جريدة الجرائد

حوار حول العمارة في الحضارة الإسلامية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الجدل الذي دار في الندوة التي نظمها مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية يوم الثلاثاء الفائت حول مصطلح "العمارة الإسلامية" تركز حول الإشكالية العميقة الذي يعكسها هذا المصطلح كونه مصطلحا استشرافيا، وفي نفس الوقت يختزل الزمن، أي أنه يفتقر للبعد الزمني الذي يعبر عن التطورات الكبيرة التي مرت بها العمارة في الثقافات الإسلامية المختلفة حسب تواجدها الزمني، ومع ذلك يجب أن نشير إلى أن مصطلح "العمارة الإسلامية" اكتسب حضورا كبيرا سواء في أدبيات البحث المعماري أو حتى على مستوى الممارسة المعمارية في الأربعة عقود الأخيرة، يؤكد الأستاذ في جامعة الـ MIT الدكتور ناصر الرياط أنه من الأفضل أن نستمر في استخدام هذا المصطلح بدلا من البدء من جديد في بناء مصطلح مختلف، رأي الرباط مبني على أنه من الصعوبة أن نبدأ من لا شيء، ويرى التوسع في تطوير المصطلح وإكسابه معاني جديدة تتلافي الجوانب السلبية لعبارة العمارة الإسلامية بشكل عام، ومع ذلك لا نستطيع أن ننفي أن عبارة "الإسلامية" تحمل بعدا عاطفيا استغله من قدم المصطلح في البداية من أجل تسويقه وإكسابه قيمة خصوصا في العالم الإسلامي.

يظهر البعد العاطفي في المحاضرة الأولى التي قدمتها "ديانا دارك" حول كتابها "السرقة من المسلمين (الساراسن): كيف شكلت العمارة الإسلامية أوربا"، وتمثلت العاطفة في كون الكتاب يدغدغ مشاعر المسلمين ويحاول أن يعطيهم حضورا وتأثيرا تاريخيا في العمارة، ورغم أنني على قناعة أن العمارة في الحضارة الإسلامية تركت أثرا كبيرا على عمارة أوروبا وغيرها إلا أن منهج الكتاب كان مبنيا على المشاهدات الظاهرية ويفسر "الظاهر" بالظاهر ولا يبحث في أصول الأشكال ومن أين أتت تلك الأشكال وماهية مصادرها. الكتاب واجه نقدا واسعا في أوساط البحث المعماري الأوروبي، ليس لكونه يقول إن المسلمين تركوا أثرا في أوروبا (وهذا متوقع) بل لأن الكتاب لم يتتبع آلية التأثير والتأثر ولم يغص عميقا في بناء دعوى علمية مقنعة تنتهج التسلسل التاريخي لمصادر الأشكال وتطورها، في اعتقادنا أن الرغبة في التشبث بأي شيء يعطي المسلمين دورا في بناء الحضارة الإنسانية جعل هذا الكتاب ينتشر بسرعة فقد تم ترجمته مباشرة بعد صدوره باللغة الإنجليزية على عكس كثير من الكتب المهمة في مجال العمارة التي لم يتم نقلها أو حتى التفكير في نقلها إلى العربية.

لا نستطيع أن نفصل بين شيوع مصطلح العمارة الإسلامية وشيوع الدراسات غير الناضجة حول هذه العمارة وكأن المصطلح نفسه حبس جميع الأفكار التي يمكن أن تتحرر من هيمنة التاريخ في صندوق مغلق يصعب الخروج منه. مشاهداتي الشخصية على كثير من البحوث التي تناولت العمارة في الحضارة الإسلامية أنها دراسة "موجّهة" أي أن نتائجها معروفة مسبقا وأغلبها نتائج تشوبها المبالغة ومحاولة إكساب هذه العمارة هالة ليست حقيقية بل عاطفية، نشعر بهذا المد العاطفي في محاضرة الرباط، فرغم أنه قدم تصورا مغايرا حاول فيه أن يؤكد أن العمارة المحلية أو التقليدية التي هي جزء من العمارة في الحضارة الإسلامية يجب أن تكون جزءا من عملية التفكير أو يجب أن تشكل عملية التفكير، وقدم شواهد كثيرة من تجربة حسن فتحي إلى الأثر الذي تركته جائزة الأغا خان منذ تأسيسها عام 1977م، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم أن هذه العمارة أصبحت جزءا من بنية التفكير المعاصر في العالم العربي، إلا في جانبها العاطفي ومنهج القص والتلصيق الذي ميز مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

تعليق المعماري سامي الحداد على محاضرة الرباط كانت الأكثر وضوحا بأن جميع الدراسات حول العمارة التقليدية والعمارة في الحضارة الإسلامية لم تستطع أن تطور مبادئ كونية تعيد تعريف ماهية العمارة على عكس ما فعلته مثلا مدرسة "الباوهاوس" غير العقود الأولى من القرن العشرين والتي ساهمت بشكل مباشر في تطوير الطراز العالمي في العمارة الذي عمل عليه المعماريان "جروبيوس وهيتشكوك" عام 1932م. يبدو أن محاولات تقديم العمارة في الحضارة الإسلامية لم تكن مقنعة بالقدر الكافي، ونعزي الأسباب إلى تغلغل البعد العاطفي الذي يفقد أي بحث علمي ونقدي الحياد ويقوده إلى المبالغة التي تتوافق مع النتائج المسبقة والراسخة في الأذهان.

لا يزال الارتباط العاطفي بالأفكار التي تتقاطع مع البعد الديني على وجه الخصوص تقود كثير من الباحثين إلى الدوران في حلقة مفرغة، وغالبا ما يكررون خلالها أنفسهم ولا يستطيعون الخروج أبدا من الصندوق الذي حبسوا أنفسهم فيه، هذا ما لاحظته بشكل واضح عندما طرحت فكرة "التراث الموازي" فخلال السنوات القليلة الماضية كانت الأسئلة تدور حول ما هو راسخ في الأذهان وليس حول الفكرة نفسها، فكل ما يتعارض مع ما هو معروف يواجه الشك وعدم القبول. في اعتقادنا أن التوقف عند مصطلح "العمارة الإسلامية" وعدم تجاوزه سيحبسنا في "القمقم"، ولن نستطيع ابتكار أفكار جديدة تتجاوز العاطفة وتسمح لنا بالمساهمة الفعلية في الحضارة الإنسانية المعاصرة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف