قضية الشرق الأوسط مؤثرة في التنافس بين ترامب وهاريس
هل تحسم أصوات العرب في ميشيغان سباق الانتخابات الأميركية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يجد الأميركيون من أصول عربية أنفسهم في موقع فريد ونادر في السياسة الأميركية هذه الأيام، فالحملات الانتخابية تشتد وتتركز على ولاية ميشيغان حيث يشكل العرب نسبة مهمة من السكان.
الانتخابات الرئاسية الأميركية هذه المرة هي الأكثر تنافسية في التاريخ الحديث، فلم يسبق أبدا أن تقاربت استطلاعات الرأي في نتائجها إلى هذا الحد بين المرشحين.
تظهر معظم الاستطلاعات تقدم مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس على مستوى مجموع أصوات الأميركيين في كل الولايات المتحدة، لكن النظام الانتخابي الأميركي لا يعتمد على حساب مجموع الأصوات، بل يعتمد على نظام المجمع الانتخابي.
يتلخص ذلك النظام في أن لكل ولاية حصة معينة من أصوات المجمع التي يبلغ مجموعها 538 صوتا تتوزع على كل الولايات الأميركية، حيث يكون عدد مقاعد الولاية متناسبا مع عدد سكانها. ولولاية ميشيغان 15 مقعداً في هذا المجمع وهي إحدى أهم الولايات التي يشتد التنافس فيها بين دونالد ترامب وكمالا هاريس.
ذهبنا إلى ميشيغان لكي نلتقي مباشرة بالناخبين العرب الأميركيين ونرصد تفاعلهم مع الحملات الانتخابية لترامب وهاريس، والأهم نواياهم التصويتية التي قد تلعب هذه المرة دوراً كبيراً في اختيار الرئيس.
يعيش مئات الآلاف من العرب في ميشيغان، لكن مشكلة حصر أصواتهم وتحديد توجهاتهم ليست سهلة. شرحت لي ريما مروة، مديرة منظمة الإطار الوطني للعرب الأميركيين، أن عدم اعتبار العرب عرقاً مستقلاً، مثل البيض والسود واللاتينيين، في نظام الإحصاء الأميركي يجعل من الصعب حصر أعداد العرب، لكنها أوضحت أن التقديرات تشير إلى أن عدد الناخبين العرب لا يقل عن ثلاثمائة ألف ناخب.
لا يبدو الرقم كبيرا جدا إذا وضعناه في إطار مجموع ناخبي ميشيغان الذي يقترب من الستة ملايين، لكنه رقم مهم جدا إذا ما عرفنا أن ترامب فاز في ميشيغان بفارق عشرة آلاف صوت تقريباً عام 2016 عندما هزم هيلاري كلينتون، ثم خسر ترامب الولاية بفارق مائة ألف صوت تقريباً أمام بايدن في عام 2020.
تقول مروة بأن الناخبين العرب لم يكونوا من نوعية الناخبين الذين يركزون على قضية واحدة فقط لتحديد خياراتهم التصويتية، لكن هذا الأمر تغير بعد حرب غزة، فالعرب الأميركيون بحسب متابعتها المباشرة موحدون ومتفقون على أن قضية الحرب في الشرق الأوسط هي الأولوية الأكبر والأهم، إلا أنهم يختلفون في قرارهم الانتخابي، فمنهم من يرى أن انتخاب ترامب هو الأفضل لإنهاء الحرب ومنهم من يرى أن هاريس هي الأفضل.
وهناك أيضا نسبة مهمة من العرب تؤيد مرشحة حزب الخضر جيل ستاين ذات الأفكار والتوجهات التقدمية الناقدة بشدة للسياسة الإسرائيلية وللسياسة الأميركية التقليدية للحزبين الرئيسيين في دعم إسرائيل.
يقوم خطاب هاريس الانتخابي الموجه للعرب على التشديد على التزامها هي وإدارة بايدن على العمل على وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط. ورغم التزامها بالثوابت الأميريكية التي تتفق عليها قيادة الحزبين في دعم إسرائيل والتحالف معها فإنها لم تتردد في الحديث عن حقوق الفلسطينيين في الأمن والكرامة وتقرير المصير.
أما ترامب، ورغم فرضه إجراءات اعتُبرت معادية للعرب والمسلمين في سياسات الهجرة إبان عهده، ورغم دعمه الواضح لإسرائيل وعلاقته الوثيقة برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد حقق تقدماً كبيراً على صعيد التواصل المباشر مع الناخبين الأميركيين العرب، خصوصاً في ميشيغان. ومن أبرز أمثلة ذلك حضوره شخصيا لتلقي الدعم المباشر من عمدة مدينة هامترامك يمني الأصل.
يقول ترامب إن عهده خلا من الحروب وإن حروب الشرق الأوسط وأوكرانيا ما كانت لتندلع لو كان هو الرئيس، كما أن كثيراً من الناخبين العرب يعتبرون أن إدارته للاقتصاد كانت أفضل من الديمقراطيين.
كذلك يتولى صهر ترامب العربي، مسعد بولس، تنسيق النشاط الانتخابي لترامب في التواصل مع الأميركيين العرب والمسلمين.
تزوج ابن مسعد بولس، مايكل، من ابنة ترامب، تيفاني، وهما ينتظران مولودهما الأول، وقد أعرب ترامب عن فرحه بانتظار حفيده الذي سيكون نصف عربي.
سام عباس يرى أيضاً أن أصوات العرب ليست موحدة بالضرورة لكنه يقول إن كل من يعرفهم يقولون بوضوح أنهم لن يصوتوا لكمالا هاريس.
حدثني في المطعم الذي يملكه في مدينة ديربورن، التي تكتسي طابعاً عربياً بسبب النسبة الكبيرة للسكان من ذوي الأصول العربية، قائلاً إنه يعتبر إدارة بايدن وهاريس مسؤولة تماماً عن القتل وسفك الدماء في الشرق الأوسط بسبب سياسة دعم إسرائيل. ويقول إن هذه هي الانتخابات الوحيدة التي لم يحدد فيها موقفه التصويتي لأن خيار الأميركيين العرب هو بين أقل الشرّين، بحسب وصفه وبأنه، وللمرة الأولى، سينتظر على الأغلب حتى يوم الاقتراع ليقرر موقفه.
أما على صعيد المجموعات العربية والمسلمة الأكثر تنظيماً فقد انطلقت منذ عام كامل حملة ترفع شعار "التخلي عن بايدن" بسبب تحميلها إياه المسؤولية عن حرب غزة وعدم إيقافها. تحولت هذه الحملة التي تنظمها مجموعات من المسلمين والعرب الأميركيين وتضم نسبة من أئمة الجوامع بسرعة إلى حملة "التخلي عن هاريس".
استمعت إلى حسن عبد السلام، وهو أحد مؤسسي الحملة، فأوضح لي بأن موقفهم لا ينطلق من اسم المرشح بل إنه يدين الحزب الديمقراطي، حزب بايدن وهاريس، بكامله إذ يحملونه المسؤولية عن الحرب والدمار في الشرق الأوسط. أيدت الحملة جيل ستاين، مرشحة حزب الخضر، ودعت للتصويت لها رغم أن ذلك قد يعني عملياً خسارة هاريس لأصواتهم التي ذهب جزء كبير منها في الانتخابات الماضية لبايدن وللحزب الديمقراطي.
يقول عبد السلام إن استراتيجية حملته تقوم على الضغط على الحزب الديمقراطي حتى ولو أدى ذلك إلى تحميلهم المسؤولية عن خسارة الحزب لصالح ترامب، لأن ذلك سيجعل الديمقراطيين - بنظرهم - يدركون أنهم أهملوا أصوات العرب والمسلمين الأميركيين وأولوياتهم.
أما سمراء لقمان فقد ذهبت أبعد بكثير من تلك الحملة منطلقة من نفس الدافع وهو تحميل الديمقراطيين المسؤولية عما تسميه "الإبادة الجماعية للفلسطينيين".
سمراء أميركية من أصل عربي يمني وهي ناشطة سياسية تتفاعل مع السكان المحليين، وخصوصاً العرب والمنحدرين من أصول شرق أوسطية وغيرهم من المهاجرين من البلدان المسلمة في ميشيغان. كما أنها تعمل في مجال بيع وشراء العقارات.
تقول سمراء إن حجم العمل الميداني لحملة ترامب الانتخابية أكبر بكثير من الديمقراطيين. وصل الأمر إلى اتصال مسؤولين كبار في حملة ترامب بها شخصياً رغم انتمائها للحزب الديمقراطي، وأدى ذلك إلى ترتيب لقاء لها مع ترامب حدثتني عنه وقالت إن رؤيتها وموقفها من ترامب تغير كثيراً بعد اللقاء. فمن الناحية الشخصية كان هناك طابع إنساني لمسته في حديث ترامب معها، أما من ناحية أولويتها السياسية فتقول إن ترامب استبق كلامها وعبّر عما أرادت أن تقوله هي عندما استقبلها قائلا: يجب أن نوقف الحرب في الشرق الأوسط.
تقول سمراء إنها ستصوت بلا تردد لترامب رغم بقائها في صفوف الديمقراطيين، وإن تصويتها وتصويت كثير من العرب الأميركيين ممن تعرفهم لصالح ترامب سيكون تصويتاً عقابياً للديمقراطيين.
لكن الحزب الديمقراطي يبقى حزباً كبيراً ومؤثراً وقد أصبح حضوره قوياً في أوساط العرب والمسلمين الأميركيين منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر والأجواء والسياسات التي أعقبتها.
على هذا الأساس يبني سامي الخالدي، رئيس النادي الديمقراطي في ميشيغان، ثقته بأن القضية لم تحسم بعد لصالح ترامب والجمهوريين كما يرى.
النادي الذي يترأسه الخالدي هو واحد من المنظمات الداعمة للديمقراطيين والناشطة منذ زمن بعيد.
جلست معه في أحد المتنزهات في مقاطعة واين التي تضم مدينتي ديترويت وديربون المتجاورتين بالإضافة لمدن أخرى في ميشيغان تحظى بحضور عربي واضح.
يؤمن الخالدي بأن الحزب الديمقراطي هو الحزب الوحيد الذي يعطي للعرب الأميركيين المكانة التي يحتاجونها ويستحقونها، ويقول إن عشرات الآلاف من الناخبين في ميشيغان صوتوا في الانتخابات التمهيدية للحزب التي فاز فيها الرئيس جو بايدن بصيغة "عدم الالتزام". وهذا يعني أنهم قد يصوتون بأي اتجاه يرونه في الانتخابات الرئاسية.
يقول الخالدي إن الحزب الديمقراطي تنبه بعد ذلك لميشيغان وأصبح يركز عليها، ويرى أن العامل الأهم هو أن كامالا هاريس مختلفة عن بايدن فيما يخص توجهاتها في الشرق الأوسط وأن هذا في صالح العرب الأميركيين لكن هؤلاء ليسوا مطلعين تماماً على رؤيتها ومواقفها وأن العمل جار في الحزب الديمقراطي باتجاه الحديث والتواصل معهم.
يرفض الخالدي فكرة أن هاريس تعتبر العرب أصواتاً مضمونة لصالحها ولصالح حزبها، أو أنها لا تحتاج لبذل جهد لكسب أصواتهم، بل يقول إنها تعمل على كسب أصواتهم بجد. لكنه يقر أيضاً بأن حزب ترامب الجمهوري يبذل جهوداً غير مسبوقة في حملاته الانتخابية في ميشيغان هذه المرة.
أما جنين ياسين فهي فلسطينية أميركية تعيش في ديربورن في بيت تحول عملياً إلى معرض لرسوماتها التي تجسد القصة الفلسطينية بوجوهها ورموزها.
تقول جنين إنه ليس هناك اختلاف بين ترامب وهاريس فيما يتعلق بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط التي تدعم إسرائيل، وتتهمها بدعم ما تعتبره "إبادة جماعية للفلسطينيين". لذلك قررت بإصرار بأنها لن تصوت لأي أحد في هذه الانتخابات.
ترفض جنين فكرة أن حرب غزة قضية واحدة مفردة في الانتخابات الأميركية، وتقول بأنه ليس بإمكان أي أحد أن يعتبر أن الإجهاض، مثلاً، قضية أساسية بينما يعاني الفلسطينيون مما تصفه بالفظائع والجرائم التي ترتكب ضدهم. لذلك فهي ترى بأنه لن يكون هناك أي معنى من الناحية الإنسانية لتقديم أي قضية أخرى في هذه الانتخابات على القضية التي تؤمن بها وترى بأن هذه الانتخابات لن تغيرها.
لكن جنين ترى أن هناك أملاً في المستقبل يكمن في تغييرات متزايدة في مواقف جيلها من الشباب الأميركيين الذين يبدون مواقف معارضة للسياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل.