جريدة الجرائد

الإصلاح يبدأ من الخارج

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 توفيق السيف

 

قدم الفيلسوف المعاصر توماس كون، مجادلة متينة حول تخالف الأنساق الاجتماعية والعوامل التي تقدم بعضها وتهمش الآخر. وهو يقول في كتابه «بنية الثورات العلمية» إن نظريته قادرة على تفسير الانقلابات الكبرى في مجال العلوم الطبيعية. لكنها لا تنطبق بشكل دقيق على التحولات المماثلة في العلوم الإنسانية. لكني توصلت في دراسة سابقة إلى أن فكرة الانقلاب النسقي، قابلة للتطبيق في مجال العلم كما في مجال السياسة، مع بعض التعديلات.


في رأيي، إن بذور التحولات الاجتماعية المفاجئة تكمن في الأسئلة والتحديات الثقافية المقبلة من خارج النسق المهيمن. أستعيد هنا مجادلة مطولة للمرحوم هاني فحص فحواها أن الإصلاح الديني الجذري، لن يأتي من داخل المجتمع الديني. هذا يقترب كثيراً من رؤية توماس كون، وفحواها أن كل نسق ينتج في داخله أدوات إصلاح جزئي، دورها الرئيسي هو مقاومة التحولات الجذرية.
فيما يخص دعوة إصلاح الخطاب الديني، التي تشهد صعوداً ملحوظاً في هذه الأيام، فالواضح أنها لا تأتي من جانب النخبة الحارسة للنسق الديني الموروث. بل لا نغالي لو قلنا إنها تتعارض حدياً مع طروحاتهم. هذا لا يقلل مع قيمة المبادرات الإصلاحية في داخل النخبة الدينية التقليدية. لكن يجب القول إن غالب هذه المبادرات يأتي رداً على تحدي الرؤى الناقدة للنسق المهيمن، انطلاقاً من فرضيات نقيضة له.
عدت هذه الأيام لمراجعة أعمال اثنين من أبرز الإصلاحيين في النسق التقليدي، هما محمد باقر الصدر ومرتضى مطهري، بحثاً عن المنهج الذي افترضت أنهما اتبعاه في محاولتهما تقديم بدائل عن الرؤية التقليدية. ركزت اهتمامي على كتاب «اقتصادنا» للصدر و«العدل الإلهي» لمطهري، وهما يشكلان واسطة العقد في التنظير الفلسفي للرجلين. النتيجة التي خرجت بها، تطابق تماماً ما زعمته في السطور السالفة. فالآراء التي يمكن اعتبارها أكثر تقدمية، جاءت في سياق محاججة الانتقادات الآتية من خارج النسق، لا سيما فيما يخص مسألة المساواة والعدالة الاجتماعية.
ما زال النتاج الفكري للصدر ومطهري يحظى بكثير من التقدير. وهما بالتأكيد يستحقانه. لكن بالنظر إلى التحولات الراهنة، فإن التفكير الإسلامي قد تجاوز النتائج التي توصلا إليها. وإنما ذكرتهما دليلاً على الأهمية الكبرى للرؤية من خارج النسق، في بعث الأسئلة وتحديد اتجاهات النقاش، وصولاً إلى إطلاق عملية التجديد الفكري.
ولمناسبة الحديث عن الصدر ومطهري، يحسن القول إن أهم أعمالهما جاءت في سياق مجادلة الطرح الماركسي للعدالة الاجتماعية. وهي مسألة تشكل حتى اليوم، تحدياً رئيسياً. رغم أن إطار النقاش فيها قد تغير. حيث باتت جزءاً من جدل أوسع، يتناول مكانة العامة في إنتاج وإعادة إنتاج التجربة الدينية والخطاب الديني، والتناسب بين مرجعية النص والعقل في التشريع، وقضايا مثل موقع غير المسلمين وغير المؤمنين في الخطاب الديني.
هذه أمثلة عن مسائل ما كانت ستثير اهتمامنا لولا التحدي الخارجي. إن السبب في بروزها هو عجز الخطاب التقليدي عن معالجتها باجتهادات متينة من داخل نسقه الخاص، وتوفر معالجات مقترحة من أنساق بديلة، بعضها مؤسس على أرضية دينية وبعضها من خارج الإطار الديني.
هذه وأمثالها تخبرنا أن قابلية المجتمع المسلم لإطلاق حركة تجديد، رهن بمدى انفتاحه على الآراء المقبلة من خارج نسقه الخاص، ليس فقط في إثارة الأسئلة، بل أيضاً في تحديد زوايا النظر ومنهج المعالجة والاجتهاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف