القمة السعودية ـ الأفريقية... رؤية مستقبلية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إميل أمين
دعوة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز لقادة دول الاتحاد الأفريقي لقمة سعودية - أفريقية نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل، جاءت بالتزامن مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إلى العاصمة أديس أبابا التي استضافت على مدار يومين أعمال القمة الأفريقية.
هل جاءت هذه الدعوة في الوقت القيّم الذي تعود فيه أفريقيا ومن جديد إلى الواجهة الدولية؟
المؤكد أن أفريقيا؛ والحبشة (إثيوبيا) في القلب منها، تمثل فصلاً تاريخياً لا يمكن بحال من الأحوال نسيانه أو تجاوزه من قبل الإسلام والمسلمين، فقد لعب النجاشي؛ ملكها، دوراً خالداً في حماية المؤمنين الجدد آنذاك، ورفض تسليمهم لكفار قريش، وأسبغ عليهم الحماية والرعاية، والقصة معروفة، والتذكير بها يعمق ويجذر العلاقات السعودية - الأفريقية.
على أن الأسئلة لا تتوقف عن أهمية مثل هذه القمة؛ وفي المقدمة منها: لماذا الآن تنحو الدبلوماسية السعودية هذا النحو؟
حكماً تعد القارة السمراء مصدراً جاذباً لا طارداً للاستثمارات المالية والبشرية؛ إذ لا تزال، رغم كل محاولات الدول الاستعمارية نهب ثرواتها الطبيعية، قارة بكراً مليئة بكل صنوف الخيرات؛ من طاقة نظيفة شمسية، ونفط وغاز وأراض زراعية، ووفرة كبيرة في الأيدي العاملة.
غير أن الحقيقة المثيرة هي أن تلك الخيرات قد جعلت منها مسرحاً لصراع الأمم في القرن الحادي والعشرين؛ سواء من الشرق أو الغرب.
أضحت أفريقيا الآن محل مواجهة مبكرة بين الولايات المتحدة والصين، والأخيرة بنوع خاص تستخدم وفرة الاحتياطات النقدية لديها، وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان الأفريقية، وكذا عدم ربط الاستثمارات بأي شروط تتعلق بحقوق الإنسان أو الدمقرطة وغيرها من الشعارات التقليدية، حصانَ طروادة لاختراق أفريقيا، التي عانت شعوبها، ولا تزال، من المحاولات الغربية لصهر الهوية الأفريقية.
هل هناك ما يجعل للدعوة الملكية للقمة السعودية - الأفريقية، قيمة مضافة في الوقت الراهن؟
الشاهد أن التعاون الاقتصادي السعودي خاصة، والخليجي عامة، والعربي بالإجمال، مع دول الاتحاد الأفريقي يمكن أن يكون مستقبلاً آلية نجاح مزدوجة؛ فهو من جهة أداة وطريق للاستثمار الناجح اقتصادياً ومالياً، وفي دول وقارة لا تهدد مستثمريها صباح مساء كل يوم بتجميد الأرصدة، أو تعليق التعاون، عند أي مفرق سياسي؛ وبالقدر نفسه فرصة ذهبية لدول القارة وطاقة أمل للخلاص من الارتهان الاستثماري للدول الاستعمارية التاريخية، وهذا لن يتأتي حتماً إلا من خلال خطط تعم القارة كلها، والسعودية والعالم العربي هما الأقرب جغرافياً والأوثق تاريخياً في العلاقة المنزهة عن البراغماتية المطلقة؛ الماركة المسجلة للاقتصاد الغربي التقليدي.
القمة السعودية - الأفريقية تدفع في خدمة رؤية اقتصاد الابتكار السعودي 2030 التي يرسم آفاقها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد؛ إذ تعطي فرصاً ذهبية للاقتصاد السعودي للنمو والازدهار، بأفكار من خارج الصندوق التقليدي لريع النفط، الذي عرفه اقتصاد المملكة منذ ظهوره وحتى الساعة.
هذه الرؤية تتعزز وتضحى أملاً كبيراً وخلاقاً إذا قدر للأفارقة بدورهم التفكير والتنظير للتكامل الاقتصادي الأفريقي؛ أي بلورة اقتصاد أفريقي موحد، وذلك لأن هذا التخطيط هو وحده الذي يتيح للدول الأفريقية أن تخرج من كل سيطرة أجنبية، مما يستدعي تذكر ما قاله الزعيم الغاني الدكتور كوامي نكروما؛ أول رئيس لغانا المستقلة وواحد من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية قبل إسدال الستار عليها في يوليو (تموز) 2002: «على الأساس القاري وحده نملك إمكانية وضع خطة من أجل الاستخدام السليم لمواردنا وتكريسها لازدهار قارتنا».
على أن الدعوة للقمة السعودية - الأفريقية تحمل بعداً قد يغيب عن ناظريْ كثيرين، ويتصل بالأمن القومي للمملكة من ناحية؛ ولدول الخليج وبقية العالم العربي من ناحية ثانية.
المسألة تتعلق بالإرهاب والعنف والتطرف الذي بات يجد له حواضن فكرية وبشرية في الداخل الأفريقي، مستغلاً الحاجة المادية والفقر المدقع في بعض الأرجاء الأفريقية، لتجنيد عناصر بشرية، وما نشاهده في ليبيا تحديداً، ومقدرة «داعش» على اكتساب عناصر جديدة له ولو في سياق الارتزاق لا القناعات الآيديولوجية، دليل على ذلك، عطفاً على أن التحذيرات الآن هي من هروب المنكسرين من الدواعش في سوريا والعراق إلى أفريقيا، وهؤلاء حكماً سيكونون وبالاً على القارة وجيرانها على الجانب الآخر للبحر الأحمر.
الإشكالية الأخرى التي تكسب دعوة الملك سلمان أهمية فائقة هي المحاولات الإيرانية الساعية حثيثاً في طريقين؛ الأول نشر التشيع في دول القارة الأفريقية، وبالتأكيد من خلال الإغراءات المالية، الأمر الذي رصدته الأجهزة الاستخباراتية الغربية مراراً وتكراراً.
والثاني تجييش العاطلين عن العمل من الأفارقة ضمن صفوف الميليشيات الشيعية الإيرانية المقاتلة بوصفهم وكلاء لطهران حول العالم العربي عامة؛ والخليجي خاصة، وما نراه من عناصر أفريقية في اليمن تقاتل بجانب الحوثيين يؤكد على ما نقول به.
التعاون الأفريقي - العربي وتفعيله عبر القمة السعودية المرتقبة، رؤية استشرافية اقتصادية وأمنية تقدمية ينبغي تزخيمها، ودفعها في طريق النجاحات، لما لها من تداعيات وتبعات إيجابية على المنطقة وسكانها، من دون تأخير أو تقصير.