي المعاصر"، و"حوار مع الفكر الفرنسي"، و"لا أملك إلا المسافات التي تُبعدني"، و"في الترجمة"، و"ضيافة الغريب"، و"جرح الكائن"، و"القراءة رافعة رأسها"، و"ضد الراهن"، و"الكتابة بالقفز والوثب"، و"عبد الفتاح كيليطو أو عشق اللسانين". كما أغنى الخزانة العربية بترجمات مهمة، على غرار: "الكتابة والتناسخ"، و"أتكلم جميع اللغات لكن بالعربية" لعبد الفتاح كيليطو، و"درس السيميولوجيا" لرولان بارت، و"الرمز والسلطة" لبيير بورديو.
وتُحسب لبنعبد العالي، بحسب أرضية الندوة، قدرته على الجمع بين الحفاظ على الطابع النظري، وأحيانا التجريدي المكثف في كتاباته وتحاليله، وبين إنزال الفكر الفلسفي من عليائه التنظيري، إلى مستوى معقول من التبسيط والسلاسة، توخيا للوصول إلى أوسع القراء، مما سيصبح معه التحليل الفلسفي تملكا جماعيا، عوض أن يبقى منتوجا فكريا، يقتصر بين نخبة العارفين المختصين. اختيار حقق في نجاحا ملحوظا، كما هو الشأن في كتابه "البوب فلسفة".

أيقونة مغربية
قال بن عيسى إن مؤسسة منتدى أصيلة اختارت في موسمها الحالي، أن تحتفي بـ"أيقونة مغربية" لمعت في المجال الفكري والفلسفي"، ممثلة في شخصية بنعبد العالي، وذلك "اعتزازا بما بذله، طيلة ما يقارب نصف قرن من جهود علمية رصينة، في خدمة البحث الفلسفي بالمغرب وخارجه، تدريسا وتأليفا وترجمة"، ولما يجسده من تجربة طويلة ومنتجة، في حقل البحث والتأليف الفلسفي والترجمة، وتقديرا لمكانته، بوصفه مفكرا طليعيا، ساهم بكثافة في التنويرِ العقلاني، والتجديد الفكري، وفي تمكين قراء اللغة العربية، من الاطلاعِ المستمر عبر ترجماته، على أمهات النصوص في الفكر الفلسفي الغربي المعاصر.
وأشار بن عيسى إلى أن بنعبد العالي، بما أسهم به من دراساتٍ فلسفية غزيرة، ومن إنتاجٍ نظري مميز، إنما "يعكس مَعارِفه الواسعة، وقدراته التحليلية اللافِتة. كما يعكس تمكنه من تقنياتِ الكتابة الفلسفية، وتملكه المنهجي للقضايا والموضوعات والظواهر التي يتناولُها بالدرس والتحليل، وهو ما حقق لاسمه وأعماله، مساحاتٍ شاسعة من التداول والانتشار، في الأوساطِ الفكرية وفي منابرِ الإعلامِ الثقافيّ، مغربيا وعربيا".

رجل ألمعي
تحدث عبد الإله التهاني، الكاتب والإعلامي المشرف على الندوة، ومنسق أعمالها بالاشتراك مع الشاعر والناقد أحمد زنيبر، عن المكانة العلمية المرموقة التي يتمتع بها بنعبد العالي في الجامعة المغربية كما في الساحة الفكرية مغربيا وعربيا، مكبرا، في من وصفه بـ"الرجل الألمعي"، دوره الريادي مع أبناء جيله في تأصيل الدرس الفلسفي في الجامعة المغربية أولا، ثم ثانيا دوره في إشاعة الفكر الفلسفي خارجها وعمله الدؤوب والصبور مع زملائه، ليجعلوا من الفلسفة مكونا أساسيا في المشهد الثقافي بالمغرب، تشهد على ذلك مؤلفاته التي تعد بالعشرات، سواء تلك التي خصصها للفلسفة الإسلامية، أو لأعمال كبار فلاسفة الغرب أو ترجماته المتميزة وغير المسبوقة أحيانا، تعزيزا لعملية المثاقفة، وتأكيدا منه على أهمية وضرورة وحيوية الانفتاح على تراث ومعارف الآخر.
ورأى التهاني أن بنعبد العالي نجح في أن يتمثل الرصيد التاريخي للمعرفة الإنسانية، وأن يتعامل معها بعقل متفتح ورؤية منفتحة، بخلفية نقدية صارمة.

شهادات
تضمن برنامج الندوة التكريمية، ثلاث جلسات بمشاركة نخبة من الكتاب والباحثين المغاربة، قدموا شهادات ومداخلات أكدت أهمية وقيمة المنجز الفكري والعلمي الذي راكمه المحتفى به، على مستوى الفكر الفلسفي المغربي المعاصر.
جاءت الشهادات والمداخلات غنية ومتكاملة، ركزت على تجربة الرجل ومسار الفكري ودفء العلاقة الإنسانية التي جمعته بزملائه وطلبته.
من بين المتدخلين، في الجلسة الأولى، تحدث كمال عبد اللطيف ، أستاذ الفلسفة السياسية والفكر العربي المعاصر ، عن تميز تجربة بنعبد العالي، مشيرا إلى أن في نصوصه شاعرية مليئة بالإيقاع تنتظر القارئ الذي يقترب من أنغامها؛ فيما رأى الشاعر والروائي محمد الأشعري أن بنعبد العالي يتوسل كتابة شفافة هادفة تبني بيدين صرحا أدبيا رفيعا، وأنه لا يتردد في خلخلة اللغة التي يكتب بها أو العلاقة بالأفكار.
وتحدث المترجم والكاتب الصحفي المعطي قبال عن "معلمة فكرية"، لعبت "دورا رياديا في التربية الفكرية لأجيال". ورأى في المحتفى به ذلك "الترجمان والوسيط الفكري الذي قربنا من الآخر النقدي".
وتحدث محمد المصباحي، الكاتب والباحث وأستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، في ثاني جلسات الندوة، عن بنعبد العالي الذي "لا ينتصر للفلسفة الكبرى ذات النصوص الرصينة والمتماسكة، بل يفضل الفلسفة الصغرى التي تكتفي بالشذرات والأقوال الصغيرة المبعثرة، والخواطر القائمة على التلميح والإيماء بمعانيها الخاطفة وبطاقة تأثيرها المباشر والمفاجئ على القارئ". ورأى أن بنعبد العالي نجح في إخراج الفلسفة من أزقتها الأكاديمية الضيقة، إلى فضاء الجمهور الواسع، بعد أن حررها من عوائقها الذاتية وأكسبها المقبولية، مستجيبا لطلب سوق القراءة الذي لم يعد يطيق المقالات الطويلة؛ كما استطاع تطويع الفلسفة على مستوى اللغة والأسلوب، لتغدو على يديه رشيقة خفيفة مرحة مسلية.
من جهته، قال الكاتب الصحفي لحسن لعسيبي إنه لا يمكن عزل مسار بنعبد العالي عن سيرورة الدرس الفلسفي بالمغرب خلال السبعين سنة الماضية، ورأى فيه ابنا شرعيا على المستوى الفكري للمسار الذي أخذه البحث الفلسفي المغربي؛ منتهيا إلى أن بنعبد العالي "يطرح السؤال المخلخل جيدا ولا يدعي امتلاكه الجواب".
وفيما قدم الكاتب والروائي عبد الفتاح كيليطو مداخلة تحت عنوان "فكأنها نقلت من غير أن تترجم"، بدا فيها وفيا لما عرفه عنه القراء من قدرة مبدعة على خلخلة وتفكيك للنصوص، لاحظ الأكاديمي والباحث المتخصص في اللسانيات والتأويليات محمد الحيرش أن أسئلة التأويل تشغل موقعا حيويا في فكر بنعبد العالي، كما تحظى في ممارسته الفلسفية بأهمية بالغة، مع إشارته إلى أن الأمر يتعلق بممارسة فلسفية متعددة المشاغل تستوحي حوافزها من البحث والنظر من عمق ثقافة منفتحة للتأويل.
وفيما عنون الباحث والكاتب الصحفي عبد العزيز كوكاس مداخلته ب"الكاتب المتعدد والمفكر المسكون بحرقة السؤال، الذي يحرث أكثر من حقل بيد واحدة"، قدم الكاتب والمترجم محمد آيت حنا، ورقة تعريفية شاملة للمحتفى به.
واختتمت الندوة، بكلمة المحتفى به، تحدث فيها عن تجربته، ممثلا للمفاهيم التي نحتها والقناعات التي كرسها على مستوى اختياراته الفكرية، منتهيا إلى أنه "لا يمكن للفلسفة اليوم أن تكون إلا تفاعلا مع تبعات الحياة المعاصرة، بهدف مقاومة ما يسودها من أشكال البلاهة لخلق المسافات التي تفصلنا عنها، وهي تستدعي تبعا لذلك كتابة أقرب الى الاستجابة اللحظية، لما ينفك يتجدد".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف