«الهند معلِّمة العالم».. مَن يكسب ودها؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا يعرف العالم مناطق أشعّت منها دعوات دينية توحيدية سوى الجزيرة العربية، بدءاً بنبي الله إبراهيم، وانتهاءً برسول الله، محمد بن عبد الله عليهما السلام. مع إبراهيم بدأ الإسلام، ومع محمد اكتمل، وبينهما برزت دعوات دينية حملها رسل وأنبياء كان منهم عيسى، عليه السلام، صاحب الرسالة الإيمانية الأوسع انتشاراً اليوم في العالم، وهي المسيحية.
لكن ماذا عن المناطق الأخرى في العالم؟ تُعتبر الهند المنطقة التي أنارت القارة الآسيوية من المحيط الباسيفيكي في الشرق حتى بحر العرب غرباً بدعوات دينية واسعة: الهندوسية، والبوذية، والسيخية، والجينية.
في القرن السابع، توجّه أحد الرهبان الصينيين، وكان يُدعى &"شوان رانغ&"، إلى الهند، بحثاً عن نصوص بوذية لدراستها. ولما عاد إلى بلاده حمل معه الإيمان البوذي والمدرسة البوذية في العبادة. ومن هناك انتقلت هذه المدرسة إلى اليابان غرباً، وإلى كوريا جنوباً، حتى عمّت شرق آسيا.
وفي عام 1879 زار الهند رئيس تحرير صحيفة &"الديلي تلغراف&" الإنجليزية، &"أدوين أرنولد&"، (وكان شاعراً يجيد 19 لغة)، وتوّج زيارته الروحانية بكتابة قصيدة عن المعتقدات الروحانية في الهند تقع في 5300 بيت من الشعر. وألقى في تلك القصيدة أضواء ساطعة على التعاليم الروحانية، وحياة بوذا وتعاليمه، وحياة الرهبان في صوامعهم المنعزلة عن العالم. وتقول الإحصاءات إن المليون نسخة من الكتاب -القصيدة فُقدت في وقت قصير، وكان عنوانه &"نور آسيا&"، وهو النور الذي تحرص الهند اليوم على استمرار إشعاعه. ومن أجل ذلك يؤكد رئيس وزرائها ناريندرا مودي تمسّكه بلقب &"الهند معلّمة العالم&". فمنذ ما يزيد على خمسة آلاف عام يتجمّع سنوياً في &"فاراناسي&"، المواقع الأكثر قدسيةً لدى الهندوس، مئات الآلاف من المؤمنين، حيث يمارسون طقوس العبادة معاً، مردّدين جماعياً عبارات الحب والخضوع لربّ الكون.
لكن معلّمة العالم بالأمس تعلّمت من العالم اليوم كيف ترسل صاروخاً إلى القمر، وكيف تصنع قنبلة نووية، وكيف تحوّل مجتمعها من مجتمع زراعي تقليدي إلى مجتمع إلكتروني عصري حديث ومتقدّم. فالهند اليوم لم تعد تصدّر التعاليم الهندوسية الروحانية فقط، ولكنها تصدّر كذلك المنتجات الإلكترونية الحديثة.
ومن أجل ذلك لم تعد صورة الهند تتمثل في الرهبان &"الدراويش&" ذوي الملابس الخفيفة، ولكنها تتمثل في علماء الكمبيوتر والذرّة والفضاء، دون أن يعني ذلك أن رهبانها تخلّوا عن روحانياتهم الهندوسية العميقة.
في عام 1934 صدر كتاب حول أصول ومعاني العبادات في الهند للكاتب البريطاني &"بول برونتون&"، عنوانه &"البحث في سرّ الهند&". وما يزال هذا الكتاب يُطبع من جديد كل ثلاث أو أربع سنوات، لكن لم يُترجم هذا الكتاب (ولا حتى كتاب قصيدة الشعر للسير أدوين أرنولد) إلى اللغة العربية. ورغم تداخل الحضارتين الإسلامية والهندية إلى حد التكامل في القارة الآسيوية (أخذ العرب عن الهند مثلاً الأرقام الحسابية)، فإن جسور المعرفة بينهما تحتاج إلى الترميم وإعادة البناء. ومن هنا أهمية الجسر الحضاري الذي تعمل دولة الإمارات على إقامته بين العالمين العربي والهندي. فالهند اليوم هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان (1,2 مليار نسمة)، وقد تقدّمت في ذلك على الصين، ويتزاحم على كسب ودّها الشرق والغرب.
في عام 1893، وانطلاقاً من الإيمان بأن الهند هي معلّمة العالم، أطلق أحد كبار رهبانها، واسمه &"سوامي فينيفيكانندا&"، الدعوةَ لإنشاء أول برلمان للأديان في العالم، وذلك على قاعدة قبول الآخر المختلف، والتعايش معه بحبّ واحترام. وتحوّلت دعوته إلى مؤسسة دولية بحيث يُعقد مؤتمر دولي تتمثل فيه الأديان كلها للبحث في القيم المشتركة، وفي كيفية بناء جسور التعاون والمودة. ويتماهى ذلك مع &"وثيقة الأخوّة الإنسانية&" التي وقّعها في أبوظبي بابا الفاتيكان فرنسيس، وإمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب.. فالإنسانية واحدة وإن تعدّدت عقائدها وثقافاتها.