كتَّاب إيلاف

الخرافات والأساطير لدى الناس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حينما يُحبط الانسان ويتراخى عقله ولم يعد يستطيع اللحاق بأشواط التحضّر فما له سوى الإذعان لاي شيء بسيط يتخيله حلاّ وسكينة له فيأنس الركون الى الغيبيات والتخييلات المريضة غير الواقعية ملاذا وهروبا من الكدح العقلي بسبب عدم قدرته وهوانه ،لأن تلك الاستكانة لعوالم الغيب غير الواقعية توفّر الراحة الواهنة المعطلة للعقل طالما انالفكر الطامح للانجاز مغيّبٌ عنده .

هذا بالضبط مايجري عندنا نحن معشر العرب ؛ حين يلجأ العاجز الىالأساطير والخرافة والوهم بالرغم من اننا في عصر انفجار العلم وامتداده المهول ؛ فنقع في هوّة الفشل المتعدد الاشكال ؛ فشلنا في الابتكار العلمي ، فشلنا في التحضّر ، فشلنا في فهم واستيعاب وممارسة الحياة الحديثة ، فشلنا في تقديم منجز واحد للبشرية في العصر الحديث ، فشلنا في تشكيل نظام سياسي ديمقراطي ومدني ، فتراكمُ الفشل يؤدي الى نوعين من رد الفعل ؛ الأول نكوصي مهزوم يجعلنا ننغلق على أنفسنا ولا نقبل الإفصاح عن علّتنا وأخطائنا ، والثاني عنيف يجعلنا نرفض هذا العصر الحضاري الناهض كلّه ونكرهه فنفجره بوجه من يصنعه ومن يشيّد لبنة علمية للإعمار والرقي .

الناس العاجزون بصفة عامة تتجه إلى الأساطير والخرافة على انهايقين لا يجب زحزحتها من العقل لأنها توفر الراحة لهم وتُغنيهم عن الجدل والعمل والمنافسة والابتكار والإبداع ، وفيها يتمددون بجهلهم وينامون مثل المخدّرين وينعمون بسعادة تبعدهم عن التفاصيل وعن الحرج في كيفية التدبّر لتحديات كثيرة عليهم انجازها .

 يلجأ الناس إلى الأساطير لأنهم ينامون فيها على وسائد مليئة بالأحلام والأماني الكاذبة البعيدة عن الواقع ..فهي الرحم الأول الذي خرجت منه الأديان والفردوس الذي لم يطردوا منه بعدُ .

علم الأديان يُسمي هذا الارتخاء والاسترخاء بتسمية ( العَود الأبدي ) الذي يجعل من الأسطورة والخرافة بمثابة (البيت المريح ) الذي يعود له الإنسان بعد عناء التاريخ وضوضائه وعمله المضني ، وهكذا نشأ الصراع بين الأسطورة والتاريخ واختار فقهاء الأديان ومعهم العامة (العَود الأبدي ) بينما اختار المبدعون من العلماء والمفكرين والخاصة المتنورة عناء الكفاح والتقدم والمثابرة والعناء المثمر طوال مسيرة حياتهم .

عصر العلم لا يليق بالجهلة والعاجزين والواهنين عقلا وعضَلاً ولهذا هم يختارون الأساطير وأوهام السلف ويقنعون بما جاءوا به بلا تمحيص او غربلة عقلية .

عصر العلم له أهله الذين يبتكرون فيه كل يوم ابتكارات وانجازاتجديدة لإسعاد البشرية ، أما الذي يعجز عن الإبتكار فيه فيذهب الىالأسطورة لكي يرتاح من (تعقيدات ) العلم وتفاصيله التي تحتاج الإلمام العميق بكل العلوم التفصيلية التي صنعت لنا كل هذه المنجزات ، ولذلك فالنوم في عسل الخرافة والجمود أمامها أفضل وأريَحمادامت بلا مثابرة او عمل فكري مضنٍ ومتواصل .  

طفولة العقل الانساني في مراحلها الاولى وكأنها نبتة زرعت في الماضي السحيق ولا زلنا نقطف منها ثمارها المرّة ، بدأت من الاسطورة وهي النتاج العقلي المرافق للخيال في مراحل النمو الاولىللنشاط الذهني ومعظم الشعوب قطعت الحبل السري من رحم الطفولة البشرية باستثنائنا نحن العرب ، فما زلنا نستقي من أمومتنا الميتة دما ملوثا ونستشفي ببول الجَمل تماما كما كان يفعل الفرس قبلا حيث كانوا يغسلون وجوههم ببول البقر تبرّكا وطلباً للنجاة والمعافاة .

وتذكرني هذه الممارسات غير السليمة بقول ابي العلاء المعري حين كان يطيح بأي مسلك سيء وهجين ويبرز سوءاته وخطله من ايمصدرٍ أتى ومن ايّ مبعث ديني تمددَ حتى طال حاضرنا :

عجبتُ لكسرى وأشياعـهِ --- وغسـل الوجـوه ببول البقـرْ

وقول اليهـود إلهٌ يحبّ -----  رشاشَ الدماء وريـح القـثر

وقـول النصارى إله يضام ---- ويُـظـلم حيـّا ولا ينـتصر

وقوم أتوا من اقاصي البلاد -- لرمي الجمار ولثم الحجَـر

فوا عجبا من مقالاتهم ---- أيعمى عن الحـق كل البَـشَــر 

وقوله ايضا في موضع آخر :

كذب الظنّ ، لا إمام سوى العقل في صبحهِ والمساءِ

فإذا ما أطعْـتهُ جلبَ الرحمةَ عـند المسيـر والإرسـاءِ

إنما هذه المذاهبُ أسبابٌ لجَـذب الدنيا الى الرؤسـاءِ

مثل هذا العماء السائد اليوم لايستطيع مسخه سوى العلم الذي يرافق العقل وهو دور ومهام كبيرة وعظيمة لكشف الحقائق اليقينية امام هذا الكم الهائل من الجهالة والجهّال ؛ وهنا علينا ان نبدأ من الخطوة الاولى في تعليم الصغار منهجا علميا تجريبياً لتكوين قاعدة عقلية راسخة تبتعد تماما على التخريف والاذعان لما قيل سابقا وكنس الخزعبلات القديمة الاولى تماما من بيت العقل الجديد وتأثيثه مجددا من اجل خلق اجيال جديدة تقوم على عاتقها بمهمة التغيير والتجديد فقد اثبت اننا الان ننفخ في قِربة مخرومة ولا نستطيع مهما علت أصواتنا وأعمالنا ان نزيح قناعات راسخة ولو قيد أنملة الاّ بجرأة فولاذية وعقل شجاع لا يخاف العواقب وما عدا ذلك سنبقى مركونين في الصفوف الأخيرة من الأمم ونعتاش على ما يخلفوه لنا ولا نستطيع ان نخلق اجيالا مختلفة عنا في الرؤى واتساع العقل وانتاج قاعدة عريضة من النماء والتطور سواء في البناء الفوقي للفكر او البناء التحتي من عمران وصناعة وزراعة وتحقيق التقدم في مجالات العلوم كافة  والتكنولوجيا الحداثوية وتقنياتها العولمية .

وليكن شعارنا المجد للعقل والطمر للخرافة والاسطورة والأوهاموالمتخيل الهادم غير النافع للعقل فلا يقين الاّ يقين العقل المرشد المدلول بالحواس والظاهر لنا عن طريق التجريب العلمي وما سواه من يقين الجهّال الآتي عبر عصور مضت من متاهات غيبية وتناقلته العامة اقتناعا بلا تحكيم العقل ومأخوذةً به على علاّته وعواهنه الا تعطيل للفكر والانجرار نحو الميتافيريق الضار والانجرار طوعا نحو قناعات قيلت قبلا دون ان تستند الى دلالات عقلية مقنعة .

