قد يتوقف القتال... وتستمر الحرب!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حروب الفلسطينيين مع الإسرائيليين، سجلت حقيقة ثابتة - وهي أنَّ القتال يتوقَّف لفترات طويلة أحياناً... إلا أنَّه يعود ثانية ولكن بوتائر مختلفة.
في عام 67 وفي أيام معدودات احتلت جيوش إسرائيل مساحات واسعة من الأراضي المصرية والسورية والفلسطينية، وأيامها بلغت نشوة النصر الإسرائيلي حد الإفراط؛ إذ قال موشيه ديان، الذي يعدّ وربما حتى الآن أيقونة: &"الجيش الذي لا يقهر&"، بأنه ينتظر بجوار الهاتف ليسمع صوت عبد الناصر مستسلماً، وحين سُئل عن المقاومة الفلسطينية في حينه قال: &"إنها كالبيضة في يدي أسحقها وقتما أشاء&".
لم يستسلم ناصر... والمقاومة التي وصفها ديان بالبيضة أذلّت جيشه بعمليات داخل الضفة وغزة، وهزمته في أول معركة مواجهة بعد هزيمة 67 في الكرامة، التي سطّر فيها الجيش الأردني والفدائيون الفلسطينيون أنجح عملية مشتركة في مواجهة &"الجيش الذي لا يقهر&". منذ ذلك الوقت وقد مرّت عليه عقود، وُلدت نظرية... يتوقف القتال، ولكن الحرب تستمر.
ومنذ تلك الأيام وقعت معارك كثيرة غطت جغرافية المواجهة مع إسرائيل، من الكرامة حتى غزة، ومن جنوب لبنان إلى باب المندب.
في هذه الأيام... يجري الحديث عن المرحلة الثالثة للحرب على غزة، التي تَعِدُ فيها إسرائيل المعلم الأميركي بأنها ستعمل بنصيحته، أي أن تسحب قوات من غزة تحت عنوان الاستبدال والراحة وإعادة التدريب، وتخفف القصف على المدن والمخيمات، وتخفض منسوب الدم من أجساد الأطفال والمدنيين، وكذلك لخلق ظروف مواتية لفتح مفاوضات مع &"حماس&" لتبادل الأسرى.
الحديث عن هذه المرحلة بدأ أميركياً منذ اليوم الأول، أي قبل مائة يوم ويومين، وها هو يبدأ إسرائيلياً بعد أن اعترفت بفشلها في تحقيق أهدافها، وسواء بدأت المرحلة الثالثة وفق المفهوم الأميركي أو الإسرائيلي، فإن أم الحقائق تقول إن القتال قد ينخفض والانسحابات العسكرية قد تتواصل، إلا أن الحرب سوف تستمر، ودعونا نلقِ نظرة على جغرافية الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية التي تبدأ من رفح جنوباً إلى جنين شمالاً، حيث الضفة والقدس... ما الذي يحدث؟
إذا كانت حرب غزة تقع بالجملة، فحرب الضفة بالتقسيط...
على أرض غزة أكثر من ربع مليون جندي ومعهم كل آليات وطائرات وبوارج الجيش الإسرائيلي، وذلك أقل بكثير مما في الضفة، صحيح توجد آليات أقل، لكن عدد الجيش وقوات الأمن والمستوطنين المستنفرين على الدوام والمسلحين حتى الأسنان يعملون في الضفة، ومهمتهم أن يحولوا الضفة العامرة والمزدهرة بهمة أهلها مكاناً لا يصلح العيش فيه.
ومثلما اعترف كثيرون في إسرائيل بأن الأهداف في غزة لم تتحقق رغم كل ما جُنّد من أجلها، فهم يعترفون بأن ما يريدونه من الضفة لن يتحقق.
ستظل الضفة العنيدة عصية على الاحتواء، وستظل توأم غزة، ولا انفصال بينهما ومثلما يحدث دائماً يتوقف القتال بمختلف وتائره، ولكن الحرب تستمر.
إلى متى؟ الجواب معروف لإسرائيل والعالم كله. جواب من جملة قصيرة هي الأكثر صدقية وبلاغة: إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية على كل الأرض التي احتُلت في عام 67 وتكون القدس الشرقية عاصمة لها.
وإلى أن تُحل قضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.
وإلى أن تُحل جميع قضايا الوضع الدائم، التي تهمنا وتهم أشقاءنا العرب.
في هذه الحالة تنتهي الحرب.
هل هذا قريب أم بعيد؟... ليس بمقدور أحد أن يحدّد بدقة، ولكن بمقدور الفلسطينيين مواصلة قرار المواجهة دون كلل أو ملل.
يتحدَّث العالم وأميركا على وجه الخصوص، بأن أول عمل ينبغي أن يتم بعد انتهاء هذه الجولة من الحرب، هو الذهاب إلى الحل الجذري للأسباب التي أدت إلى اندلاعها... ذلك بالعمل على إنجاز حل الدولتين الذي يفهمه الفلسطينيون على أنه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على جميع الأراضي التي احتُلت في عام 67، وعاصمتها القدس الشرقية، فهل يتطابق الفهم الأميركي مع الفهم الفلسطيني لحل الدولتين؟
لا أُخفي شكوكي حول نوايا الأميركيين الذين يرجّحون رغبات إسرائيل ومطامعها على حقوق الفلسطينيين وآمالهم، إلا أن هذا ما سيكون مجال المعارك السياسية، وإن أحسنا - فلسطينيين وعرباً ومن معنا من الدول الصديقة - استخدام أوراقنا فسيكون الوضع أفضل بكثير مما كان.