من أخطأ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمير عطا الله
ترك عبد المجيد فريد، سكرتير الرئيس عبد الناصر لسنوات طويلة، كتاباً وثائقياً ضم محاضر «السنوات الأخيرة»، شملت نصوص القمم العربية بعد حرب 1967، ومحادثات القيادة المصرية مع القيادة السوفياتية في القاهرة وفي موسكو. المؤسف أنني لا أملك سوى النسخة الإنجليزية، التي تغيب عنها بالضرورة بعض المناخات والدلالات التي ترد في العامية.
لا يزال الجدل دائراً حتى اليوم حول الدور السوفياتي في حماية مصر والأنظمة التقدمية العربية: هل أخفقوا؟ هل تردّدوا؟ هل خذلوا؟ سوف تجد الجواب، أو بعضه، في تلك الحوارات بعد مضي نصف قرن: دولة مهزومة مستعجلة على رفع المهانة عنها، ودولة كبرى، صادقة كلياً في دعم مصر والدول المستضعفة، لكنها تنظر إلى كل شيء نظرة أرقام ووقائع: هي من يعرف الفوارق بين طائراتها الميغ والميراج الفرنسية التي تملكها إسرائيل.
من أجل وضوح أكثر، استدعى الزعيم بريجنيف، وزير الدفاع غرينشكو لكي يقدم المقارنات الإحصائية بين قوة إسرائيل والقوى العربية مجتمعة. المهم استعادة الأرض، قال بريجنيف، وهذه عملية طويلة. ولن يكون في إمكان مصر شن هجوم فعال قبل عامين من التدريب ووصول الأسلحة الكافية على أنواعها.
لذلك، شدد رئيس الوزراء كوسيغين على الاعتماد على قرار دولي، لكن الفريق المصري شكك في ذلك. وأوفدت أول قمة عربية إلى موسكو بعد النكسة، الرئيس الجزائري هواري بومدين، والعراقي عبد الرحمن عارف. ودار حوار حاد بين بومدين وبريجنيف. وفي اعتقادي، أن بومدين كان في تلك المرحلة مزهواً بانتصار حرب التحرير الجزائرية، وأراد أن يطبق أسلوبها في الحرب مع إسرائيل. وكان يركز على أن العدو أيضاً هو أميركا والإمبرياليون الآخرون، لكن بريجنيف وكوسيغين كانا يفضلان الدبلوماسية أولاً. وقال بريجنيف لبومدين غاضباً: «إذا حللنا آراءك جيداً، سوف نجد أنها إما راديكالية جداً، أو أنها تقود إلى هزيمة جديدة».
وكشف كوسيغين أن موسكو تعرف ماذا يدور في الشارع العربي، فقال: «إننا نتهم بالخوف والجبن». وحاول تهدئة الحدة بين بريجنيف وبومدين، فقال للأخير: «إذا أردتم أن تضربوا إسرائيل، فإننا إلى جانبكم، لكن الظروف الحالية غير مواتية».
بعد 50 عاماً يجب أن تقرأ وثائق تلك المرحلة بعقل هادئ. فريق ملهوف على قضيته، وفريق مسؤول عن قضايا العالم. الروسي لا يريد حريقاً يشعل العالم، والعرب يريدون للعالم أن ينسى انكسارهم.