جريدة الجرائد

بكركي، المقاومة والانهيار الاقتصادي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ما دام للبطريركية المارونية آراؤها المؤثرة في سائر الشؤون الوطنية، فمن حق أي كان أن يساجلها ويعارضها شرط الالتزام بحدود اللياقة والأدب. فلا يجب أن ينسى من يخاطب بكركي أنها مرجعية دينية لها مريدون وأتباع منتشرون في كل أصقاع الأرض.

فالتصدّي لمواقف بكركي بعبارات سوقية واتّهامات مرتجلة، وبالتشكيك والتخوين، أمرٌ لا يرفضه الموارنة وحسب بل هو يقابل بالاستنكار والاشمئزاز من المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء.

ساهمت بكركي مساهمة رئيسية في خلق لبنان الكبير، وسط اعتراضات عاصفة من معظم المسلمين ومن فريق من الموارنة أنفسهم، كان يؤثر العيش في كيان صغير يضمن للطائفة الاستقلال وراحة البال. ومنذ ذلك الوقت التزمت البطريركية المارونية بخط ثابت، خطّ الدفاع عن الكيان الذي ساهمت في ولادته حتى ولو اصطدمت ببعض زعماء الطائفة المارونية، عندما يتّبعون سياسات تهدّد وحدة الكيان.

لذلك، فليس غريبا أن يواجه الصرح البطريركي الأخطار الوطنية التي تفاقمت في العقود الأخيرة، وأهمّها قيام دولتين وسلطتين وجيشين على أرض لبنان.

يشبه الوضع الأمني في لبنان في بعض وجوهه الأوضاع القائمة في السودان، حيث تتقاسم العاصمة والعديد من المدن والأقاليم قوّتان مسلّحتان تسليحا كاملا هي القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع تحتَ قيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.

وإذا كان وجه الشبه بين النموذجين اللبناني والسوداني ينحصر في تقاسم الأرض نفسها بين قوّتين عسكريتين كبيرتين، جيش شرعي وآخر غير شرعي، فالحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه على أن اختلاف النموذج اللبناني عن النموذج السوداني قد حال حتى الآن دون انفجار الصراع المسلّح بين الجيشين "المتساكنين" في بيروت والجنوب وباقي المناطق اللبنانية. أوّل أشكال الاختلاف وأبرزها هو أن جيش حميدتي وجيش البرهان في السودان يتنافسان على السلطة، فيما لا يقوم هذا التنافس، حاليا، بين الجيش اللبناني وجيش حزب الله.

الحكمة والرويّة تسيطران على العلاقة بين الدولة وحزب الله في لبنان ممّا حال دون انزلاق البلاد إلى الحرب الأهلية. هذا واضح ومحسوم، لكن غير المحسوم هي الإجابة على السؤال التالي: هل وجود حزب الله كقوّة عسكرية رديفة تتقاسم السلطة مع الدولة الدستورية هو المسؤول انهيار الدولة وزوال سلطة القانون ووقوعها ضحيّة الفوضى والفساد؟ هل تعدّد السلطات ومراكز القوّة والقرار هو الذي أدّى إلى سقوط الاقتصاد اللبناني وانهيار النظام المصرفي والمالي وسقوط المجتمع إلى هاوية البؤس والفقر على نحو لا سابق له في تاريخ لبنان؟

وجود سلطة رديفة إلى جانب السلطة الدستورية لا بدّ أن يترك آثارا مزلزلة في البلد. فهو يضعف سلطة القانون ويقوّض العملية الديمقراطية ويجعل القواعد الدستورية أدنى مرتبة من القواعد المنبثقة من سلطة الأمر الواقع. وفي جواب مباشر حول دور السلطة الرديفة في الانهيار المالي والاقتصادي فإن هذه السلطة، من حيث المبدأ، تضعف اقتصاديات البلد من خلال تكريس عزلته عن العالم وعن مصادر الرساميل والاستثمارات الخارجية، لأن هذه المصادر تفتّش في المقام الأوّل عن الاستثمار في البلدان الآمنة التي تضمن الحقوق من خلال سيادة القانون واستقلالية القضاء.

لذلك فإن وجود وهيمنة السلاح غير الشرعي، ومساكنة سلطة الأمر الواقع غير المنتخبة للسلطة المنتخبة يرسي المداميك الأولى لضعف الاقتصاد وتراجعه وعجزه عن تأمين الرفاهية للشعب ويحدّ من قدرته على تأمين الاستقرار والمساهمة البنّاءة في حياة الأجيال المقبلة.

إلا أن هذه الحقيقة تختبيء وراءها الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ اتّفاق الطائف. فالمغالاة في تحميل ازدواجية السلطة والسلاح مسؤولية الانهيار الاقتصادي في لبنان تعطي انطباعا مغلوطا حول أسباب الانهيار اللبناني الكبير.

الفساد السياسي وسوء الإدارة وانعدام الرؤيا لدى الحاكمين، والهروب من المسؤولية والمحاسبة وسيطرة المصالح السياسية على الإدارة والأمن والقضاء، ساهمت أكثر من السلاح غير الشرعي، وبما لا يقاس، في تهديم الهيكل اللبناني فوق رؤوس اللبنانيين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف