قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عثمان ميرغني&هناك أناس يعيشون جل حياتهم في دائرة الضوء وإثارة الجدل حول أدوارهم وأفكارهم، بعضهم يجد نفسه رغما عن إرادته في هذا الموضع، وبعض آخر يبدو وكأنه ينتشي بأجواء الجدل واللغط. السودان له نصيبه من الصنفين، وقد أثارت شخصيات كثيرة فيه الجدل أو أنه أثير حولها، في فترات مختلفة ولأسباب متباينة، لكنني أحسب أنه لم يثر شخص من الجدل بقدر ما أثاره الدكتور حسن الترابي، بآرائه ومواقفه وتقلباته ومناوراته، وأيضا بدوره المعروف في انقلاب عام 1989 الذي أطاح بالحكم الديمقراطي وجاء بنظام &"الفريق&" عمر البشير والحركة الإسلامية الذي مكث في السلطة أزيد من ربع قرن ولم يكتفِ بل يقاتل بشراسة للبقاء أطول.&تجاوز الرجل في بداية هذا الشهر الثالثة والثمانين من العمر، ولا يزال يثير الكثير من الجدل حول مواقفه، واللغط حول آرائه، خصوصا أنه لا يزال في وسط الحلبة السياسية والحركة الإسلامية الخارجة من رحم الإخوان المسلمين. فخلال الأيام القليلة الماضية انشغلت وسائل إعلام سودانية ومنتديات إنترنتية عديدة بتصريحات منقولة عن الترابي قال فيها إنه يريد أن يطمئن على الوطن قبل أن يتوفاه الله، طارحا رؤيته لما يراه محققا لهذه الطمأنينة. دعا إلى الحوار ونبذ الاحتراب والوحدة ما وراء الحدود، واعتبر الأحداث التي يشهدها العراق واليمن وسوريا ومصر غضبا من الله على الأمة الإسلامية. بدا الرجل في خطابه الذي ألقاه في حضور الرئيس عمر البشير وكأنه يستعيد التفكير الذي ساد أيام أصبح السودان قبلة وملجأ للإسلاميين من كل حدب وصوب، إذ قال مخاطبا الحضور: &"يوما ما نريد أن نجتمع كما اجتمعت أوروبا، نريد أن نمتد شرقا وغربا وراء الحدود&".&هذا الكلام يجيء بعد أن فاجأ الترابي الجميع في السودان بواحدة من انعطافاته في المواقف وذلك بالعودة إلى الحوار مع النظام الذي اختلف معه وخاصمه بعد المفاصلة الشهيرة في عام 1999 التي تحالف فيه بعض تلاميذه وعلى رأسهم &"أمير الحركة الإسلامية&" الحالي ونائب رئيس الجمهورية سابقا، علي عثمان محمد طه، مع البشير لإخراج مرشدهم من دائرة الحكم. فبعد أزيد من 15 عاما من الخلاف، عاد الترابي اليوم لعقد اللقاءات مع الحزب الحاكم ورئيسه البشير، بل وإلى المصافحات وتبادل الابتسامات مع تلميذه اللدود علي عثمان محمد طه. غادر الرجل صفوف المعارضة وأصبح مؤيدا بشدة للحوار مع النظام، بل وإلى تأييد المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في أبريل (نيسان) المقبل بعد أن كان يدعو لإطاحة النظام.&هناك من يرى في انعطافة الترابي مؤامرة ومراوغة جديدة من إسلاميي السودان الذين مكروا على القوى السياسية وخدعوها أكثر من مرة منذ انقلابهم على النظام الديمقراطي الذي دفعوا فيه بالبشير إلى القصر رئيسا، بينما ذهب الترابي إلى السجن حبيسا مع بقية القيادات السياسية، واختفى علي عثمان ليوجه عناصرهم الانقلابية من وراء الستار. وقتها كانت الخدعة للتغطية على هوية الانقلاب حتى لا يعرف السودانيون والعالم أن الحركة الإسلامية هي المنفذ، وكان الهدف أيضا حماية قيادات الجبهة الإسلامية من المحاكمة والقصاص إن فشل الانقلاب. دخول الترابي السجن وقتها كان يعني أيضا اطلاع الجبهة الإسلامية على أي خطط أو تفكير من جانب القيادات السياسية المعتقلة للقيام بتحرك مضاد لاستعادة السلطة. أما اليوم فإن الهدف يبدو إرباك الخصوم وإعطاء النظام عمرا إضافيا، إذ ضاق الناس به ذرعا بعد أن ضاقت بهم سبل المعيشة، وتردت الأحوال، وتوسعت الحروب الداخلية، وأصبح الفساد المستشري في أروقة النظام هو الموضوع الأول في أحاديث السودانيين.&هناك كلام يتردد عن ضغوط ووساطات خارجية من الحركات الإسلامية وداعميها في المنطقة على إسلاميي السودان لكي ينهوا خلافاتهم ويتوحدوا، خصوصا في ظل الانتكاسات التي لحقت بالإخوان المسلمين بعد نشوة الصعود على ظهر موجة الربيع العربي. فكثير من إسلاميي المنطقة وجدوا في نظام إخوانهم في الخرطوم الملاذ والدعم منذ بداية تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم، وليس سرا الدور الذي لعبه النظام السوداني في دعم الميليشيات والحركات الإسلامية في ليبيا وتباهى به البشير علنا عندما قال إن نظام القذافي سقط بأسلحة سودانية. اليوم قد يشعر الإخوان وداعموهم في المنطقة أنهم يحتاجون إلى تماسك نظام الإسلاميين في الخرطوم خوفا من تصدعه وسقوطه هو الآخر.&مهما كانت المحفزات والدوافع، فالواضح أن الحركة الإسلامية بعد أن تفرقت إلى نحو 10 تنظيمات وفرق إما بسبب التكتيكات أو الخلافات حول السلطة والتوجهات، ترفع الآن راية الحوار وتسعى إلى إقناع الآخرين به، والهدف هو تشتيت الخصوم وشراء الوقت للوصول بالنظام إلى معبر الانتخابات التي ستجدد للبشير خمس سنوات أخرى. في وسط هذه الحلبة ومناوراتها وألاعيبها يقف الترابي، مثيرا الحيرة والجدل مرة أخرى.