ثقافات

روائي لبناني أرته الحرب مدى ارتباط الأدب بالشر والأوجاع والمآسي

"منتدى أصيلة" يُسلّم رشيد الضعيف جائزة محمد زفزاف للرواية العربية

محمد بن عيسى يسلم رشيد الضعيف جائزة محمد زفزاف للرواية العربية
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من أصيلة: جاء حفل تسليم جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، في دورتها الثامنة، مساء السبت، للروائي اللبناني رشيد الضعيف، لتؤكد قيمة الرجل وقناعاته بخصوص الكتابة الإبداعية، ولتبرز أهمية الأدب، بالنسبة للفرد وللجماعة، وهو ما لخصه كاتب "تقنيات البؤس"، بقوله إننا "حين نكتب بحرية نتحرر من ثقل الموروث وتذهب كتابتنا إلى قلب الحقيقة، إلى ما هو إنساني".


محمد بن عيسى يسلم رشيد الضعيف شهادة الجائزة

وتميز الحفل، الذي نظم ضمن فعاليات منتدى أصيلة الـ44، وحضره محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، وترأسه الباحث والناقد شرف الدين ماجدولين، بكلمات المحتفى به والمنظمين، فضلا عن عدد من أعضاء لجنة تحكيم هذه الجائزة التي تسلمها مؤسسة "منتدى أصيلة"، وتمنح مرة كل ثلاث سنوات، بالتناوب مع جائزتي "تشكايا أوتامسي" للشعر الأفريقي و"بلند الحيدري" للشعراء العرب الشباب.

صوت متميز
قالت الروائية اللبنانية كاتيا غصن، وعضو لجنة التحكيم، إن الضعيف صوت متميز على الساحة الروائية العربية واللبنانية، وأن مشواره الروائي طويل وغزير، وله أوجه متعددة.
ورأت غصن أن كتابة الضعيف لها مجموعة من الخصائص، بينها ميزتان: أولاهما، أنه يتعمد ألا يدخل الرواية من باب السرديات والقضايا الوطنية الكبرى، وثانيهما، أن لغته مصقولة ومنحوتة تبتعد عن البلاغة والشرح.
وأضافت "إننا إذا أردنا أن نصنف لغته وكتابته فإننا يمكن أن نقول إنها تتمتع بما يسمى السهل الممتنع.

فوز مستحق
سارت كلمات باقي أعضاء لجنة التحكيم على نفس منوال كلمة غصن، فقال الروائي التونسي شكري المبخوت، إن فوز الروائي اللبناني بالجائزة مستحق، وأن هذا الفوز جاء ليتوج أربعين سنة، على الأقل، من الكتابة السردية بنسق حثيث. ورأى المبخوت أن ما يميز كتابات الضعيف، عنايته الدقيقة بالتفاصيل اليومية وبالتباينات التي جعلته يكتب كتابة متقشفة ليس فيها تلك البديهيات والبلاغيات، ولكن فيها بلاغة جديدة، لا بد من الانتباه إلى ميزاتها.


شكري المبخوت يتحدث خلال حفل تسليم الجائزة

أما الناقد المغربي سعيد بنكراد، فقال إن الضعيف يبدو أكثر قدرة على استشراف ما يوده الناس، في المعيش اليومي وفي الأحلام.

تحفيز وتتويج
بدوره، تحدث شرف الدين ماجدولين، منسق اللقاء، عن القصد من الجائزة، مشيرا إلى أنه يتمثل في ربط المغرب والإبداع المغربي والمبدعين المغاربة بالعمق العربي، وكذا تحفيز المبدعين وتتويج المسارات الناضجة، الحافلة، التي تكون لها بصمتها وحضورها.
وقال ماجدولين إن الجائزة نهضت بهذا الدور ، وسلطت الدور على مسارات، وعلى تجارب وأسماء صنعت جزء من مجد المشهد الثقافي العربي.
من جهته، قال بن عيسى، في معرض شهادته في حق الكاتب اللبناني، إن الضعيف إنسان مختلف ككاتب وكروائي، وكمبدع يرى الأمور بعينين مختلفتين.

الجائزة .. حافز ومسؤولية
تحدث الضعيف، في بداية كلمة ألقاها بالمناسبة، عن الجوائز بشكل عام، فقال إنها حافز، بقدر ما يرقى مستواها وتشتد جديتها تصعب المسؤولية التي تلقيها على كاهل مستحقها.
وسبق أن فاز بالجائزة ذاتها كتاب من دول عربية مختلفة، حيث فاز بالدورة الأولى،في 2002، الروائي السوداني الطيب صالح، وذهبت في دورة 2005 إلى الروائي الليبي إبراهيم الكوني، وفي دورة 2008 إلى الروائي المغربي مبارك ربيع، وفي دورة 2010 إلى الروائي السوري حنا مينة. أما في دورة 2013 ففازت بها الروائية الفلسطينية سحر خليفة، وفي دورة 2016 الروائي التونسي حسونة المصباحي، بينما فاز بها الروائي المغربي أحمد المديني في دورة 2018.

الكتابة.. الحرب والحقيقة
في معرض كلمته، قدم الضعيف جملة ملاحظات، تحدث فيها عن تجربته في الكتابة الروائية، وربطها بحياته في بيروت وكذا طريقة فهمه للكتابة، فقال إن "الممارسة السائدة في الرواية والسينما والمسرح هي أن الفن يجب أن يكون في خدمة الحقيقة، والحقيقة قد تكون قضية الطبقة العاملة أو الأمة أو المرأة وغيرها".
وأضاف أن هذا هو معنى القول السائد "الفن صورة عن الواقع".
وتحدث الضعيف عن الرواية كما يراها، وقال إنها "فن وصولي"، "لذلك سعى دائما إلى توظيف ما اعتدنا على تسميته الواقع أو الحقيقة في خدمة الرواية، وليس العكس" .ثم أضاف: "الواقع عندي يجب أن يكون في خدمة الرواية، وليس العكس. أظن أن هذه حال الأعمال الإبداعية في كافة الفنون، وإلا كيف نفهم قول العرب قديما "الشعر أكذبه" .. الكذب، هنا، في مجال الفن هو تجاوز الواقع، وهو بكلمة أخرى الخيال، والخيال، هنا، هو الحرية. هو التحرر من منطق الواقع وسياقاته ومن المفاهيم السائدة فيه. إننا حين نكتب بحرية نتحرر من ثقل الموروث وتذهب كتابتنا إلى قلب الحقيقة، إلى ما هو إنساني. حينذاك تكون الفنون مشاركة للعلوم في إنتاج المعرفة، المعرفة بالذات وبالعالم. وهكذا نعطي لوجودنا ككُتاب بعض المعنى. هذا هو الأثر الذي أحلم بتركه، وأجهد من أجله".


جانب من الحضور في حفل تسليم الجائزة وتبدو الكاتبة الفلسطيني ليانة بدر والكاتبة اللبنانية علوية صبح والكاتبة المصرية مي التلمساني والناقدة والكاتبة المصرية اماني فؤاد

وشدد الضعيف على أنه ذهب في أعماله الروائية صوب اتجاهات كثيرة، وأنه كلما شعر بأنه استنفد قولا في موضوع، انتقل إلى آخر، مع إشارته إلى أنه كتب ما عاشه وما عاشه الناس في الحرب الأهلية في لبنان، وفي العلاقة بين الرجل والمرأة، وفي الانتماء والهوية، وفي الحداثة، وغيرها. وأنه كثيرا ما استعمل في كتابته ضمير المتكلم.
وفي هذا الصدد، تحدث الضعيف عن المكان الذي يعيش فيه، وقال إنه يحتل وجدانه بقوة. ثم قال: ""أثناء مرحلة إعمار بيروت بعد الحرب الأهلية كنت أجول صباحا على ورش الإعمار . أتناول فطوري وأنا أستمتع برؤية هذه المشاريع تنجز في مدينتي ومن أجلها. أحب ما هو للغير كأنه بيتي، وهو بيتي حقيقة. ما معنى أن يسلم بيتي حين تخرب المدينة، وحين يغرق الطوفان البيوت كلها إلا بيتك؟ فهل أنت تجافي الحقيقة إذا قلت إن الطوفان أغرق بيتك؟ وحين يخطف قريبك كل يوم ويقتل جارك كل يوم، فهل أنت مجاف للحقيقة إذا قلت إنك خطفت وقتلت؟ هل من الذاتية الدعية في هذه الحالة أن تتصرف على أساس أن اختطافك أو قتلك هو حادث فعلا وكائن حقيقة؟". لذلك شدد على أنه يشعر نفسه ممتدا إلى سائر البشر، وأنه هنا وهناك في الوقت نفسه.
وأضاف: "نعم قد يحوي ضمير المتكلم البشر جميعا وليس مهما أن يكون ما يروى مستوحى من تجربة شخصية أو من تجارب الآخرين أو أن يكون بضمير المتكلم أو بضمير الغائب، بل المهم أن يكون في محله من البناء العام للرواية".
وقال الضعيف إن كتابة الرواية تتراوح لديه بين طرفين اثنين: الرواية الدنيا والرواية الفصحى، مشيرا إلى أنه كتب الأولى بلغة قريبة من التداول، تناول فيها أمورا لا ينصح الوالد ابنته بقراءتها. رواية لا تقرأ في الحيز العام أو في الفضاء العام ولا تعتد بها الجموع. أما الرواية الفصحى، فقال إنه كتبها بلغة مشبعة، مليئة بالإحالات الثقافية التراثية، وبالموقف منها في الوقت ذاته، وجعل اللغة فيها شخصية من شخصياتها، وموضوعا من موضوعاتها.
وتحدث الضعيف، مرة أخرى، عن الحرب الأهلية اللبنانية وعلاقتها بتجربته الإبداعية، فقال: "أثناء الحرب في لبنان، اتضح لي أمر أساسي،هو أن اللغة تجري كما تشاء. ولا علاقة لها بالواقع، كما نتصوره. اللغة تقرأ الواقع على هواها. اتضح لي أننا أدوات لكائن بهيمي غاضب، غامض، جبار هو التاريخ. أننا أدواته التي يستعملها ليجري. لا أحد يعرف إلى أين، ولا هو ذاته يعرف إلى أين ... الحرب أرتني بأم العين وباللمس أيضا أن الشر ليس له قرار، وأن في الإنسان طاقة على الأذى لا توصف، وأن العداء شعور ضروري للناس، وأن الإنسان إذا عدم العدو أخرج من نفسه عدوا ليقاتله".
وقال الضعيف إن الحرب أرته أن الأدب، وربما الفنون كافة، مرتبط بالشر والأوجاع والمآسي، لذلك كان من هذا الأثر الذي أورثته إياه الحرب أنه كتب بحرية.ثم قال: "كتبت حينها لا لأنشر،بل لأكتب.ولذلك لم أكتب نسجا على منوال. أقول اليوم بثقة أن الحرية هي المسؤولية الكبرى، لأنها قد تؤدي بك إلى الهلاك أو إلى نيل جائزة محمد زفزاف".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف