جريدة الجرائد

لكل حضارة عصورها المظلمة

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

زياد الدريس

يحتفل العالم بإعلان العام ٢٠١٥ (سنة دولية للضوء).

&

وقد كان لي شرف تعديل مشروع القرار الأممي الخاص بهذه الاحتفالية، أثناء مناقشته بمقر اليونسكو في العام 2013، حيث كان يشيد بالجهود البارزة في مجال الضوء لكل من: ماكسويل وفرينيل وإينشتاين، فاقترحت إضافةً على مشروع القرار يشيد بالجهود السابقة بألف عام للعالِم العربي ابن الهيثم. وقد لقي المقترح قبولاً في قاعة التصويت، وتم اعتماد القرار بالصيغة المعدّلة وصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت الرقم ٢٢١/٦٨.

&

في الوقت الذي كنت أخشى أن يكون هذا التعديل قد أزعج البعض، بسبب هواجس صراع الحضارات الذي يُفرض علينا الآن، فوجئت بأن اليونسكو تجعل ابن الهيثم ضيف شرف الاحتفالية، وتضع اسمي من بين المتحدثين في حفل الإطلاق امتناناً للتعديل الإيجابي على القرار. فلليونسكو ولابن الهيثم وافر الشكر أن وضعوني هذا الموضع الرفيع.

&

***

&

لكل حضارة عصورها المظلمة، ولكل حضارة عصر أنوارها أيضاً. فالظلام والنور يراوح بين الحضارات، فإذا أظلم عند واحدة أضاء عند أخرى، ولذا سنجد عند تصفحنا لتاريخ البشرية أن الكون لم يمر يوماً بعصور مظلمة شاملة له من شرقه إلى غربه.

&

تنقّلت عصور الأنوار طوال قرون مديدة بين الحضارات الفرعونية والإغريقية والفينيقية والصينية والهندية وغيرها، وعندما كانت أوروبا تعيش عصورها المظلمة كانت الحضارة العربية والإسلامية تشع بأنوارها من بغداد وقرطبة وسمرقند على العالم كله. ولن تفلح نوايانا الطيبة في الحوار بين الثقافات ما لم نعترف بأن ما نعيشه اليوم من تقدم علمي ومعيشي هو نتيجة لتراكم معرفي صنعته بالتداول كل الحضارات التي مرت على التاريخ البشري، وليس حضارة واحدة فقط.

&

***

&

نحتفل اليوم بالسنة الدولية للضوء ... والعالم يغشاه الكثير من الظلام!

&

فبعد أن تفاءلنا كثيراً سمّينا عصرنا هذا بعصر الأنوار، جاهلين ما سيعقبه من حروب عالمية ووحشية رأسمالية وانحرافات أخلاقية وتدمير غير مسبوق للبيئة. وتتم ممارسة كل هذه السلوكيات غير المتمدنة بشعارات متمدنة وبراقة كإشاعة السلام والرفاهية ومكافحة الإرهاب وإطلاق الحريّات، ونغفل عن أن مكافحة الإرهاب لا تكون بإرهاب مضاد، وأن نعي أيضاً أن هناك فارقاً كبيراً بين حرية التعبير وحرية الشتم.

&

ألا تخشون من الأجيال القادمة بعد ١٠٠ أو ٥٠٠ سنة أن تسمي عصرنا هذا بالعصور المظلمة / المرحلة الثانية؟!

&

إنني آمل بأن يكون هذا العام ٢٠١٥ هو السنة الدولية للضوء ... ليس الضوء الحسي فقط، بل والضوء الروحي والإنساني.

&

فعالمنا ما زال في حاجة إلى الكثير الكثير من (الضوء).

&

&

&

من الكلمة التي ألقيت في افتتاح السنة الدولية للضوء بمقر اليونسكو بباريس.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف