مواجهة مرتقبة بين مرشح الإسلاميين والرئيس الحالي
الدولة الجزائرية والإسلاميون: ما أبرز محطات الصراع والمصالحة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ينافس عبد العالي حساني، رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي في البلاد، والمحسوب على جماعة "الإخوان المسلمون" في الجزائر، المرشح عبد المجيد تبون، الرئيس الحالي، على كرسي الرئاسة خلال الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي ستُجرى في السابع من أيلول (سبتمبر) 2024.
وقد أعلن حزب حركة النهضة الجزائري ذو التوجه الإسلامي في بيان دعم ترشيح عبد العالي حساني الشريف للانتخابات الرئاسية.
وللدولة الجزائرية تاريخ زاخر بالصراع والتصالح بينها وبين الأحزاب الإسلامية، وقد خاضت الجزائر حرباً طويلة ضد الإسلاميين الذين تصفهم بالمتشددين، منذ التسعينيات، خلال الحرب الأهلية الدامية التي عرفت باسم "العشرية السوداء" عقب إلغاء الجولة الأولى من نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها، آنذاك، الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1991.
ويرى كثيرون أن تجربة الجزائر فريدة من نوعها، إذ تحول الصراع بين الدولة الجزائرية والإسلاميين المتشددين إلى ميثاق مصالحة، كما أنه يُسمح لبعض الأحزاب الإسلامية الأخرى التي تعرف بأنها تنتهج الإسلام الوسطي بالمشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
لم يكن الفوز الكاسح للإسلاميين في الانتخابات التشريعية عام 1991 بداية ظهورهم على الساحة السياسية، فهذا الظهور له جذور بدأت في عام 1988.
في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1988، استيقظت ولايات عدة في الجزائر على تظاهرات، كانت الأكبر حينها منذ استقلالها، احتجاجاً على البطالة والأوضاع الاقتصادية المتردية، نتيجة تدهور القدرة الشرائية جراء أزمة انهيار أسعار البترول العالمية عام 1986.
بدأت التظاهرات في أفقر أحياء الجزائر "القصبة" وخلال الليل، اشتبك المتظاهرون مع الشرطة التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع، واشتدت الاشتباكات إلى أن أُجبرت الشرطة على الخروج من حي "القصبة".
كما شهد حي باب الواد الشهير في الجزائر العاصمة تظاهرات، بالإضافة إلى مناطق آخري، وتخللت التظاهرات في بعض الأحياء الجزائرية أعمال سلب ونهب وتخريب.
بعد اندلاع التظاهرات ببضعة أيام، اتجهت الأوضاع للأسواء، واتخذت منحنىً مختلفاً، بسبب دعوات خرجت من المساجد عقب صلاة الجمعة، تطالب بالتظاهر، وحينها اتخذت الاحتجاجات طابعاً إسلامياً، بعدما شوهدت أعداد كبيرة من شباب ملتحين يرتدون جلاليب بيضاء ويشاركون في التظاهرات، مرددين شعارات إسلامية.
وقد ضمت إحدى التظاهرات 20 ألفاً من أنصار الإسلاميين.
وتصاعد المشهد بوتيرة أسرع وازدادت أعمال التخريب والنهب خلال الاحتجاجات التي عرفت باسم "أحداث أكتوبر الأسود"، لينتشر الجيش الجزائري في الشوارع لبسط الأمن والسيطرة على الاحتجاجات، وقد نجح في ذلك بعد تسعة أيام.
وفور ذلك، أجرت الدولة الجزائرية، بقيادة رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد، إصلاحات سياسية.
وفور انتهاء الاحتجاجات والسيطرة عليها، أدخل الرئيس الشاذلي بن جديد تعديلات على الدستور، إيذاناً ببدء حقبة جديدة من التعددية السياسية في الجزائر بعدما كان يتصدر فقط حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم المشهد السياسي في البلاد.
إذ ألغى المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري) الحظر المفروض على تأسيس أحزاب سياسية جديده، وتبنى قانوناً جديداً يسمح للأحزاب المعارضة بخوض سباق الانتخابات.
وبعدها في عام 1989 تأسس 20 حزبا سياسيا ً منحتهم الدولة الجزائرية تصاريح، بالإضافة إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي أسسها عباس مدني وعلي بالحاج. كما أعقب ذلك تأسيس حركة مجتمع السلم ذات التوجه الإسلامي عام 1991، التي يتنافس مرشح لها في الانتخابات الرئاسية الجزائرية 2024.
وقد ترأس الجبهة في ذلك الوقت عباس مدني، ليصبح بعدها الإسلاميون القوى السياسية المهيمنة، بعد كسبهم أرضية واسعة في أعقاب الاحتجاجات.
وفي ذلك يقول الدكتور توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: "إن الجماعات الإسلامية كانت تنشط في السر في حقبة السبعينيات والثمانينيات، وعندما ظهرت على السطح كانت لها أرضية تتمثل في أنها تناضل من أجل التغيير، ولم يكن هناك وعي شعبي في تلك المرحلة بطبيعة الحركات الإسلامية كما هو الآن".
وفي مطلع التسعينيات، ألقى عباسي مدني، رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، خطاباً مصوراً، قال فيه إنه سيقيم "دولة القرأن والسنة".
وقال مدني أمام حشد كبير من الحضور: "إذ قالوا انتخاب انتخبنا وإذا قالوا جهاد جاهدنا"، وبعدها ردد الحضور" الجهاد، الجهاد..."، ، وهو ما اعتبره البعض تحريضاً ضد الدولة الجزائرية.
وفي كانون الأول (ديسمبر) عام 1991 حققت الجبهة فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية وحصدت 188 مقعداً في الجولة الأولى من أصل 231.
ويعزي الدكتور بوقاعدة فوز جبهة الإنقاذ الإسلامي الساحق في الانتخابات التشريعية، إلى استغلال الجبهة الوضع الاقتصادي المتردي وقتها. وأضاف أن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ لعبت على العواطف...، حيث رأي البعض أن اختيارها في الانتخابات كان اختيارا للوقوف جانب الإسلام".
ووفقاً لبوقاعدة، فإن كثيراً من النخب الجامعية اختارت أحزاباً إسلامية أخرى كحركتي مجتمع السلم والنهضة الإسلاميتين "اللتين تبنتا خطاباً أقل راديكالية من خطاب جبهة الإنقاذ الإسلامي".
كما اختارت بعض من فئة العلمانيين حزب القوى الاشتراكية، لكن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم والجبهة الإسلامية للإنقاذ كان صوتهما الأعلى".
ألغت الحكومة الجزائرية مدعومة بالجيش نتيجة الجولة الأولى للانتخابات التشريعية التي حققت فيها الجبهة الإسلامية فوزاً ساحقاً، وكذلك الجولة الثانية منها التي كان من المقرر إجراؤها في كانون الثاني (يناير) عام 1992.
ليس هذا فحسب، بل حل الجيش الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحظر نشاطها.
كما حل الجيش البرلمان وفرض حالة الطوارئ في البلاد.
ورداً على سؤال عن سبب إلغاء الجيش نتيجة الانتخابات، تقول الكاتبة الصحفية أميمة أحمد المتخصصة في الشأن الجزائري متحدثة لبي بي سي من الجزائر العاصمة: "إن المطلوب للأغلبية البرلمانية 116 مقعداً، مما يعني أنه في حال فوز الجبهة في الجولة الثانية للانتخابات التشريعية، ستصبح الأغلبية المطلقة المسيطرة على البرلمان، وبمقدورها تغيير نظام البلاد إلى نظام إسلامي، كما كان معلناً في برنامجها السياسي حينها".
ويرى الدكتور توفيق بوقاعدة إن الجيش كان يخشى أن يغير حزبُ إسلاميُ الإرثَ الثقافي والتاريخي للدولة وهُويتها المدنية.
ويوضح بوقاعدة: "كانت هناك مخاوف حقيقية كذلك من القائمين على السلطة والنُخب السياسية على الديمقراطية، لأن خطاب الجبهة حينها كان فاشياً، وكانوا يريدون الوصول إلى السلطة للبقاء فيها، وليس من أجل تداول السلطة. إذ إن كثيراً من خطابات قادة الجبهة كانوا يقولون خلالها، نريد أن نصعد كي لا ننزل من سلم السلطة".
بعيد إلغاء نتيجة الانتخابات، أقال الجيش الجزائري رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، واُستبدل بالمجلس الأعلى للدولة، واستعان الجيش بمحمد بوضياف، أحد أبرز المناضلين في حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي، لرئاسة المجلس.
وفي كانون الثاني (يناير) عام 1992 وصل بوضياف إلى الجزائر العاصمة، قادماً من منفاه الاختياري في المغرب بعد إمضائه هناك قرابة 27 عاماً، ليترأس المجلس.
ويقول الدكتور بوقاعدة إن الجيش أختار محمد بوضياف "لأنه كان بعيداً عن الجزائر وعن الاختلافات بين أركان الحكم في تلك الحقبة، كما أنه كان شخصية ثورية ولها تاريخ نضالي وساهم في فيام ثورة التحرير الجزائرية، وبالتالي هو كان الشخص الأفضل الذي توافق عليه الجميع".
في آذار (مارس) عام 1992، إبان ترأس بوضياف بالمجلس الأعلى للدولة، حظر القائمون على السلطة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وأُلقي القبض على قادتها عباس مدني وعلي بلحاج بالإضافة إلى الآلاف من أعضائها.
نتيجة لذلك، هرب أعضاء من الجبهة إلى الجبال وأعلنوا تأسيس جناح مسلح لها عرف باسم "الجيش الإسلامي للإنقاذ" وبدأوا بشن هجمات على رجال الأمن وتصاعدت أعمال العنف.
وفي التاسع والعشرين من شهر حزيران (يونيو) عام 1992 كان الرئيس محمد بوضياف يُلقي خطابا، داخل مركز ثقافي ببلدة عنابة، شرقي الجزائر، يُبث على الهواء مباشرة.
وفجأة سادت المكان حالةٌ من الفوضى، عندما أطلق الحارس الشخصي للرئيس النيران على ظهره ورأسه، فأرداه قتيلاً، وكان دافع القتل هو "تعاطف" الحارس الشخصي مع جبهة الإنقاذ الإسلامي، حسبما أفادت وسائل إعلام جزائرية حكومية في ذلك الوقت.
وتقول الصحفية أميمة أحمد، المختصة في الشأن الجزائري: " إن اغتيال الرئيس بوضياف كان علامة فارقة"، لأنه كان يؤيد الحل السياسي، ولا يفضل الحل الأمني للتعامل مع الإسلاميين، كما كانت ترغب السلطة وقتها.
وانزلقت الجزائر في صراع دموي مرير، وحوادث إرهابية من قتل وتفجيرات، نفذها أعضاء مما كان يسمى بـ "الجيش الوطني للإنقاذ"، لمدة عشر سنوات كاملة، فيما عُرف باسم "العشرية السوداء"، التي راح ضحيتها نحو 100 ألف شخص على الأقل.
في هذه الأثناء، كان موقف كل من حركة مجتمع السلم، بقيادة الشيخ محفوظ نحناح، وحركة النهضة بقيادة عبد الله جاب الله، مغايراً لموقف جبهة الإنقاذ.
ويقول الدكتور توفيق بوقاعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، إن الحركتين كانتا ترفضان الاقتتال بين أبناء الشعب.
كما أنهما "حملاها (أي الجبهة ) مسؤولية الانفلات الأمني أثناء تلك المرحلة (العشرية السوداء)، على اعتبار أنها لم تكن لديها اختيارات عقلانية وحاولت التفرد بالسلطة، دون حتى أن تشارك الأقربين منها من الأحزاب الإسلامية".
وفي عام 1997 فاز حزب التجمع الوطني الديمقراطي المؤسس حديثا في الانتخابات البرلمانية وتلاه حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي المعتدل.
وتقول أميمة أحمد إن "حركة مجتمع السلم لم تكن تؤيد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، بل تعتبرها منافسا قويا، وبعدما تم حل الجبهة رسمياً، صب ذلك في صالح حركة مجتمع السلم التي شاركت في مشروع السلطة بحقائب وزارية بحجة الحفاظ على المشروع الإسلامي الذي كانت فرصة نجاحه كبيرة لولا ما فعلته جبهة الإنقاذ".
شهد عام 1997 بداية انفراجة في الصراع بين الدولة الجزائرية وجبهة الإنقاذ الإسلامي، بعدما أعلن ما يسمى بـ "الجيش الإسلامي للإنقاذ" هدنة بالاتفاق مع الجيش الجزائري.
وفور وصول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في الجزائر، في عام 1999، أجرى استفتاء للموافقة على قانون "الوئام المدني"، ما أدى إلى تخلي قرابة ستة آلاف مسلح إسلامي عن القتال واستفادتهم من عفو مدني.
ويقول الدكتور بوقاعدة إن الرئيس بوتفليقة أعطى "صبغة سياسية" للقانون، الذي ظهر نتيجة مفاوضات طويلة وسرية بين الجيش الجزائري مع ما يسمى "الجيش الإسلامي للإنقاذ".
وبموجب هذا القانون، خرج من السجن على بلحاج نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، عام 2003.
وفي عام 1997، وُضع عباسي مدني، رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تحت الإقامة الجبرية قبل أن يُخلى سبيله تماماً في عام 2003، وسافر بعدها مباشرة للعلاج في ماليزيا ثم انتقل للعيش في قطر.
وفي أيلول (سبتمبر) 2005، حظي مشروع آخر للمصالحة بين الدولة ومسلحي جيش جبهة الإنقاذ الإسلامي عرف باسم "ميثاق السلم والمصالحة" بدعم الناخبين في استفتاء شعبي، ما أدى إلى إدماج حوالي ألفين من المسلحين الإسلاميين في المجتمع الجزائري بعد تخليهم عن السلاح.
"شعرة معاوية"يقول الدكتور توفيق بوقاعدة في حديثه لبي بي سي إن الدولة الجزائرية، ظلت تبقي على "شعرة معاوية" مع هذا التيار الإسلامي المتشدد، وهذا ما ساعدها "على استتباب الأمن".
ويضيف: "السلطة تعادي الأشخاص الذين اختاروا العنف، وليس التيار الإسلامي الذي ينتمون إليه".
فبالرغم من أن الدولة الجزائرية حظرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ "فإنها أشركت أشخاصاً تابعين للجبهة في مجلس الأمة. فمثلا وزير الشؤون الدينية الأسبق، أحمد مراني، كان قياديا في الجبهة"، بحسب بوقاعدة.
ليس هذا فحسب، كما يقول بوقاعدة، بل إن "مدني مرزاق، قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ يتم استدعاؤه للحوار السياسي كشخصية وطنية، وبالتالي تعاملت السلطة مع الإسلاميين بذكاء، ولم تؤجج الصراع، حتى إنها استعانت بشخصيات من جبهة الإنقاذ للترويج لمشروع المصالحة المدنية، وهي تنظر إليهم كشركاء في الوطن".