أخبار

يستعد لزيارة مرتقبة إلى البيت الأبيض

رؤية السوداني الواضحة لـ"العراق أولاً"

رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته إلى برلين، في 13 كانون الثاني (يناير) 2023
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بغداد: في منطقة تعج بهزات جيوسياسية، وبلد يعيقه صراع داخلي، يقف العراق تحت قيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عند منعطف محوري في محاولته إعادة بناء ليس مدنه ومؤسساته فحسب، بل نسيج هويته الوطنية.

وبينما يستعد لزيارة مرتقبة إلى البيت الأبيض، تتلخص طموحات السوداني في رؤيته "العراق أولاً"، وهو المبدأ الذي يهدف إلى استعادة سيادة العراق وحزمه على خلفية الضغوط الخارجية المتصاعدة والانقسامات الداخلية الشديدة.

ويعكس هذا المسعى الجريء آمال العراقيين الدائمة ومحاولاتهم لاستعادة الاستقرار واستئناف التقدم المتوقف في دولة متعطشة للتغيير.

ومع ذلك، لا يزال يتعين طرح السؤال حول ما إذا كان المسار الحالي للعراق، والجهود التي يبذلها رئيس الوزراء لتوجيه البلاد عبر الاضطرابات التي ورثها، وحتى نتائج زيارته المستقبلية لواشنطن، ستحقق أخيرًا الطموحات التي استعصت بغداد على تحقيقها لأكثر من عقدين من الزمن.

في الوقت الحالي، لا تزال هيئة المحلفين غير مكتملة، نظراً للتحديات المتعددة الأوجه التي يواجهها العراق، بما في ذلك التوغلات الأجنبية، والحروب بالوكالة، والانقسامات السياسية العميقة التي تقوض سلطة الدولة وتؤدي إلى تآكل قدرتها على العمل.

ومن ناحية أخرى، فإن فترة ولاية السوداني، رغم أنها اتسمت ببعض التقدم على صعيد الاستقرار والتنمية، توضح الصعوبات التي تواجه محاولة حكم أمة لا تتمتع إلا بمظهر من السيادة.

ومع ذلك فإن هذا لم يثني بغداد عن الشروع في تحول ملحوظ بعيداً عن دور "المجذوم" العاجز المحاصر بين الموقف الأميركي الغامض وإيران العدوانية، نحو دبلوماسية أكثر حزماً وإستراتيجية.

علاقة العراق مع الولايات المتحدة
إن علاقة العراق مع الولايات المتحدة، التي اتسمت تاريخياً بمناورات معقدة متأثرة بالتوترات بين واشنطن وطهران، تشهد تحولاً في عهد السوداني. وبعيداً عن أن يكون ملعباً للسياسة الانتهازية، يسعى العراق تحت قيادته إلى ترسيخ سياسته الخارجية ضمن رؤية استراتيجية تعطي الأولوية للمصالح الوطنية والسيادة. ويعكس هذا التوجه فهماً ناضجاً للدور المحوري الذي يلعبه العراق في المنطقة وقدرته على العمل كجسر في الديناميكيات بين الولايات المتحدة وإيران، بدلاً من أن يكون ساحة معركة للمواجهات بينهما.

الداخل العراقي
وفي الداخل، لا يزال المشهد السياسي في العراق محفوفاً بالضغوط التي تمارسها الفصائل الشيعية والسنية والكردية، وهو ما يمثل تحدياً هائلاً لأي زعيم. وعلى الصعيد الداخلي، تتآكل السيادة العراقية بسبب تجزئة المشهد السياسي وتأثير الميليشيات المسلحة. لقد أعاقت الانقسامات الطائفية والعرقية، التي تفاقمت بسبب نظام المحاصصة السياسية الذي تم تطبيقه بعد عام 2003، تطوير هوية وطنية متماسكة ورؤية موحدة للدولة.
وتعمل الجماعات المسلحة، وخاصة تلك المتحالفة مع إيران، مع الإفلات من العقاب، وتتحدى سلطة الدولة وقواتها الأمنية. إن جهود السوداني لتحسين الحكم والتنمية يتم تقويضها باستمرار من قبل هذه الفصائل، التي تعطي الأولوية لأجنداتها الخاصة على المصالح الوطنية.

انسحاب القوات الأميركية
ومع ذلك، فإن ارتباطات السوداني، على سبيل المثال، أثناء المحادثات حول انسحاب القوات الأمريكية تجسد التزامه بوضع المصالح العراقية في المقدمة والمركز، على النقيض من الاستسلام المعتاد. وعلى الرغم من التقارير التي تتحدث عن تداعيات محتملة من واشنطن، فإن صمود رئيس الوزراء في إبراز صوت بغداد وآرائها يؤكد التزامه بسياسة العراق أولاً أثناء إدارة مثل هذا الحوار.

سيكون لنتائج مثل هذه المحادثات، سواء كانت جيدة أو سيئة، تداعيات هائلة على سياسة البلاد واقتصادها وسياستها الخارجية وديناميكياتها الأمنية، مما يستلزم التعامل معها برؤية الوحدة والتقدم في العراق، بدلاً من السماح بمكاسب سياسية قصيرة المدى. لتقويض إرث الإصلاح الدائم.

الانتخابات البرلمانية المقبلة
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، المتوقع إجراؤها في أواخر عام 2025، أصبحت الحاجة إلى تحقيق إنجازات ملموسة أكثر إلحاحاً بالنسبة لحكومة السوداني من أي وقت مضى. وعلى الرغم من الانحرافات الحتمية للسياسة الانتخابية والقيود التي تفرضها التحالفات السياسية المتغيرة باستمرار، فإنه لا يزال يركز على تجاوز النزاعات بين الفصائل.

سيكون من الخطأ الفادح التقليل من تأثير السوداني في بغداد بسبب الانقسامات المتزايدة، نظراً لأن مثل هذه الانقسامات تعمل على تسليط الضوء على نقاط الضعف العميقة في النسيج الاجتماعي السياسي التي تتطلب رؤية العراق أولاً قادرة على تحدي النماذج السياسية الراسخة.

مثل هذه الاحتكاكات لن تعرقل مبادرات السوداني. لقد أصبحت المرجل الذي يتم من خلاله اختبار همة التزام "العراق أولاً" وإثبات صحتها، تماماً مثل الجهود الرامية إلى تنفيذ برنامج حكومي شامل.
ومن خلال الإصلاحات والتنمية الهادفة، سعى السوداني إلى استعادة الثقة في الدولة العراقية وعكس الظروف الاجتماعية والاقتصادية الضارة التي تخنق الجمهور العراقي الذي فقد عمليا صوته وإيمانه بالدولة.

الجهود الدبلوماسية
ومع توفر المزيد من الوقت والدعم الكافي، فإن مبادرة "العراق أولاً" سوف تتطور إلى هجوم متعدد الجوانب على الأمراض الخارجية والداخلية التي تعاني منها البلاد. وخارج حدوده، يتعين على العراق أن يؤكد على حياده ويسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاته مع القوى الكبرى والقوى الإقليمية ذات الثقل.
فتكثيف الجهود الدبلوماسية، على سبيل المثال، من شأنه أن يثني الدول المجاورة عن انتهاك السيادة العراقية، مما يبعث برسالة واضحة مفادها أن البلاد لن تسمح لنفسها بأن تكون ساحة معركة للمصالح الأجنبية.

في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، أظهرت التوغلات العسكرية التركية لملاحقة المسلحين الأكراد، والضربات الصاروخية الإيرانية ردا على التهديدات المتصورة، تجاهلا صارخا للسيادة العراقية. إن مثل هذه الأعمال لا تنتهك وحدة أراضي العراق فحسب، بل تسلط الضوء أيضًا على عجز الحكومة عن حماية حدودها ومواطنيها من العدوان الأجنبي.

ومما يزيد الوضع تعقيدا وجود القوات الأمريكية والتوترات المستمرة مع إيران، التي تعتبر العراق ساحة معركة لصراعاتها بالوكالة. وهذا يتطلب سياسة خارجية أقوى وأكثر تماسكا وتطوير قوة دفاع قادرة وذات سيادة.

جهود داخلية
على الصعيد الداخلي، يجب على الحكومة أن تستمر في بذل الجهود الشاملة لبناء الدولة التي تعطي الأولوية لإصلاح المؤسسات السياسية والأمنية. ويشمل ذلك تجاوز نظام المحاصصة الطائفية لتعزيز الجدارة والوحدة الوطنية.

إن تعزيز سيادة القانون وضمان استعادة الدولة احتكارها لاستخدام القوة من بين الخطوات الحاسمة المطلوبة لإعادة تأكيد السيطرة على المشهد الداخلي الذي يعاني من الفوضى. علاوة على ذلك، ينبغي للإصلاحات السياسية أن تشمل لا مركزية السلطة، وبالتالي معالجة مظالم المجتمعات المهمشة ودمجها في العملية السياسية للمساعدة في استعادة ثقة الجمهور المفقودة في بغداد.

زيارة واشنطن
وبينما يستعد السوداني لزيارة البيت الأبيض، فإن المخاطر كبيرة والتحديات كثيرة. ومع ذلك، تشير قيادته حتى الآن إلى أنه مستعد لمواجهة هذه التحديات بشكل مباشر من خلال رؤية واضحة للعراق أولاً.

إن الزيارة إلى واشنطن لا تمثل فرصة للعراق لإعادة تأكيد نفسه على الساحة الدولية فحسب، بل توفر أيضًا لحظة للتفكير في التقدم الذي تم إحرازه في البلاد، وبقية الرحلة التي تنتظرنا.
ومع وجود أيادي ثابتة على رأس السلطة للمساعدة في التغلب على الضغوط الخارجية المتصاعدة والانقسامات الداخلية العميقة، فإن جهود السوداني لاستعادة السيادة العراقية وتوجيه الأمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً تستحق التقدير والدعم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف