جريدة الجرائد

سعود الفيصل.. فارس الدبلوماسية

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله خليفة الشايجي

قلما حظي وزير خارجية بذلك القدر من الاحترام والتقدير والمتابعة والإشادة الذي حظي به وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، الذي خدم في منصبه وزيراً للخارجية لأربعة عقود ممتدة 1975-2015، عاصر خلالها أربعة من أعمامه الملوك هم خالد وفهد وعبدالله وسلمان.. وسبعة رؤساء أميركيين، وثلاثة أنظمة عالمية، إلى أن أُعفي من منصبه بناء على طلبه في شهر أبريل الماضي. وحتى ذلك الحين حظي الأمير سعود بلقب عميد وزراء الخارجية، وأطول وزراء الخارجية في العالم خدمة في منصبه. وبذلك يتساوى الأمير سعود الفيصل في منصبه كوزير للخارجية مع أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الذي تبوأ منصب وزير الخارجية لأربعة عقود أيضاً.

وقد غرد الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد الخبر الذي نزل كالصاعقة وانتشر في وسائل التواصل الاجتماعي &"رحل الأستاذ وبقي منهجه&". وكان الشيخ عبدالله بن زايد، رد عندما وصف أحدهم سعود الفيصل عند ترجله من منصبه وزيراً للخارجية بأنه كيسنجر العرب، فعلق بأن ذلك التشبيه لا ينصفه، لأنه سعود العرب! وأشاد الشيخ عبدالله في مقال باللغة الإنجليزية حينها بدينامكية سعود الفيصل.

&


نعزي أنفسنا والأمة العربية والإسلامية في وفاة سعود الفيصل، ذلك الفارس الذي ترجل عن جواده في 22 من رمضان 1436 هجري، وللمصادفة فهو اليوم نفسه 22 رمضان 1393 هجري الذي قطع فيه والده الملك فيصل إمدادات النفط عن الغربيين لدعمهم لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973 ضد مصر وسوريا. وخلال ساعات تصدّر وسم أو هاشتاق #سعود-الفيصل الترند العالمي بأكثر من نصف مليون تغريدة خلال ساعات، إضافة إلى أكثر من 900 ألف تغريدة تنعى الأمير سعود الفيصل في حسابات تويتر.

وقد أسس سعود الفيصل مدرسة الدبلوماسية التي تعمل بصمت وخلف الكواليس وبنفَس طويل، وحوّل الدبلوماسية السعودية إلى مؤسسة بمعنى الكلمة، فأنشأ المعهد الدبلوماسي السعودي، التابع لوزارة الخارجية، وهو أحد أهم معاهد الدبلوماسية، لتدريب وتأهيل الدبلوماسيين الجدد. وأفتخر بالتعاون معه على المستوى الشخصي. وبذلك كوّن مدرسة متميزة، دعمها برؤيته ونظرته وفهمه للعالم وللمتغيرات الدولية، مستغلاً قوة السعودية الناعمة، مهداً للإسلام وبحكم الموقع والمركز والقوة والمال.

وقد توفي الأمير سعود الفيصل بعد 71 يوماً من ترجله عن المهنة التي أحبها وقدرها وأبدع فيها... حيث كان وجه وصوت المملكة، وفي كثير من الأحيان صوت ووجه القضايا والمواقف العربية والإسلامية، وحمل كل هموم وقضايا الأمة وأولها الصراع العربي- الإسرائيلي، وانتفاضات الشعب الفلسطيني، وتقديم المبادرة العربية، وتعامل مع الشاه والثورة الإيرانية، والحرب بين العراق وإيران، وسقوط الاتحاد السوفييتي. وشهد الاحتلال العراقي لدولة الكويت ولعب دوراً مهماً في تحرير الكويت. وتعامل أيضاً مع تداعيات 11 سبتمبر، والحرب على الإرهاب، والغزو والاحتلال الأميركي للعراق، وتداعيات &"الربيع العربي&". وتعامل أيضاً مع قضايا الأمن الخليجي، والعلاقات مع الغرب والشرق، والحرب الباردة مع إيران وحلفائها، وآخرها في سوريا والعراق ولبنان واليمن. والخلاف والتباين مع إدارة الرئيس أوباما حول سياسة واشنطن في المنطقة، ورفض مقعداً غير دائم للسعودية في مجلس الأمن. وآخر مواقفه كان في مارس الماضي في القمة العربية في شرم الشيخ عندما رد بقوة في مداخلة على رسالة الرئيس الروسي بوتين.

وسنتذكر أن سعود الفيصل كان هو أول مسؤول عربي جاهر بانتقاد أميركا علناً في عقر دارها لتسليمها العراق على طبق من ذهب لإيران. وهو من انتقد توقيع اتفاقيات ثنائية بين دول الخليج والولايات المتحدة كاتفاقية التجارة الحرة. وأنا كنت شاهداً على ذلك الانتقاد في مؤتمر قبل عشر سنوات. وهو المسؤول العربي الوحيد الذي وصف الدور والوجود الإيراني في العراق وسوريا بأنه احتلال مطالباً بإنهائه.. وهو من وصف إيران بأنها جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل. وكان ذلك بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري جالساً يستمع إلى جانبه في مؤتمر صحفي في وزارة الخارجية بالرياض.

ولسعود الفيصل تقدير كبير عند الكويتيين خاصة، ولا نزال نتذكر تأكيد الملك فهد إبان احتلال صدام حسين لبلدي الكويت قبل ربع قرن: &"لا يوجد شيء اسمه السعودية والكويت.. إما أن نبقى معاً أو نذهب معاً&"، وكذلك تأكيد سعود الفيصل رحمه الله أن: &"الكويت ستعود رغماً عن أنف صدام حسين&".. وقد أعرب حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت ومسؤولون كويتيون عن تعازيهم وإشادتهم بدور ومساهمات سعود الفيصل، وأعرب وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد عن تعازيه القلبية في وفاته متذكراً مواقفه البطولية والشجاعة مع الحق الكويتي إبان الغزو العراقي.

وأخيراً نقول: لقد كنتَ صادقاً وشهماً وفارساً وشجاعاً. وانحزت للحق والعدل، ودافعت بشراسة عن قضايا العرب والمسلمين.. ولخصت بحكمة واختصار واقعنا وحالنا عندما شبهت حالة الأمة العربية بحالتك الصحية بعد إجراء عملية.. قائلاً &"حالتي أشبه بحال أمتنا&"! رحمك الله يا سعود الفيصل.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف