قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عوني فرسخ&حين يُقرأ تاريخ العراق منذ إقامة دولته في عشرينيات القرن الماضي وحتى الغزو الأمريكي سنة 2003، يتضح أنه توالت خلال ما يتجاوز الثمانية عقود صراعات قواه السياسية، كما تعددت الانتفاضات الاجتماعية، إلا أنه ليس بين كل تلك الصراعات والنزاعات والانتفاضات ما اتسم بلون طائفي أو عرقي، وإنما كانت جميعها عابرة للطوائف والمذاهب والأعراق، ولا كان بين قادتها من سعى لإقصاء الآخر. كما شهدت تلك العقود تعدد حركات التمرد الكردية والآشورية، غير أن أياً منها لم تدع للانفصال. وبرغم تجاوز الحريات الليبرالية في معظم تلك الفترة، إلا أنه كانت هناك مشاركة في الحراك، والحراك المضاد. ما فيه الدلالة الواضحة على احتفاظ العراق بوحدته الوطنية، كما احتفظت الحكومة في بغداد بصناعة القرار على مختلف الصعد في عموم أرض العراق.&غير أن الأمور اختلفت نوعياً منذ الغزو الأمريكي، إذ لم تقف إدارة الرئيس بوش عند إسقاط النظام وإعدام رئيسه، واعتقال العشرات من كبار ساسته وقادة جيشه. وإنما كلفت سلطة الاحتلال برئاسة بريمر بتنفيذ إجراءات إدارية عدة تؤصل تبعيته، واستغلال موارده، وبالذات النفطية، وإعاقة قدرته على استعادة فعاليته الوطنية ودوره القومي في الصراع العربي - الصهيوني، كما في الإسهام الفاعل في كبح أطماع كل من إيران وتركيا في الأرض العربية. فكان أن سرحت جيشه، وحلت جميع أجهزته الأمنية، وفككت مؤسسات دولته وأجهزتها، وبددت محتوياتها - عدا وزارة النفط. وأصدرت قانون اجتثاث البعث مؤسسة لمبدأ إقصاء الخصوم السياسيين ومصادرة حقوقهم المدنية والسياسية.&&ولإحكام السيطرة على مقدرات العراق، حاضراً ومستقبلاً، اغتصبت حق شعبه في تقرير مصيره واستقلال قراره السياسي بأن فرضت عليه دستوراً ونظاماً سياسياً قائمين على المحاصصة الطائفية والعرقية. مستهدفة ليس تعميق التجزئة الاجتماعية في العراق، ولا إفقاده المنعة ضد الضغوط والمداخلات الدولية والإقليمية فقط، وإنما إفقاده هويته الوطنية وانتماءه القومي، ووحدته الوطنية وتماسك نسيجه الاجتماعي أيضاً.&وهذا ما تجلى مؤخراً، إذ نقل عن مسعود البرزاني قوله بعد إخراج &"داعش&" من سنجار، أن عدم إقرار تبعيتها لإقليم كردستان فإن البشمركة لن تشارك في تحرير الموصل. وهناك من يذهبون إلى أن البرزاني يتعمد عدم بيان حدود كردستان العراق حتى يستكمل توسيع إطاره. بينما حاول أردوغان وأركان نظامه الإبقاء على القوات التركية في شمال العراق بحجة مشاركتها البيشمركة الكردية في قتال &"داعش&"، فضلاً عن تجدد المطامع القديمة في الموصل، وعدم إسقاط الرغبة في فرض منطقة عازلة في شمالي العراق.&والسؤال الذي يستدعيه واقع العراق الراهن: هل كانت الموصل شهدت بروز &"داعش&" بالسهولة التي جرى بها لوكان العراق لما يزل محتفظاً بوحدته الوطنية؟ وليس صحيحاً الظن أن مخطط التفتيت الأمريكي الذي دشن الدعوة له بريجنسكي سنة 1977، في مصلحة أي من الجماعات العرقية والطائفية في الأقطار العربية المستهدفة به، وحتى من يراد بها تولي السلطة تحت رعاية الإدارة الأمريكية، وبدعم أداتها الصهيونية. ذلك لأن التفرد بالسلطة يستعدي المجموعات المقصاة ومهمشة الأدوار، ما يجعلها مهيأة للاستجابة لأي دعوة تبدو في سبيل استعادة دورها - ما يعني في التحليل الأخير خسارة الطرفين. الطرف الحاكم وحائز الامتيازات، والطرف المقصي والمحروم.&والثابت في جميع التجارب السياسية المعاصرة أن الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية. إنما هو أساس الصمود في مواجهة القوى الخارجية، وأنه أهم أدوات ضبط الصراعات والنزاعات الداخلية والحيلولة دون تفاقمها، وفسح المجال بالتالي للمداخلات والاختراقات الدولية والإقليمية. وفي ضوء ما سبق يغدو منطقياً القول إن العمل الجاد والصادق لاستعادة شعب العراق وحدته الوطنية إنما هو سبيله لتجاوز مأزقه الراهن، والتقدم على طريق استعادة فعاليته الوطنية المهددة ودوره في المشرق العربي.&واستعادة العراق وحدته الوطنية، درعه الحامية، تقتضي مراجعة جذرية لكل الإجراءات التي اتخذتها سلطة الاحتلال الأمريكية، بالعمل الجاد والصادق لتصحيح ما ترتب على ما اتخذته إدارة بريمر، باعتماد الانفتاح على مختلف القوى غير المشاركة في العملية السياسية وحوارها، سعياً لتصويب الدستور والقوانين والنظام السياسي، وإرساء قاعدة نظام ديمقراطي يؤمن للجميع المشاركة في صنع القرارات على مختلف الصعد، ووضع حد للتمايز القائم موضع شكوى قطاعات واسعة من شعب العراق.&ثم إنه غاية في الأهمية مراجعة ملفات المعتقلين السياسيين، والمنفيين خارج العراق وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار، وإعادة كامل حقوقهم المدنية المشروعة، وإطلاق الحريات العامة والخاصة، خاصة حرية العمل السياسي. إذ في حكم المؤكد أن تفرد السلطة بصناعة القرار دون بقية ألوان الطيف السياسي والفكري هو ما يدفع النخب مهمشة الدور لاستخدام العنف ضد السلطة قامعة الحريات، التي تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن العنف المضاد لعنف السلطة، فهل تراها فاعلة؟ وهي صاحبة المصلحة الأولى في حشد القوى العراقية من مختلف المذاهب والجماعات للتحرر من الهيمنة الأمريكية والتصدي لأطماع إيران وضبط طموحات البرزاني للتوسع والانفصال.