جريدة الجرائد

«خارطة التاريخ البشري».. هل تكسر فخر السلالات؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عبدالله القفاري

كلما اتسعت دائرة العلم في عقل الإنسان.. تهاوت حلقات التعصب.. فالعلم يقول اليوم وهو يقرأ جينات البشر إن حجم التمازج كبير، وثمة وهم حول نقاء السلالات، وإن سيطر على البعض إلا أنه لن يكون سوى تدرع بالجماعات أكثر منه انحيازا لحقائق الوجود والتاريخ..

أصول والأعراق البشرية، نشر موقع "ناشيونال جيوغرافيك" أول خريطة للتاريخ البشري في العالم.

اللافت في هذه الدراسة أنها أظهرت حجم التداخل الكبير بين الأمم والشعوب في مختلف المناطق التي خضعت للدراسة.

وهذه الدراسة ليست وليدة اليوم فقد بدأت منذ عام 2005 إلا أن نشر النتائج توالى منذ عام 2014.. وتقدم الخريطة الجينية لشعوب الأرض التي توصل إليها باحثون في جامعتي أكسفورد البريطانية و«يونيفرسيتي كوليدج لندن» ومعهد «ماكس بلانك» الألماني للأنثربولوجيا الارتقائية، تاريخ التمازج الجيني الناجم عن الاختلاط بين 95 من المجموعات البشرية والشعوب حول العالم في أوروبا وأفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، على مدى الأربعة آلاف سنة الماضية.

وبحسب نتائج هذه الدراسة أظهرت الخارطة البشرية أن الكثير من الأمم والشعوب تعود أصول نسبة كبيرة من أفرادها إلى أمم وشعوب أخرى. فشعوب عربية كبيرة أظهرت الدراسة أن نسبة السلالة العربية فيها ليست الغالبة، وشعوب أخرى ليست محسوبة اليوم على العرب تعود في أصولها وفق الخارطة البشرية الى أصول عربية.. ويبدو هذا التداخل بين الأصول البشرية كبيرا إلى درجة لافتة ومثيرة للاهتمام.

"الأطلس الجيني لتاريخ الاختلاط البشري" يرصد تواريخ وخصائص التمازج الجيني بين مختلف الأقوام، وقد تمكن الباحثون من تطوير طرق إحصائية متقدمة لتحليل الحمض النووي منقوص الأكسجين (دي إن إيه). وهذه الدراسة اعتمدت على فحص عينات من المجموعات البشرية الخمس والتسعين حول العالم.. وقدمت أول تصور لاختلاط السلالات البشرية عبر حقب التاريخ. وربما يتطلب الأمر إجراء المزيد من الدراسات لتأكيد تلك النتائج التي وصلت لها تلك الدراسة والتي توالى نشر نتائجها خلال العامين الماضيين.

وإذ تعد الهندسة الوراثية التي تتطلب دراسة الجينيات البشرية من أهم المجالات العلمية التي تسارع البحث فيها خلال العقدين الأخيرين.. إلا أنها ظلت تقدم مؤشرات مهمة ونتائج مذهلة مازال كثير منها في طور البحث والتأكيد وقد يترتب عليها علاج أمراض كثيرة واختلالات جينية مازالت مصدر بحث وإلهام للعلماء والباحثين.

أستدعي وأنا أطالع في العديد من الأخبار حول ما نشر حول مشروع "الجينوغرافيك" ذلك التمازج البشري التاريخي بين الأقوام والشعوب.. بينما تظل فكرة الأمة/ القومية مسيطرة إلى حد بعيد على الدول والشعوب.

وأستدعي كذلك فكرة نقاء السلالات التي ذهبت الدراسة إلى أنها ليس لها وجود بهذا المعنى.. وأن الأقوام في عالمنا اختلطوا منذ أمد بعيد، إلى درجة استحالة أن تجد بناء جينياً لم يتأثر بجينات أخرى.. والجزيرة العربية مركز التجمعات البشرية الأولى، ظهر منها أقوام عبروا لأنحاء مختلفة من العالم، وكذلك عبرها أقوام آخرون من أفريقيا المجاورة ومن غيرها.. مما جعل الانتصار لفكرة نقاء السلالة العرقية يبدو واهيا أمام هذه الحقائق العلمية.. وإن كان بعضها قيد البحث وقد تُفاجئنا بمعلومات أخرى.

وقد يبدو من هذه النتائج أن الانتصار للعرق والقبيلة باعتبارها مكونا لم يتم اختراقه جينيا، واهيا وضعيفا أمام حقائق العلم والتاريخ والتمازج البشري القديم.. مما يجعل بعض الممارسات اليوم كالتفريق بين زوجين بحجة عدم تكافؤ النسب مأساة تشبه الملهاة أمام حقائق جديدة تضعنا في مشهد يضرب بعمق تلك التصورات حول نقاء المحتد والسلالة.

كلما اتسعت دائرة العلم في عقل الإنسان.. تهاوت حلقات التعصب.. فالعلم يقول اليوم وهو يقرأ جينات البشر إن حجم التمازج كبير، وثمة وهم حول نقاء السلالات وإن سيطر على البعض إلا أنه لن يكون سوى تدرع بالجماعات أكثر منه انحيازا لحقائق الوجود والتاريخ.

ولعلنا نتصور لو أن ثمة دراسة جينية موسعة أجريت على أبناء قبائل الجزيرة العربية، فكم من المفاجآت سنجد؟ وكم مما يبدو حقائق غير قابلة للمناقشة تبدو واهية أمام فحص تلك الخريطة الجينية التي تكشف حجم التداخل والتمازج والأخذ بين مختلف الأقوام والشعوب.

ولا يجب أيضا أن يكترث العرب اليوم لفكرة نقاء العرق أو حجم اختلاط الأصول البشرية، فالعربية ثقافة ولغة وتاريخ.. أعطاها الإسلام من روحه وقوته ما تستحق أن يكون كل من تحدث بلسان عربي وتأسست ثقافته وقيمه من وحي الرسالة عربيا حتى لو كشفت هذه الدراسة أن ثمة تنويعا جينيا متعدد الانتماءات يختلط بدماء العرب وغيرهم.. التنوع قوة والتعدد مزية. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف