حرب الإبادة في سوريا وجدوى الشكوى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حرب الإبادة في سوريا وجدوى الشكوى
رضوان السيد
ما عاد هناك حديٌث تفصيلي عن حروب الإبادة الجارية في العالم العربي. فقد عاد بيان القمة لإفراد قضية فلسطين بالذكر، وهذا أمٌر جيد، في حين ذكر الحروب اُلأخرى بالإجمال، ودعا للاهتمام بها وبالشؤون الإنسانية ومكافحة الإرهاب والتدخلات الإيرانية.
أما الذي شعر بالذنب إذا صح التعبير فكان الأمين العام لُلأمم المتحدة الذي أرسل مبعوثه إلى اليمن ولد الشيخ أحمد باعتباره موريتانًيا للتحدث باسمه عن جهود اُلأمم المتحدة للعودة إلى مفاوضات الحل السياسي والانتقال السياسي في سوريا.
على أّن هذه اللفتة تظُّل محدودة المعنى والدلالة إن لم ننظر إليها من جهة أُخرى، وهي أّن الذي حضر للحديث عن سوريا بنواكشوط ما كان دي ميستورا، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إليها. وقد شاع منذ مدة أن دي ميستورا الذي كانت المعارضة السورية تتهمه بشتى التهم، أعلن عنُ سخطه أخيًرا عندما أّجل المفاوضات، وقال إنه لا أمل من وراء استمرارها، وإّن الأطراف لا تريد السلام.
والذي أغضب دي مستورا أمران اثنان: عدم القدرة على تثبيت الهدنة التي صارت في «خبر كان» منذ شهور، وعدم القدرة على التقدم في معالجة حصارات التجويع، وتعزيز جهود الإغاثة الإنسانية.
وقد بلغ من تذمره أن شكى منه علًنا سيرغي لافروف الذي اشتهر دي ميستورا من قبله بولائه له واعتماده عليه أكثر من الاعتماد على كيري وزير الخارجية الأميركي! طوال عاٍم وأكثر ما فعل الروس شيًئا باتجاه الحل السياسي بالفعل إلا الموافقة على الهدنة أو دعم دي الحل السياسي. وما بقيت الهدنة إلا أياًما معدودة ثم عادت الجبهات للاشتعال من جانب الإيرانيين وجيش ميستورا في هذا المجال، على أن يتلو ذلك مباشرة الاهتمام بالشؤون الإنسانية، وبالعودة للتفاوض على النظام.
ولأّن الروس لم يشاركوا في الخروقات في ريف دمشق وحلب، على وجه التحديد، فإّن الثوار حققوا تقدًما على قوات النظام وعلى الإيرانيين وميليشياتهم. وقد شاع وقتها أّن الإيرانيين انزعجوا جًدا من المهادنة، لأنهم كانوا يتوقعون انهيارات في صفوف المعارضة المسلحة في ريف دمشق وحلب بالتحديد.
وهذا صحيح على وجه الإجمال، لأنه بعودة القصف الروسي أمكن إقفال طريق الكاستيلو، كما أمكن تحقيق اختراقات في ريف دمشق. لكّن الأطراف اُلأخرى التي تشمل المبعوث الدولي والأميركيين والسعوديين والمعارضة السورية، هؤلاء جميًعا بدأوا وقتها يصّدقون أّن الروس ربما يكونون جاّدين في مسألة الانتقال السياسي، كما أّكدوا لكل الأطراف.
لماذا تراجع الروس، ولماذا عادت الجبهات للاشتعال بمشاركتهم؟ هم يذكرون عدة أسباب: أّن عصب المعارضة المسلحة التي تقّدمت أثناء فترة الهدنة المعلنة هي جبهة الُنصرة، وهي تنظيٌم إرهابي في نظر المجتمع الدولي، وأّن المعارضة لمُتظهر جدية في اتجاه الحل السياسي، ولا بد من توسيعها بحيث تشمل سوريي روسيا والآخرين المحسوبين على مصر! وُينكر المعارضون السوريون أن يكون لجبهة النصرة وجوٌد أو فعالية في جبهة حلب، أو في المناطق المتوترة بريف دمشق.
ويقولون إنه بدلاً من أن تكون هناك ضغوط على النظام من أجل الدخول في مفاوضات جدية، تتكاثر محاولات توسيع وفد المعارضة من أجل تفكيكه، وإخضاعه في النهاية لحلول النظام التي لا تعني غير الخضوع عن طريق الحصار والتجويع وقصف المستشفيات وقتل المدنيين، والآن ضرب التمثيل السياسي. ويستشهدون على ذلك بموقف دي ميستورا الذي اشتهر بالقسوة على المعارضة، لكنه الآن ربما صار متشكًكا في إرادة الروس والإيرانيين التوصل لحل سياسي.
ما الصحيح وسط هذا الضباب؟ يقول مراقبون أوروبيون إّن السبب الحقيقي للعودة للهجوم المشترك للأطراف الثلاثة: الروسي والإيراني والأسد، هو انزعاج الروس من التصعيد ضد روسيا في اجتماع الحلف الأطلسي الأخير، سواء لجهة تمديد العقوبات بشأن أوكرانيا، أو لجهة نوعية الأسلحة التي عسكرت وتعسكر ببولندا في مواجهة روسيا. وهذا بالإضافة إلى انزعاج إيران من التصعيد المستجد بينها وبين الولايات المتحدة، لجهة قوتها الصاروخية الباليستية، ولجهة الاتهام بالإرهاب، ولجهة عدم الإقبال على الاستثمار بإيران رغم انفكاك الحصار.
إّن البارز الآن أّن كيري ولافروف التقيا أو تحدثا أربع مرات حول الأزمة السورية. ويقال إن أبرز بنود المحادثات هو التعاون العسكري ضد الإرهاب، أي مكافحة «داعش» و«النصرة» في سوريا. وإذا رضي الروس عن مسارات «التعاون» فيمكن أن يتوقفوا عن المشاركة في حملات قصف المدنيين وأن يدعموا هدنة إنسانية، فيمهدوا بذلك لعودة التفاوض السياسي.
لكّن المراقبين الأميركيين بالذات يائسون من ذلك، لأّن الولايات المتحدة لا تملك عناصر للضغط على الروس؛ إذ ليس لها على الأرض غير قوات سوريا الديمقراطية، ولا تستطيع التراجع عن العقوبات ضد روسيا في أوروبا، وما عادت مهتمة حًقا إلا بتضييع الوقت أو إشغاله في سائر الموضوعات بمحادثاٍتُتنهي عهد أوباما على أقّل قدٍر ممكٍن من الخيبات.
لكّن الشديدي التفاؤل من الأوروبيين يقولون إن جانًبا من المحادثات الأميركية الروسية يدور حول مصير الأسد، وإّن الروسُيظهرون تنازلاٍت لهذه الناحية تتمثل في قبولهم إلغاء صلاحيات الأسد كلها بعد وقٍت قصيٍر على بدء عمليات الانتقال السياسي، تمهيًدا لتسفيره أو تصغيره! في حين يذهب المعارضون السوريون إلى أّن شيئا من ذلك لم يحدث على الأرجح، إنما قد تنجح عمليات التنسيق العسكري جزئًيا إذا كان الروس مهتمين بذلك، بينما هم في الواقع مهتمون بالتقدم في حلب، ويتركون مسؤوليات مواجهة «داعش» على التحالف الغربي، إلا إذا وافق الأميركيون على التنسيق في إدلب ضد جبهة النصرة التي تسيطر هناك. ما الذي يحدث بالفعل إذن؟ الذي يحدث بالفعل أّن الجميع يعملون على المدى الطويل كما يمكن أن يقال؛ إذ لا أحد يستطيع الحسم العسكري أو السياسي في المدى المنظور. بيد أّن الجبهة الأسدية الإيرانية (وبمساعدة الروس) صارت لها اليد العليا في معظم المواقع.
وقد أعانهم في ذلك تراجع الموقف التركي بسبب تحسن العلاقات مع روسيا، وبسبب محاولة الانقلاب الأخيرة، والكلفة الباهظة العسكرية والسياسية والمالية والأمنية والإنسانية على البلاد خلال خمس سنوات. ولا ينبغي أن ننسى العلاقات الحسنة دائًما، تقريًبا، بين تركيا وإيران، وعودة الملف الكردي إلى البروز على حسابهما مًعا. تستمر حرب الإبادة على الشعب السوري إذن ليس للصراع على مناطق النفوذ فقط، بل لأّن كُّل طرف مشارك يعتقد بذلك أنه يستطيع معاقبة الطرف الآخر أو إزعاجه عن طريق الاستمرار في قتل المدنيين السوريين وتهجيرهم، وبحجة مكافحة الإرهاب أو من دون حجة. فيا للعرب!