قصف انتخابي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
القصف الأمريكي البريطاني لجماعة الحوثيين في اليمن هو أقرب إلى القصف الانتخابي.
كان المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون واضحين تماماً لدى الإعلان عن قصف مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن. بالتأكيد أن ذلك تصرف من جانب البلدين وليس من تحالف حماية التجارة الدولية في البحر الأحمر الذي يضم عشر دول أخرى إلى جانب البلدين. ورغم أن أستراليا، وربما غيرها، أعلنت أنها قدمت دعماً للأمريكيين في عملهم العسكري، فجر الجمعة وفجر السبت، فإن أستراليا التي تشارك في تحالف البحر الأحمر لا تملك أصلاً أي قطع أسطول في المنطقة.
أهمية هذا التوضيح أن قرار مجلس الأمن قبل القصف بيومين لم يمنح التحالف تفويضاً للعمل العسكري ضد الحوثيين أو اليمن، رغم إدانة هجمات الحوثيين على التجارة العالمية والمطالبة بوقف التهديدات للملاحة الدولية عبر البحر الأحمر.
بغض النظر عن مدى تأثير قصف عشرات الأهداف في أكثر من موقع بصنعاء والحديدة وغيرها، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالقدرات العسكرية للحوثيين، فإن ذلك القصف ربما لا يوقف التهديدات للملاحة البحرية عبر باب المندب. وهو ما جعل أغلب شركات الشحن البحري تحوّل سفنها وناقلاتها بالفعل بعيداً عن المنطقة.
هناك من يرى أن التصعيد الأخير جاء رداً على استهداف الحوثيين إحدى السفن الأمريكية بصاروخ رداً على مقتل عناصرهم في الزوارق التي كانت تحاول مهاجمة إحدى سفن الشحن. لكن الربط الأهم ربما يكون بين القصف الأمريكي/البريطاني وبين سيطرة الإيرانيين على ناقلة نفط تحمل خاماً عراقياً في خليج عمان. واعتبر التصرف الإيراني رداً على سيطرة القوات الأمريكية في المنطقة على الناقلة نفسها العام الماضي باعتبارها تحمل نفطاً إيرانياً خاضعاً للعقوبات.
الأرجح أن القصف الأمريكي البريطاني للحوثيين في اليمن يستهدف بالأساس توجيه رسالة قوية لإيران كي لا تستمر في العمل على توسيع الصراع في الشرق الأوسط بعيداً عن بؤرته المشتعلة في الحرب الإسرائيلية على غزة. وسواء كان لذلك القصف على مواقع الحوثيين في اليمن نتيجة مباشرة بردع إيران أو الجماعات التابعة لها، فإنه في النهاية عملياً يعد توسيعاً للصراع.
كل تلك التفسيرات والتحليلات تبدو منطقية تماماً، ولا غبار عليها. إلا أن هناك تفسيراً مهماً جداً لا يجب إغفاله حتى مع التسليم بدعم أمريكا وبريطانيا لإسرائيل. ذلك أن هذا العام هو عام انتخابات في الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي ظل عدم قدرة إدارة البلدين على إقناع الناخبين بتحسن في أحوالهم المعيشية، فهناك حاجة إلى إظهار القوة والعزم وتحقيق انتصارات خارجية، علها تضمن مزيداً من الأصوات لكل من المحافظين في بريطانيا والديمقراطيين في الولايات المتحدة. ولنترك بريطانيا جانباً، لأنها غالباً ما تُزايد على المواقف الأمريكية، كما كان يفعل بوريس جونسون في بداية حرب أوكرانيا. إنما الأهم هو وضع الإدارة الديمقراطية الحالية في أمريكا، والتي يمكن ببساطة القول بأن عملياتها ضد الحوثيين في اليمن هي أقرب إلى القصف الانتخابي.
يعلم الأمريكيون، من خلال شواهد الفترة الماضية، أن قصف إحدى أذرع إيران في المنطقة لن يكون له أي رد فعل مؤثر. وفي الوقت نفسه تكسب الإدارة دعم أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة، باعتبارها تقصف نيابة عنها من يهددون مصالحها.