ومن العيب فعلا ان نرضخ لكل مايرد الينا ونهضمه في أذهاننا دون ان ننظر ملياً الى انتهاء صلاحيته ، فالفكر كما البضاعة المصفوفة على الرفوف لابد ان تنتهي فترة صلاحيته " الاكسباير " ولابد ان يرمى في النفايات مادام هناك منتج جديد يسوغ استخدامه واتّضح نفعه عياناً .

jawadghalom@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
المطلوب منتج
جديد -

ماذا بعد منتجات الرأسمالية والاشتراكية والعلمانية والليبرالية؟ اليس من منتجات جديدة؟

الحل واضح وصريح
فول على طول -

تحية للسيد الكاتب على هذا المقال الجميل . الحل الوحيد للقضاء على التخلف العربى والاسلامى وكما فعلت كل الدول هو : الحرية المطلقة للعبادة وأن الدين مسألة شخصية بحتة ولا دخل للدولة بها ...وكل الحق للفرد أن يؤمن بأى ديانة أو لا يؤمن اطلاقا فهذا أقدس حق للبشر . ويجب على الدولة أن تفف على مسافة متساوية من أفرادها جميعا - المؤمن والملحد وأى ديانة - وأن تفحص جميع الكتب وأولهم ما يقولون عنة " الكتب السماوية " وتتعرض للفحص والتمحيص والنقد ...وكما قال أحد الفلاسفة أن الكتاب الذى لا يفحص لا يستحق القراءة ...ولا قداسة لأى بشر مهما علا شأنهم وأولهم ما يقولون عنهم " أنبياء " فهم بشر أولا وأخيرا ...أنما سياسة الحديد والنار واكراة الناس على الدين وتقديس البشر لدرجة التألية فهذا أمر مرفوض تماما وعواقبة معروفة وهو الخلف والجمود والارهاب . انتهى .

مقال يجب أن يقرأ.
Mohamad -

بث أجدت في تقديم هذا المقال الشامل راسم الجهل المطلق والطريق للخروج من هذا الكهف المضلم الذي طال السبات فيه.أكيد الحكيم المعري قال ما كان وما نحن لم نزل فيه.

الى الفوال
تقاعد أو خفف فول -

حرية العبادة مصونة في الدول العربية عموماً، لكن اذا كان قصدك حرية عبادة الشيطان وحرية الشذوذ والتفحش ... فالعب غيرها.

الى المشعوذ اياة
فول على طول -

المشعوذ اياة يحدثنا عن حرية العبادة المكفولة فى الدول العربية ...وربما الاسلامية بالمرة ...ربنا يشفيك يا شيخ ذكى . والشيخ ذكى ينصب نفسة ومعة المشعوذين بالمرة حماة للأخلاق والدين والقيم ...ربنا يشفيكم يا شيخ قادر يا كريم . على فكرة يا شيخ ذكى من مظاهر عبادة الشيطان والشذوذ هو القتل والانتحار والنكاح بدون عدد والشذوذ فى الجنة وهى منتشرة جدا دون أن تدرى . لعلك تكون فهمت .

الأسطورة ليست خرافة
مشاكس -

عزيزي كاتب المقال لقد أكدت على انتشار ثقافة الخرافة من مجتمعاتنا العربية وضرورة استبدالها بالحقائق العلمية وطبعا هذا طرح جميل ولكن يبدو لي بان هناك خلط بين الأسطورة والخرافة فالأسطورة ثقافة قصصية مهمة في ثقافة المجمتع حيث تعطي الفرصة للخروج لعالم الخيال لمعالجة تحديات المجتمع والحديث طويل وخير من كتبت عن ثقافة الأسطورة المفكرة البريطانية كرن آرمسترونج في كتابها الأسطورة