جريدة الجرائد

ترامب أخرج المارد من «القمقم»

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

محمد السعيد إدريس

على الرغم من المعركة الهائلة التي خاضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه الرئاسي الذي يضم قوة يهودية ضاربة في معركة الانتصار، لفرض «القدس» عاصمة موحدة وأبدية لـ «إسرائيل»، رغم أنف كل العالم، ورغم كل الخسائر الأمريكية المتوقعة جراء هذا الإجراء الذي ضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وازدرى الشرعية الدولية وقراراتها، رغم كل ذلك فإن «الإسرائيليين» لا يشعرون بالرضا والغبطة ليس فقط إزاء ترامب وإدارته بل وأيضاً إزاء بنيامين نتنياهو وحكومته، لأنهم يعيشون أسرى الخوف من «نصف الكأس الفارغ»، وما يعتبرونه خطراً هائلاً من شأنه أن يهدر نجاحات لم يتوقف نتنياهو وأركان حكومته من المباهاة بها.

الخطر الذي يقصدون ويحسبون له ألف حساب، هو عودة مشاعر التضامن والتوحد العربي والعالمي مع قضية وحقوق الشعب الفلسطيني التي كانت قد تراجعت وتوارت منذ سنوات مضت، لأسباب كثيرة، بعضها يرجع إلى إخفاقات التنظيمات والسلطة الفلسطينية في إدارة التوحد على مشروع وطني لاسترداد الأرض المحتلة والحقوق المغتصبة، ومنها ما يتعلّق بالأزمات التي تفجّرت على كثير من الأرض العربية، لدرجة باتت تهدد ليس فقط أمن وسلامة الكثير من الدول بل ووجودها، ومنها ظهور مصادر جديدة للتهديد منافسة للخطر «الإسرائيلي»، أبرزها بالطبع الخطر الإيراني، ناهيك عن ذلك الصراع الخبيث الذي أخذ يشق وحدة العرب والمسلمين، وهو الصراع الطائفي الذي جاء متزامناً مع الغزوة الإرهابية المريبة، سواء باسم «القاعدة» أو باسم «داعش»، وكلها أدت إلى نتيجتين؛ الأولى، هي انصراف رسمي وشعبي في العديد من الدول العربية نحو الهموم والأزمات الداخلية في كل دولة، وتراجع زخم الترابط مع القضية الفلسطينية، والثانية إدراك بعض الدول العربية أن «إسرائيل» يمكن أن تكون سنداً في معاركها مع مصادر تهديد تعتبرها وجودية، كل هذا أدّى إلى النتيجة التي اعتبرها «الإسرائيليون» انتصاراً تاريخياً أخذوا يروّجون لها، وهي أن العلاقات «الإسرائيلية» - العربية في أوج تألقها، وأن كثيراً من الدول العربية تتسابق على مخاطبة الود «الإسرائيلي»، خاصة في مواجهة «الخطر الإيراني».

معركة القدس وقرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالمدينة عاصمة لـ «إسرائيل» أسقط كل الوهم «الإسرائيلي» بأن قضية فلسطين ماتت عند العرب، وأن هذا هو أوان فرض «إسرائيل» دولة يهودية على كل الأرض من النهر إلى البحر، والإسراع في ضم الضفة الغربية وتفريغ حل الدولتين من مضمونه، أو وضعه في طريق مسدود لصالح خيار «الدولة الواحدة» اليهودية، كل هذا سقط وفرض نتائجه العكسية أي عودة فلسطين قضية مركزية عربية، وبدلاً من أن تتوارى فلسطين، خرج المارد من القمقم وأخذ يتوعّد كل الطموحات «الإسرائيلية».

ما حدث في مجلس الأمن من توحّد عربي على مشروع قرار قدّمته مصر، حظي بإجماع دولي باستثناء دولة واحدة هي الولايات المتحدة، كان صفعة ألهبت مشاعر الخوف عند «الإسرائيليين» وتلاها التصويت المبهر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في تظاهرة رفض عالمية للغطرسة الأمريكية و«الإسرائيلية»، ورفض التهديدات الأمريكية للدول التي ستصوّت لصالح القرار، عبّر عنها العالم بتصويت 128 دولة لصالح القرار، مقابل رفض 9 دول فقط هي «إسرائيل» والولايات المتحدة» وعدد من الدويلات التابعة، وامتناع 35 دولة عن التصويت، لكن كانت هناك نتائج أخرى لا تقل أهمية، منها على سبيل المثال قرار حزب «المؤتمر الوطني الإفريقي» الحاكم في جنوب إفريقيا بتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الجنوب إفريقي من سفارة إلى «مكتب اتصال»، ومنها أيضاً البيان الصحفي الصادر عن دولة بتسوانا الذي فضح رسالة التهديد التي تلقتها من «نيكي هايلي» مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وتقول إن «الرئيس (ترامب) سيراقب هذا التصويت بعناية، وطلب أن أبلّغ عن البلدان التي ستصوّت ضدنا، وسوف نحيطه علماً بكل تصويت بشأن هذه المسألة». بيان بتسوانا لم يكتف بفضح ورفض الرسالة شكلاً ومضموناً، لكنه اعتبرها أيضاً «تهديداً وتقويضاً لسيادة بتسوانا كبلد مستقل»، وأكد أنها لن تخضع للترهيب وستمارس حقها السيادي على أساس مبادئ سياستها الخارجية.

تحوّل دولي مهم، لكن الأهم هو تفجّر الوعي العربي مجدداً بأصالة قضية فلسطين كقضية مركزية عربية، وسقوط كل الرهانات التي تتعلق بما كان يسمى بـ «عملية التسوية» أو «خيار السلام» أو بقبول الولايات المتحدة كراعٍ للسلام. كل هذا أصبح من الماضي، وما يسيطر على العرب الآن هو كيف يمكن الانتصار للقضية الفلسطينية. 

يدرك «الإسرائيليون» هذا كله، وأخذوا يتحسبون له ويوجّهون سهام النقد للرئيس الأمريكي ورئيس حكومتهم، ووصل الأمر إلى التحريض على «التبرؤ» من أي ارتباط مع ترامب الذي يرونه «رئيساً مرحلياً»، ويخشون من أن أي علاقة وثيقة معه الآن قد يدفعون ثمنها غالياً على نحو ما حذّر منه «دان مارجريت» في صحيفة «هآرتس» الذي طالب بالتحسب لإظهار «الغبطة» من سياسة ترامب، ورفض اندفاع نتنياهو نحوه، وتصوّره أنه «يستطيع الركوب على ظهر النمر»، وقال إن «التماهي مع ترامب يعمّق الاغتراب «الإسرائيلي» مع أعضاء الحزب الديمقراطي والليبراليين في الحزب الجمهوري في يوم ستدور فيه الدائرة، وعندها ستجد «إسرائيل» نفسها ملتصقة بهذا الرئيس الذي يعد أكثر الزعماء مثيراً للخجل في تاريخ بلاده».

هم لا يستعدّون فقط للتبرؤ من ترامب، بل ويدعمون محاكمة نتنياهو ضمن موجة الحرب على الفاسدين. والتظاهرات التي خرجت وسط «تل أبيب» مساء السبت الماضي وفي القدس احتجاجاً على «الفساد الحكومي»، والمطالبة باستقالة نتنياهو الذي يخضع لتحقيقات بشبهات فساد، مؤشر آخر للرفض، بعد أن وجدت «إسرائيل» نفسها، وكما يقول «تسفي برئيل» في صحيفة «هآرتس» دولة «من دون عاصمة معترف بها بعد مهرجان القدس الذي شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة دعماً للفلسطينيين».
 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف