الجامعة والعمل الوطني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&حسن حنفي
الجامعة في البلاد النامية لها دور مخالف أحياناً لدور الجامعة في البلاد المتقدمة، ولو أن الجامعة اليوم في البلاد المتقدمة أخذت تمارس نفس الدور الذي على الجامعة في البلاد النامية أن تمارسه. وينحصر هذا الدور أساساً في قيادة العمل الوطني، وليس في الانشغال البحثي والأكاديمي في التخصص العلمي الدقيق المنعزل عن الواقع الاجتماعي للبلاد. فالجامعة في البلاد النامية جزء منها في النهاية، وبالتالي فهي تعبير عن مشاكلها، وليست حكراً على طبقة أو تعبيراً عن مصالح الطبقة الحاكمة، أو ميزة يحصل عليها كل من أراد خدمة مصالحه الخاصة، أو التمتع بمزايا لها. فالجامعة جزء من المجتمع، وبالتالي فهي صدى له، إن شئنا الجامعة جامعة للشعب وتعبيراً عنه.
وأحوج ما تحتاج إليه البلاد النامية هو خلق المواطن. فقد ورثت تركة ضخمة من عزلة الشعب عن الحياة السياسية. دور الجامعة هو خلق المواطن الذي يعلم رسالته والذي يعي واقعه، ويكون صورة صادقة لمجتمعه. فإن ما تقاسي البلاد النامية منه اليوم، هو عدم وجود العنصر البشري القادر على التنمية وخاصة أن الأحزاب فيها لا تؤدي دورها في خلق الكوادر الوطنية اللازمة لذلك. لقد اهتمت البلاد النامية حتى الآن بالعنصر المادي من استثمارات وتصنيع، وزيادة الإنتاج.. الخ ولكن مشكلة بعضها الأساسية هي العنصر البشري الذي يقوم بتحقيق كل ذلك.
ومهمة الجامعة أيضاً هي تكوين قيادات إدارية تكويناً علمياً، وتكويناً وطنياً، والتكوين العلمي لا يعني إعطاء القيادات أكبر عدد ممكن من النظريات من شرق وغرب العالم، بل الأولى قبل ذلك إعطاء أكبر قدر ممكن من التحليلات الاجتماعية لواقع المجتمع، وطرح الحلول للمشاكل التي تواجهه، وذلك عن طريق التحليل المباشر للوقائع، لا عن طريق نقل نظريات علم الاجتماع كنقل للتراث الغربي. وعلى هذا النحو لا ينفصل التكوين العلمي، أي التكوين الاجتماعي، عن التكوين الوطني، لأن الوعي القومي لا يتم إلا بالتحليل المباشر للواقع، وتوجيه الأبحاث العلمية توجيهاً وطنياً، وهذا يصب في مصلحة الجامعة نفسها، بحيث تصبح مخرجاتها أكثر فائدة. فكثير من علماء البلاد النامية ليست لهم ثقافة وطنية، وبالتالي فهم يضرون أكثر مما ينفعون، وخاصة إن كان بعضهم في مراكز حساسة ومؤثرة، وفي مواقع سلطة اتخاذ القرارات.
والجامعة أيضاً هي طلبتها وأساتذتها، ولكل منهم مطلق الحرية في التعبير عن آرائه. كما يجب أن يظل حرم الجامعة آمناً من تدخل السياسة والسياسيين، ولمجلس الطلبة ولاتحاداته أن تشارك في أخذ القرارات مع سلطات الجامعة. ولا يجوز إغلاق الجامعة، فالجامعة هي الأمة، بل إن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية إن اتخذت موضوعاً للبحث العلمي، وهي مشاكل فعلية، لا يكون ذلك غالباً إلا تعبيراً عن رغبة العلماء في البحث عن حلول لمشاكل الأمة. والطلبة هم الذين يعبرون عن نبض وحيوية المجتمع، ولذلك تميز الطلبة عن غيرهم بأخذ زمام المبادرة باستمرار أكثر من الأساتذة، أو السلطات الجامعية، وهذا شيء طبيعي، لأن مهمة الطلبة في البلاد النامية ليست الدراسة فقط، ولكن التعبير عن القضايا الوطنية، فالطلبة هم الشباب الذي يتمتع بمستوى ثقافي عالٍ، ومن هنا جاء الدور الوطني الذي تلعبه الجامعات في البلاد النامية فهي التي تحمل لواء التقدم، وهي الحارسة على مكاسب المجتمع، كما أنها هي القادرة على نقد بعض التقاليد ومظاهر الثقافة الاجتماعية التي تحتاج إلى نقد.
ولكن الحركة الطلابية التلقائية تحتاج إلى من يعطيها أساسها الواعي الرشيد. وهنا يظهر دور الأساتذة في تأييد الطلبة، ومشاركتهم إياهم في التعبير عن قضايا الأمة وتوجيه بحوثهم لمقاربة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.
وأخيراً، لابد أن تتمتع الجامعات في البلاد النامية باستقلال عن كل سلطة خارجية عنها، سواء أكانت ممثلة في جماعات ضاغطة، أو في سلطة أخرى، فالجامعة لا يمكنها أن تؤدي دورها القيادي إلا إذا كانت مستقلة، ولا يعني استقلالها انعزالها، لأن ظهور الجامعات في البلاد النامية كان أصلاً مصاحباً لبداية حركاتها الوطنية، وتعبيراً عن استقلالها. إن ضياع استقلال الجامعات في بعض البلاد النامية كان أحد معوقات تقدمها، إذ أصبحت الجامعات فيها أحياناً أبواقاً سياسية وليست مؤسسات قائدة للعمل الوطني.