أخبار

ألقت الضوء على إسهاماته في مجال النشر والتوزيع

كلية الآداب ببني ملال في المغرب تحتفي بالكاتب والناشر محمد برادة

جانب من حفل تكريم محمد برادة في جامعة بني ملال
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من الرباط: شكلت استضافة كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال ( تقع عند قدم جبال الأطلس المتوسط) ، أخيرا ، للكاتب والإعلامي والناشر المغربي محمد عبد الرحمن برادة، لإلقاء درس افتتاحي برسم الدخول الجامعي 2024 &- 2025، في موضوع "الصحافة والنشر والتوزيع: الواقع والتطلعات"، مناسبة للاحتفاء بسيرة الرجل وإسهاماته القيمة خدمة للصحافة المغربية وللفعل الثقافي، مع تقديم قراءات في كتابه "شغف وإرادة: رهان في الإعلام والثقافة والسياسة".

وتميز الدرس الافتتاحي بكلمة ترحيبية لمحمد بالأشهب، عميد الكلية، تلته كلمة تقديمية لادريس جبري، منسق ماستر التميز في الصحافة والإعلام.

فيما قدم المشاركون في الجلسة العلمية التي تلت الدرس الافتتاحي مداخلات تناولت كتاب برادة، وتجربته وإسهاماته على مستوى الصحافة النشر والتوزيع، مع إبراز الخصال والمناقب التي تميزه.

تواضع الكبار
جاء درس برادة جامعا في مقاربته لموضوعه، مليئا بالدروس والتجارب التي عاشها الرجل، رابطا بين ماضي الممارسة الصحفية والراهن المتسارع في تحولاته وإكراهاته.

وقدم برادة للطلبة الذين غص بهم المدرج المحتضن للفعالية،صورة رجل يجمع بين تواضع الكبار وخبرة السنين التي يتعين الأخذ بها والاستفادة منها. كان درسا بحق، بدأه برادة، بقوله: "أنا المواطن البسيط العادي الذي قمت بواجبي، وذلك أضعف الإيمان".

عاد برادة إلى بدايات تجربته على درب الصحافة والنشر والتوزيع، رابطا كل ذلك بما عاشه المغرب من تحولاته ورهانات،منذ فترة الاستعمار الفرنسي، فقال: "كان كل عمل نقوم به يعتبر درسا من دروس الوطنية. تعلمنا أن حب الوطن من الإيمان. تعلما الأخلاق العالية والوفاء، وكل الأشياء الجميلة".

في عشق الصحافة
تحدث برادة عن الصحافة بعشق وبحرقة أيضا، انطلاقا من تجربة ميدانية عاشها، فقال إن الصحافة ضمير الأمة، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك إمكانيات في السابق وكانت هناك صحافة، واليوم هناك إمكانيات لكن ليست هناك صحافة.


محمد برادة يوقع كتابه " شغف وإرادة "

قارن برادة بين الأمس واليوم، من جهة الانتقال من الورق إلى التكنولوجيا، فتحدث عن الانتقال من "رائحة الورق" إلى كل ما هو إلكتروني، متسائلا إن كانت الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي انتصرت، أم أننا نلعب الأشواط الإضافية التي كثيرا ما تأتي بمفاجآت؟

عصر انتهى
تحدث برادة عن عدم قدرة الصحف الورقية على الصمود، مشيرا إلى أن ماضي الممارسة الصحفية في صيغتها الورقية أصبح مجرد ذكريات ارتطمت بأمواج الواقع وصخب التغريدات والأخبار العاجلة التي تأتيك من دون حاجة إلى تدقيق لغوي أو حبر أو مطابع.

وتساءل "هل هو عصر انتهى .. وسيلة انتهت وبقي مضمونها يمتطي وسائل حديثة فائقة السرعة، فأضحت الصحافة الورقية يتيمة، لا هي بقارئها ولا هي بمعلنها، فضاع الاثنان، ورحل المراسل الصحفي ليحل محله المواطن الصحفي؟".

قال برادة إن الواقع الجديد باغث الجميع، وارتبك في شأنه العديدون. واقع جاء نتيجة احتضار الوسيلة الورقية في انتظار انبعاث جديد بحلة جدية وعقلية إلكترونية ومنطق رقمي يحمل الذكاء الاصطناعي.

وشدد برادة على أن الصحافة الورقية تبقى، مع ذلك، أنبل وسيلة للأخبار والأرشيف، فهي الخبر المقدس والتعليق الحر في أبهي وأرقى الصور،بمنتهى المهنية واحترام الأخلاقيات والابتعاد عن الإشاعة والإثارة. وشدد على أن الصحافة مهنة نذهب إليها بالقلب والوجدان.

أرقام صادمة
قدم برادة أرقاما صادمة تهم تراجع مبيعات مجموع الصحف الورقية المغربية، مشيرا إلى أن الأرقام هي اليوم في حدود 30 ألف نسخة، وهو رقم قال إنه كان يتم بلوغه، في السابق، على مستوى واحد من أحياء الدار البيضاء أو مدينة من حجم بني ملال.

ورأى برادة، في هذا الصدد، أن الصحافة الورقية المغربية لعبت دورا مهما على مستوى التعبئة والتأطير والدفاع عن الوطن وقضاياه.

ثمرة مُرة
تحدث برادة عن المجلس الوطني للصحافة واللجنة المؤقتة بكثير من الانتقاد، الممزوج بمنسوب كبير من السخرية، فقال "إننا فوجئنا بأن هذا المجلس الذي كنا نظن أنه وسيلة إضافية لحل المشاكل صرنا معه إزاء مشكلة أخرى.

ورأى أن " ما نعيشه يجعلنا إزاء وضعية تتعارض مع فكرة التنظيم الذاتي، سمتها التراجع عن المكتسبات".

كما انتقد تعيين لجة مؤقتة، قال عنها إنها تمديد مبطن لهذا المجلس، مشيرا إلى أن أعضاءها كانوا أعضاء في المجلس ولم ينجحوا، فكيف نأتي بفريق مكون من نفس أعضاء الفريق الخاسر. وتابع قائلا بسخرية إن الأمر يبدو أشبه بمن يتعهد شجرة حتى إذا جاء أوان الحصاد طرحت ثمارا مُرة.
وخلص برادة إلى ضرورة أن تؤخذ القضية بجد، وأن يتم التفكير في مصير الصحافة الوطنية من وطنيين مخلصين، متميزين، مهتمين ومهنيين.

رجل شهم وحلم مجنون
خلال الجلسة العلمية التي تلت الدرس الافتتاحي، قدم عبد الحميد جماهيري، الكاتب والشاعر والصحافي، ومدير نشر صحيفة "الاتحاد الاشتراكي"، شهادة في حق الكاتب والكتاب، مشددا على أنه ودّ لو أن العنوان كان "شغف وبرادة"، لأن اسم برادة كان هو الاسم الحركي لبرادة. وتساءل هل يمكن للفرد أن يخوض تجربة إنسانية خاصة فيغير بها التاريخ، ليضيف، متحدثا عن مغامرة فردية مغربية إنسانية، أثبتت بالإيجاب أن الفرد الواحد يمكن أن يغير تاريخ بلاده، أو التاريخ في بلاده.

ورأى جماهيري أن برادة " لو لم يحلم ذات عام من سبعينيات القرن الماضي حلما مجنونا لما كان التاريخ الخاص بالصحافة عاقلا بالشكل الذي هو عليه".

وأضاف أنه لو لم يصدق برادة خياله لما تغير الواقع، ولربما كنا متأخرين في ساعة كتابه بثورتين، على الأقل: ثورة خلق شرايين للتوزيع، وثورة خلق القراء والزيادة في أعدادهم وتوسيع خارطة القراءة وضمان انتشار الحداثة والعصرنة في الزمان والمكان.

وشدد جماهيري على أن برادة وطّن في البلاد تجربة ممتعة وشاقة في الوقت ذاته، في النشر والتوزيع وخدمة الثقافة، من خلال إطلاق مبادرة كان وراءها قرار سياسي، مهني ووطني.

وتحدث جماهيري عن برادة الإنسان والمثقف، مشيرا إلى أنه "وحده يستطيع أن يرتب قلبه حفلة لكل الناس"، بحيث يلتقي في قلبه الإعلامي، والأديب، والناشر، والمثقف، والفنان، والمواطن، والضيف الأجنبي؛ وأنه "عندما يصمت يكون الصمت مشهدا لغويا حافلا بالدلالات"، علاوة على أنه "وحده يستطيع أن يعيش بلا أعداء، لأنه، بكل بساطة، لا يستطيع، بل لا يحتمل أن يكون له أعداء، بينما كل الذين حاولوا أن يكونوا أعداء له كثيرا ما تعبوا".

وشدد جماهيري، في آخر ورقته، على أن برادة "رجل شهم، له قلب لا يضاهى، يحب دائما بأكثر من لغة، ولا يكره بأية لغة كانت".

صانع الأمل
تحدث الأستاذ الجامعي محمد حفيظ عن علاقته ببرادة، مشيرا إلى أنه دائما يشجع، ودائما يصنع الأمل، تسبقه ابتسامته وبشاشته، لطيف في حديثه، كيّس في نقده، يحسن الاستماع، كما أنه غير مدّع، ولا يجد أي حرج في طرح السؤال بخصوص ما يجري من أجل الفهم.


محمد حفيظ يلقي مداخلته

وتطرق حفيظ إلى كتاب برادة، مشيرا إلى أن القارئ يلمس فيه عاطفة جياشة، كتبه صاحبه بحب وفرح، بشكل ينقل شعورا بأن الرجل مطمئن إلى ما قام به وأقدم عليه، متصالح مع المسار الغني الذي راكمه.

ثم استعرض حفيظا عددا من التحديات التي تواجه الصحافة والإعلام في المغرب، مشيرا إلى أنها تتمثل في حرية الصحافة، والمهنية، والتكوين والتنظيم.

صور وحكايات
ركز الأستاذ الجامعي محمد سليماني على تقديم قراءة في كتاب برادة، من خلال ورقة بعنوان "محمد عبد الرحمن برادة .. محرر سوق التوزيع المغربي من الاستعمار".

وقدم سليماني، في معرض ورقته، ما أحاط بمبادرة إنشاء شركة التوزيع "سابريس"، قبل أن يعدد أسباب نجاحها، مشيرا، مثلا،في هذا السياق، إلى التفاف مدراء الصحف الوطنية حول المشروع، وإيمان الشركة بجدية تصورها، ومعرفة مكامن ضعف الشركة المنافسة، ووضعها نموذجا جديدا للعلقة مع الزبناءوالناشرين.

وبينما قدم الطالب الباحث نور الدين بازين ورقة بعنوان "رهانات الشغف والإرادة وتفكيك جدلية الإعلام والثقافة والسياسة"، قدمت الطالبة الباحثة كوثر علامو ورقة بعنوان "صور وحكايات من سيرة شغف وإرادة .. تأملات وتداعيات"، تخللتها صور من ألبوم البدايات ودفء الأسرة، وأخرى من قلب الثقافة والمثقفين، فضلا عن صور أخرى تؤرخ لاستضافة "سابريس" لوجوه فنية ورياضية.

سيرة برادة
تلقى برادة تكوينه الصحفي، في بداية سبعينيات القرن الماضي، بعدة معاهد عليا للصحافة والإعلام في فرنسا، قبل أن يقوم بإصدار جريدة (correspondances de la presse). وفي سنة 1977 أسس شركة "سابريس"، التي تعد أول شركة مغربية للتوزيع والنشر، وأكبر مؤسسة في هذا الميدان بالعالم العربي وإفريقيا.


صورة تذكارية للمحتفى به مع طلبة جامعة بني ملال

وكان برادة عضوا مؤسسا لاتحاد الموزعين العرب، وانتخب رئيسا له ما بين 2006 و2009. كما يعد برادة، الحاصل على الجائزة الوطنية للصحافة في دورتها الأولى سنة 2003، عضوا فاعلا بعدة هيئات ومنظمات دولية مختصة في النشر والتوزيع، ورئيسا سابقا لجمعية "غوتنبرغ" الدولية فرع المغرب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف