اعتبر المواقف الدولية من الأحداث مخيبة للآمال
خبير لـ"ايلاف": اقتتال السودان مخطط لتحويل المنطقة إلى دويلات متناحرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من لندن: توقع خبير وباحث سياسي سوداني ان يُعلي الاقتتال الحالي في بلاده من شأن أحزاب سياسية وحركات مسلحة على حساب أخرى، معتبرًا أن ما يحدث هناك مخطط لإعادة رسم المنطقة وإنشاء دويلات متناحرة.
ووصف الخبير والباحث السياسي في الشؤون السودانية معتصم الحارث الضوّي في مقابلة اجرتها معه "ايلاف" الوضع الحالي هناك بأنه دولة عجيبة يتنافس على حكمها رئيسان. معتبرا ان القضاء على قوات الردع السريع مسألة وقت فقط.. وفيما يلي اجوبته على أسئلتها:
وضع مقلوب فجر الاقتتال السوداني
*ما هي خلفيات وأسباب اندلاع القتال الحالي بين الجيش السوداني وقوات الردع السريع؟
... لم يأتِ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مفاجئا لأي من المراقبين الذي يتابعون المشهد السوداني فالسؤال الحقيقي كان عن التوقيت وليس ما إذا كان الطرفان سيتقاتلان فالعقيدة القتالية لأي جيش وطني ترفض وجود قوة مسلحة منافسة، ودروس التاريخ تعلمنا بأن نتيجة الوضع المقلوب كانت نشوب الحرب الدامية عاجلا أم آجلا.
لا تقتصر أسباب نفور الجيش السوداني من قوات الدعم السريع على التمدد الذي أنجزه الأخير خلال الأعوام الماضية، بل تشمل أيضا اتخاذ قائده، الجنرال حميدتي، سياسة موازية للحاكم الفعلي للبلاد، تمثلت في زيارات خارجية كان يُجريها دون اطلاع الدولة على أسبابها أو نتائجها، وفي محاولته الهيمنة على قطاعات الإسكان والصحة والتعدين.. إلخ مما خلق وضعا عجيبا لدولة يتنافس على حكمها رئيسان!
مخطط لدويلات متناحرة
* من يقف وراء الاقتتال.. داخليا ..عربيا .. ودوليا؟
... توجد عوامل إقليمية ودولية فاقمت من الأهمية الفائقة للسودان بموقعه الجيوسياسي، ونقلت بعض الأجندات المؤجلة إلى قائمة الأولويات، خاصة والمنطقة تشهد إعادة ترتيب كبرى للأوراق، شملت المصالحة السعودية الإيرانية، وحرب الطاقة المستعرة، وتغلغل ميليشيا فاغنر في القارة الأفريقية، واندفاع الصين لتنفيذ مشروعها للقرن الحادي والعشرين؛ مبادرة الحزام والطريق، والسباق المحموم على الهيمنة على البحر الأحمر المتمثل في أوكازيون القواعد الأجنبية في منطقة القرن الأفريقي، وسحب أميركا للغطاء العسكري عن دول الخليج، وليس آخرا السعي الخليجي لتأمين البحر الأحمر الذي يُستخدم لنقل كل صادراتها من الطاقة الأحفورية إلى أوروبا. لذا فإن خلط الأوراق في المعادلة السودانية يُعد جزءا صميما من المخططات المرسومة لإعادة رسم المنطقة، وإنشاء دويلات متناحرة.
تدخل اسرائيل يرفضه السودانيون
*أين موقع اسرائيل من هذا الاقتتال بعد التوجهات السودانية الرسمية الاخيرة لتطبيع العلاقات معها؟
... ان لغة السياسة الدولية لا تعرف إلا المصالح، ولذا تداعت القوى الإقليمية والدولية على القصعة السودانية؛ يحاول كل منها التهام نصيب الأسد، ولا عجب إذ يحظى السودان بثروات زراعية ورعوية ضخمة، علاوة على مخزوناته الهائلة من المعادن، والتي تشمل الذهب والفضة والنحاس واليورانيوم والنفط والحديد والكوبالت والمنغنيز ومعادن الأرض النادرة. لقد اكتسب الحصول على تلك المعادن أهمية قصوى خاصة خلال الأعوام الماضية بسبب التسابق الصناعي والاقتصادي بين الصين وأميركا، والنزاع بين الصين وتايوان، وليس آخرا الحرب في أوكرانيا.
تجدر الإشارة هنا إلى عرض خبيث للوساطة قدّمه العدو الصهيوني، وردّ المستشار السياسي لقائد الدعم السريع التحية بأفضل منها، حيث قارن بين الصراع السوداني حاليا وما يتعرض له الجيش الصهيوني من عمليات فدائية ينفذها الفلسطينيون! وبصرف النظر عن تهافت المقارنة فإن الشارع السوداني يرفض التطبيع لأسباب مبدئية أيا كانت المسوغات ومهما كانت المبررات.
تقاطع للمصالح
*هل تعتقد أن مصالح دولية وجدت من الساحة السودانية أرضا لتصفية خلافاتها؟ من هي وكيف؟
... إن الأهمية الجيوستراتجية التي ذكرناها آنفا اجتذبت انتباه القاصي والداني إلى السودان الذي كان يُعدُ حتى زمن قريب دولة على الهامش الجيوستراتيجي، وصنعت حالة محمومة من التسابق للهيمنة على مقدراته السياسية وثرواته الطبيعية الهائلة، ومما دعم تلك التوجهات حالة الوهن البالغ التي تعانيها البلاد في ظل أزمة سياسية كبرى، وتدهور اقتصادي مُريع، وانسداد آفاق التحوّل الديمقراطي الذي ينشده الشعب السوداني.
السودان هو نقطة تقاطع للمصالح بين العديد من الدول الإقليمية، والقوى العالمية الكبرى المتصارعة؛ أمريكا وروسيا والصين، خاصة وأن توجّه العودة إلى أفريقيا قد بدأ منذ عام 2005، وشهد تصاعدا كبيرا في الكم والكيف. ثمة تنافس حاد على السودان ومنطقة وسط أفريقيا والقرن الأفريقي، وربما من أكبر الأدلة على ذلك التزايد المطرد في عدد القواعد الأجنبية في المنطقة، جيبوتي مثالا، وربما يكون تنامي التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء وفي موزمبيق أيضا من أهم العوامل التي دفعت الدول الكبرى لاتخاذ مواقع متقدمة في القارة.
فشل تجييش الشارع السوداني
*ما هي الآثار الاستراتيجية الداخلية للخراب الحاصل في السودان حاليا؟
... على الصعيد الشعبي، تصاعد مستوى الاصطفاف الجماهيري حول الجيش السوداني إلى مستويات لم يعرفها منذ عقود، وذلك رغم الدفوعات التي يطلقها البعض بأن حزب المؤتمر الوطني المحلول الذي حكم البلاد لتسعة وعشرين سنة يقف حاضنةَ سياسيةَ في دعم الجيش، وتُواجه تلك المقولات عادة بأن الجيش مؤسسة مهنية تحمي الوطن والمواطن، ولذا يسهل إصلاحها في المستقبل إذا تطلب الأمر على عكس قوات الدعم السريع التي يصمُها الكثيرون بأنها ميليشيا قبلية منفلتة تعبر عن رأي قائدها وأهوائه فحسب.
ولذلك كانت أولى الضربات التي تلقتها قوات الدعم السريع بعد اندلاع القتال هو فشلها الذريع في تجييش الشارع السوداني لصالحها، وتخلي حلفائها عنها وعدم توفيرهم الحاضنة السياسية المطلوبة بشدة.
الموقف الدولي من أحداث السودان مخيب للآمال
*هل تتخوف من أن تصاعد عمليات غلق السفارات وترحيل الجاليات الأجنبية من السودان سيترك البلاد من دون اهتمام دولي قد يدفع لحرب أهلية تُقسم البلاد؟
... أن ردود الأفعال الدولية على الأحداث في السودان جاءت مخيبة لآمال قطاعات من الشعب، فبخلاف الدعاوى الدبلوماسية المنمقة لوقف إطلاق النار وإحلال السلام، فقد كان المواطنون يتوقعون وصول المساعدات الطبية والإنسانية للحيلولة دون انتشار الأوبئة وتفاقم الوضع الصحي المتأزم بالفعل بسبب جائحة كورونا والتدهور الاقتصادي. ويشير بعضهم بالقول: لا بأس أن تنقلوا دبلوماسيكم، ولكن لماذا لم تحمل طائراتكم أدوية في طريقها إلى السودان؟! من ناحية أخرى، ينحو البعض الآخر للتشاؤم بأن انسحاب البعثات الدبلوماسية سيعني تلقائيا توقف اهتمام الدول بالشأن السوداني مما يُضعف وتيرة المساعي الدولية الحميدة لإحلال السلام وإصلاح الوضع الاقتصادي.
القضاء على قوات الدعم السريع مسألة وقت
*هل تعتقد ان القوى المدنية السودانية قادرة على التدخل سياسيا وانهاء الاقتتال في البلاد.. ام هي جزء خفي منه؟
... أن المشهد السياسي في السودان يكتنفه شيء من الضبابية، إذ آثر العديد من الأحزاب السودانية الصمت المطبق في الأيام الأوائل من النزاع، ثم انفتحت شهية التصريحات، ولكنها جاءت مخيبة لآمال تيارات عريضة من الشارع السوداني، خاصة وأنها اكتفت بالدعوة لوقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية دون اتخاذ مواقف واضحة، وهذا ما دعا الشارع السوداني الذي أشرنا أعلاه إلى مساندته الواضحة للجيش لاعتبار تلك التصريحات الحزبية مراوغة ماكرة تحمل في طيّاتها مساندة قوات الدعم السريع، ولكن باستخدام خطاب منمق يدعو للتهدئة دون أن يجرؤ على تقديم المساندة الواضحة للدعم السريع خشية من الغضب الشعبي المؤكد.
إن من الصعب التكهن في الوقت الحالي بالنتائج طويلة المدى للصراع في الساحة السودانية، ولكنه بلا شك سيُعيد رسم الخريطة السياسية وموازين القوى العسكرية في المستقبل المنظور، علاوة على أنه سيُعلي من شأن أحزاب سياسية وحركات مسلحة بعينها على حساب البقية، وذلك وفقا لديناميكية وخريطة التحالفات التي ستتشكل بعد القضاء على قوات الدعم السريع، والتي أصبحت مسألة وقت ليس إلا وذلك بحسب كل المعطيات الميدانية والمعلومات المتوفرة من مصادر موثوقة.