أهلاً بعصر الأسوار الحصينة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
علي سالم
وبعد أحلام الوحدة العربية الوردية التي ما يغلبها غلاب، انتقلنا بنعومة وبغير تمهيد إلى كابوس الفرقة العربية والخوف من بعضنا البعض، وكأن الخوف من الإرهاب لا يغطي احتياجاتنا من الخوف. نحن أكبر مستهلك للخوف على الأرض. فبعد خوفنا من مؤامرات الغرب والشرق علينا وفزعنا من محاولات تفتيتنا وتقسيمنا والقضاء على ثرواتنا أو بالأحرى ديوننا، وعجزنا وفقرنا وتخلفنا، اكتشفنا بئرا جديدة للخوف قد تغطي احتياجاتنا للمائة عام القادمة وهو الخوف من أنفسنا. يا لقدر الحزن الذي شعرت به عندما قرأت خبرًا يقول إن الحكومة التونسية ستبني سورًا بينها وبين ليبيا. والأسوار هي آخر ما يفكر فيه الإنسان لحماية نفسه، أي بعد استنفاد كل الطرق لإقامة جسور مع الآخر. الخبر يبدو عاديًا غير أنني رأيت فيه ما نحاول جميعًا إخفاءه، وهو أن الكليشيهات القديمة الشهيرة عن الوحدة العربية والأخوة العربية والتضامن العربي، كلها تلاشت وكأنها كانت سحابة أمطرت أفكارًا بلهاء عن وحدة لا وجود لها في واقع الناس. وانتهى الأمر بأن حلت الأسوار محلها لتعلن بوضوح حقيقة علاقاتنا التعسة البائسة ببعضنا البعض.
إن أشهر خطوط الدفاع الثابتة في التاريخ ثلاثة، سيجفريد، وماجينو، وبارليف. سيجفريد على الحدود الألمانية الجنوبية في مواجهة خط ماجينو، طوله 630 كيلومترًا، مجهز بكل ما تتخيله من تحصينات عسكرية، أعيد تجهيزه عام 1930 وتمكنت قوات الحلفاء من اقتحامه في المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. أما خط ماجينو فقد بدأ العمل فيه بعد الحرب العالمية الأولى ليحمي فرنسا من أي هجوم ألماني، غير أن الألمان تركوه بكل تحصيناته ودخلوا فرنسا من جنوب الخط بعد الاستيلاء على هولندا. قال الخبراء العسكريون إن هذا الخط أعطى الفرنسيين إحساسًا خادعًا بالأمان، ومنعهم من تطوير سلاح مدرعاتهم وجيشهم بوجه عام. ثم نأتي إلى خط بارليف على قناة السويس الذي يعرفه الجميع، أقامته إسرائيل على قناة السويس ولم يكن أقل تحصينًا من سيجفريد أو ماجينو. أما أخطر ما كان فيه فهو السد الترابي المرتفع الذي أقامته إسرائيل على ضفة القناة، وتمكن المصريون من اقتحامه وفتح ثغرة فيه باستخدام خراطيم المياه، وهو ذلك الاختراع الذي لم تعرفه الحروب من قبل، ثم عبروا إلى سيناء.
هكذا نرى أن خطوط الدفاعات الثابتة قابلة للاختراق مهما بلغت قوة تحصيناتها. ولا شك أن تكنولوجيا العصر الحديث قادرة على إمدادنا بوسائل نستطيع بها مراقبة حدودنا جوًا والتعامل مع كل من يحاول اختراقها. إن إقامة سور بين ليبيا وتونس سيعطي إحساسًا كاذبًا بالأمان الشامل للحكومة التونسية ولأجهزتها الأمنية والمعلوماتية. وهو ما سيدفعها حتمًا إلى التراخي في مكافحة الإرهاب. كما أن أي اختراق لهذا السور ونجاح مجموعة إرهابية صغيرة في القيام بأي عمل تخريبي أو إرهابي داخل تونس، سيدفع الناس للإحساس بالتعاسة واليأس. لست أدعي لنفسي كرسي أستاذ في العسكرية، أنا مجرد كاتب ومواطن عرف شيئًا وقرر أن يطرحه عليكم فربما رأيتم فيه ما يفيد..