جريدة الجرائد

عن الحج واختطاف السياسة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي سعد الموسى   

يقول لي مذيع هيئة الإذاعة البريطانية: لماذا لا تسمح السلطات السعودية، وفي مثل هذا الزمن بالتحديد ولو حتى بالحد الأدنى من التعبير السياسي الذي لا يتجاوز الخطبة القصيرة في تجمعات محدودة؟ والجواب المباشر الذي سيغني عن أي قول أو تبرير أن الله سبحانه وتعالى وهو المشرع الأعلى الأعلم قد فصل في هذا الأمر بآية واضحة لا تحتمل حتى المسافة ما بين التأويل والتفسير «فلا رفث ولا وفسوق ولا جدال في الحج». لكنني أعرف مسبقاً أن قادة السياسة البغيضة لن يقتنعوا بهذه الآية لأن الحج لديهم فرصة فريدة لسوق الشعارات وحراج الأدلجة.
قلت له: أتذكر في بدايات قراءاتي أنني تصفحت الكتاب المعجم «الأديان والمذاهب المعاصرة». ما يقرب من 600 صفحة، وكل صفحة واحدة تتحدث عن فصيل انشق من طائفة ولدت من رحم مذهب. كل الأديان السماوية، مع تقادم الزمن تجنح إلى الانقسام، والقسمة فيها تذهب أيضاً إلى الانشطار، وكل أناس بما لديهم فرحون. هذه هي حقيقة التاريخ، فكيف تسمح لهذا الانفجار الديني الجنوني أن يرفع شعاراته ويروج لمطامعه السياسية في اجتماع مليونين وثلاثمائة ألف حاج في ظرف ثلاثة أيام وفي حدود ثلاثة كيلومترات مربعة؟ لو أن السلطات السعودية سمحت ولو حتى بالحد الأدنى من التعبير السياسي، كما تقول في السؤال، لكان ركن الحج الأعظم بؤرة أعظم اختلاف وفرقة بين المسلمين، بدلاً من أن يكون أروع مشهد وحدة ومساواة، كما يبدون في صعيد عرفات وكلهم باللون الأبيض. لو أنها سمحت بمثل هذا لكان الحج ذروة التمهيد للمذبحة. ذلك ما أدركه ويعلمه المشرع سبحانه، ولهذا أنزل التشريع الحاسم، فما هو الجدال إن لم يكن اختلاف العقائد وتوظيفها من أجل السياسة؟
يعود لي في السؤال الثاني: ولماذا لا يسمح مثلاً ولو بخطبة واحدة تمثل المذهبين الأكبر؟ وهنا سننتهي إلى مجرد خطبتين من أجل امتصاص الاحتقان؟ والجواب أننا لا نعلم عن الحج سوى خطبة الوداع القديمة الواحدة. ثم أن هذا جهل بخريطة الانقسام المخيفة. وخذ بالمثال أن الإثني عشرية، التي نظن أنها قوام الشيعة، في حروب خفية ومعلنة مع الزيدية والإسماعيلية. السنة أيضاً لا ترى بصواب مسالك الصوفية دون أن تعلم أنها مكون هائل يكتسح خريطتها الواسعة. نحن أمة منقسمة على تفاصيل الركن الأول، وجواز جمع الصلاة، وطريقة الزكاة ما بين الخمس وربع العشر، وعلى بدء رمضان وانتهائه، ولكننا نمارس هذه الانقسامات على مسافة الكرة الأرضية. الحج هو الركن الوحيد في بضعة كيلومترات محدودة ضيقة.

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف