أخبار

عقد من التخطيط في خدمة ضربة واحدة مميتة

"لا تعبثوا معنا".. كيف خدعت إسرائيل "حزب الله" بأجهزة إلكترونية مميتة

تفاصيل مثيرة عن الخداع والذكاء الاستخباراتي
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من بيروت: في أيلول (سبتمبر) 2024، اهتز لبنان بسلسلة تفجيرات استهدفت عناصر "حزب الله" عبر أجهزة "بيجر" و"ووكي توكي" مفخخة. العملية، التي أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة نحو 3000 شخص بينهم أطفال، لم تكن مجرد عمل عسكري عشوائي، بل نتاج عقد من التخطيط الدقيق والخداع المتقن الذي قاده جهاز الموساد الإسرائيلي. خلال مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس"، كشف اثنان من عملاء الموساد السابقين عن تفاصيل دقيقة للعملية، في ظهور تميز بارتداء أقنعة واستخدام أصوات معدلة حفاظًا على هويتهما. جاءت تصريحاتهم محملة برسائل واضحة لخصوم إسرائيل: "لا تعبثوا معنا". خطة عمرها عقد كامل بدأت العملية منذ أكثر من عشر سنوات، عندما زوَّد الموساد "حزب الله" بأجهزة "ووكي توكي" مفخخة. كانت الأجهزة تبدو طبيعية تمامًا من الخارج، لكنها احتوت على متفجرات مخفية داخل البطاريات. قال أحد العملاء، الذي أُطلق عليه الاسم المستعار "مايكل": "لقد بنينا عالمًا وهميًا. أنشأنا شركات وهمية وموزعين عالميين بحيث لا يمكن لأحد ربط هذه الأجهزة بإسرائيل". وأضاف: "لم يكن (حزب الله) يدرك أبدًا أن أعداءه هم من زودوه بهذه الأجهزة". وأوضح العميل الآخر، المعروف باسم "غابرييل"، أن "حزب الله" اشترى أكثر من 16,000 جهاز "ووكي توكي" على مر السنوات. ورغم ذلك، لم يفعل الموساد المتفجرات إلا بعد عقد من الزمن. "انتظرنا اللحظة المناسبة"، قال مايكل، "كان علينا التأكد من أن الضربة ستكون ذات تأثير كبير". التفكير خارج الصندوق مع مرور الوقت، أدرك الموساد أن أجهزة "ووكي توكي" تُستخدم فقط في المعارك، مما قلل من تأثيرها الشامل. هنا جاء التفكير في استهداف عناصر "حزب الله" في حياتهم اليومية. قال "غابرييل": "أجهزة البيجر قديمة في معظم أنحاء العالم، لكنها لا تزال مستخدمة على نطاق واسع داخل (حزب الله)". في عام 2022، اكتشف الموساد أن "حزب الله" يشتري أجهزة "بيجر" من شركة تايوانية تُدعى "غولد أبولو". ومن هنا بدأت المرحلة الثانية من الخطة. وأضاف غابرييل: "قمنا بتعديل أجهزة البيجر بحيث تحتوي على متفجرات مخفية، مع الحرص على تكبير حجمها قليلاً لاستيعاب العبوات". وأشار إلى أن الموساد أجرى اختبارات عديدة للتأكد من أن الانفجار سيؤذي المستهدف فقط دون التسبب في أضرار جانبية. عملية خداع معقدة لإتمام العملية، أنشأ الموساد شركات وهمية في عدة دول، بما في ذلك المجر. واستبدل موظفة مبيعات كانت تتعامل مع "حزب الله" بأخرى قدمت عرضًا مغريًا: شحنة أولى مجانية من الأجهزة كترقية للأجهزة القديمة. قال غابرييل: "لقد جعلنا كل شيء يبدو طبيعيًا تمامًا. عندما اشترى حزب الله الأجهزة، لم يكن لديه أدنى شك". لم يقتصر الأمر على ذلك، بل لجأ الموساد إلى إعلانات مزيفة على "يوتيوب"، تروج لأجهزة البيجر بأنها مقاومة للغبار والماء، وتتمتع ببطارية طويلة العمر. "كل شيء كان مدروسًا"، قال مايكل، "حتى نغمة الرنين تم اختبارها بعناية للتأكد من أنها ستجذب الانتباه وتدفع المستهدف لإخراج الجهاز". بحلول سبتمبر 2024، كان لدى "حزب الله" 5000 جهاز "بيجر" في حوزته، جاهزة للاستخدام.
رجل يحمل علم حزب الله أثناء تشييع قتلى تفجيرات البيجر. في 18 سبتمبر
يوم التفجيرات في 17 أيلول (سبتمبر) 2024، عند الساعة 3:30 مساءً، بدأت أجهزة البيجر بالرنين في جميع أنحاء لبنان. بمجرد محاولة المستهدفين قراءة الرسائل المشفرة، انفجرت الأجهزة، مما أسفر عن مقتل حوالى 30 عنصرًا وإصابة الآلاف. وفي اليوم التالي، فعَّل الموساد أجهزة "ووكي توكي" التي كانت خاملة لمدة عشر سنوات. انفجرت بعض الأجهزة خلال جنازات ضحايا تفجيرات "البيجر"، مما أدى إلى مقتل وإصابة المزيد من العناصر. الهدف.. زرع الرعب رغم الطبيعة المدمرة لتفجيرات أجهزة "البيجر" و"ووكي توكي"، أكد العميلان السابقان في الموساد أن القتل لم يكن الهدف الرئيسي من العملية. بدلًا من ذلك، كان التركيز ينصب على زعزعة استقرار "حزب الله" ونشر الخوف في صفوفه. قال العميل "غابرييل" خلال المقابلة: "إذا مات الشخص، فهذا يعني أنه اختفى ببساطة. لكن إذا أصيب، يصبح عبئًا على من حوله. عليه أن يتلقى علاجًا مكلفًا في المستشفى، ويحتاج إلى رعاية مستمرة. والأهم من ذلك، أن إصابته تصبح دليلًا حيًا على تفوقنا". هذه الفلسفة ليست عشوائية؛ بل تستهدف زرع شعور بالعجز في قلوب خصوم إسرائيل. فالجرحى، خصوصًا أولئك الذين يفقدون أطرافهم أو بصرهم، يظلون بمثابة "شهود متحركين" على القوة الإسرائيلية، ليس فقط لعناصر "حزب الله"، بل للمجتمع اللبناني بأكمله. وأضاف "مايكل": "لقد حرصنا على أن تكون التفجيرات مدروسة بحيث لا تُحدث أضرارًا جانبية كبيرة. كانت الرسالة واضحة: نحن نستطيع الوصول إلى أي شخص في أي وقت، ولن يتمكنوا من توقع الطريقة أو الوسيلة". ما يزيد من فاعلية هذا النهج هو التأثير النفسي طويل الأمد. قال "غابرييل": "في اليوم التالي للتفجيرات، كان الناس يخشون حتى تشغيل مكيفات الهواء خوفًا من أن تكون مفخخة. لقد خلقنا حالة من الذعر الحقيقي، ليس فقط بين عناصر (حزب الله)، بل أيضًا بين عامة الناس". هذا الرعب لم يكن مجرد نتيجة جانبية للعملية، بل هدفًا رئيسيًا. فمن خلال زعزعة الثقة داخل "حزب الله"، تمكن الموساد من تحقيق انتصار نفسي يتجاوز حدود الضربة العسكرية. قال "مايكل": "كان الهدف أن يشعروا بالضعف في كل لحظة. أن يعرفوا أن أي شيء حولهم قد يتحول إلى خطر. وهذا ما حدث". "لا تعبثوا معنا" بالنسبة للموساد، كانت العملية بمثابة استعراض قوة على مستويات متعددة، من التخطيط الاستخباراتي طويل الأمد إلى التنفيذ الدقيق. أوضح العميلان أن الرسالة لم تكن موجهة فقط إلى "حزب الله"، بل إلى جميع خصوم إسرائيل في المنطقة. قال "غابرييل": "هؤلاء الجرحى الذين فقدوا أطرافهم وأعينهم، هم رسالتنا. إنهم يسيرون في شوارع لبنان كدليل حي على تفوقنا. كل من يراهم سيعرف أن اللعب معنا ليس خيارًا جيدًا". هذه الرسالة تتجاوز الحاضر لتؤثر في المستقبل. العملية وضعت خصوم إسرائيل في حالة دائمة من الحذر والخوف. أضاف "مايكل": "لقد انتقلنا الآن إلى الشيء التالي. لن نستخدم أجهزة البيجر مرة أخرى، لكنهم لن يعرفوا أبدًا ما الذي نخطط له بعد ذلك. وسيظلون يحاولون التخمين". بالإضافة إلى ذلك، أظهرت العملية كيف يمكن للاستخبارات الحديثة الجمع بين التكنولوجيا والخداع النفسي لتحقيق أهداف معقدة. قال "غابرييل": "الأمر لا يتعلق فقط بالقوة العسكرية، بل بالقدرة على جعل الخصم يشعر بأنه مكشوف وضعيف في كل لحظة. وهذا هو جوهر عملنا". أما بالنسبة للمنطقة بأكملها، فقد أكد العميلان أن العملية ليست مجرد رسالة لـ"حزب الله"، بل لكل من يحاول تحدي إسرائيل. قال مايكل: "هذه ليست حربًا تقليدية. نحن لا نحتاج إلى أسلحة ضخمة لفرض سيطرتنا. نحن نستخدم الذكاء والتكنولوجيا لتحويل أي شيء إلى أداة ردع".


عملاء للموساد يتحدثون لبرنامج أميركي عن كواليس إعدادهم لتفجير "البيجر" في لبنان

عملية تفجيرات "البيجر" و"ووكي توكي" لم تكن مجرد استهداف لعناصر "حزب الله"، بل كانت درسًا عميقًا في فنون الحرب النفسية والاستخبارات الحديثة. من خلال زرع الرعب ونشر رسائل التفوق، نجح الموساد في إثبات أنه لا يزال يمتلك اليد العليا، ليس فقط على الأرض، بل أيضًا في عقول خصومه. في النهاية، العملية لم تكن فقط عن قتل أو إصابة أفراد، بل عن إعادة صياغة قواعد اللعبة بالكامل. وكما قال "مايكل" في ختام تصريحاته: "كل شيء تحت سيطرتنا. وفي تجربتهم، سيظل كل شيء يبدو طبيعيًا حتى اللحظة التي نقول فيها: كفى".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف