فضاء الرأي

بـطولة ماكرون إِخراج بريجيت

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يوم إلتقى شغف التلميذ بسخاء شعور المعلّمة تحرّك جِنّ الحُب جَمراً تحت رماد التقاليد، هناك على خشبة مسرح مدرسة برفيدانس_جيزويت بمدينة آميان الفرنسيّة قفز الفتى إيمانويل فوق كل القوالب المجتمعيّة عندما همس لمعلّمته الأربعينيّة : "مهما فَعلت سوف أعود وأتزوجك "، فكانت أنذاك إرهاصات التكوين الأولى لقصّة رومانسيّة حرّكت خيال الكثيرين وصارت على كل شفة ولسان بعد عقدين من الزمان. 
فاللازمة الأشهر التي رافقت أخبار الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت ترونيو هي أنها كانت أستاذته في الأدب والمسرح وأنها تكبره ب 24 سنة، وتُجمِع التقارير على دورها الأساسي في تألّق ماكرون على الصعيدين المهني والسياسي، إذ أنها منحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة. 
كان لافتاً في الإنتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة تَعمّد إظهار الرئيس الفرنسي الشاب بصورة العاشق الولهان مُمسكاً بيد محبوبته على شاطيء البحر أو بين المُروج الريفيّة الخضراء، فليس مألوفاً أن يتّصف المصرفيين وخبراء المال _ وماكرون أحدهم _ بطيفٍ عاطفي باذخ، كما أنّ الرومانسيّة في الغالب ليست من مآثر السياسيين !. 
إذاً، لماذا ضجّ الإعلام العالمي بقصّة حب ثنائي الأليزية الجديد ؟ 
 واضح ٌ أن ما جرى هو عمليّة صناعة محترفة لنجم سياسي تتوق له فرنسا وأوروبا الهائمة على وجهها في هذه المرحلة، فماكرون إكتسح المشهد السياسي بسرعة صاروخيّة، وكان لا بدّ لهذا الزخم من وقود يٌغذّيه، وهل أصدق إنباءاً من الرومانسية على قلوب الفرنسيين والعالم أجمعين، في هذا السياق يأتي إستحضار قصّة التلميذ والمعلّمة كمادّة دسمة ووجبة شهيّة في مجتمع معروف بطقوس عشقه للنقاش والحديث ومتعة الجدل المُجّرد أثناء إحتساء قهوته الصباحيّة. 

وقد أسهب البعض على هامش هذا الحديث في تساؤلات جدليّة لا تخلو من التمييز الجّندري والطّرافه في آن، ومنها، لماذا لم يتّسع الجدل حول فارق السن بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا علماً أنه يماثل الذي بين ماكرون وزوجته ؟ وهل يُشجّع النموذج الفرنسي الجديد الرجال على الزواج بسيدات يكبرنهم سناً بردحٍ من الزمن بحثاً عن الثقة والرئاسة ؟!. 
وبعيداً عن القصّة الشخصيّة للرئيس وهي غير عاديّة وجاذبة للأقاويل وتُعتبر بذاتها مادّة خبريّة وستظل بلا شك محط رصد وإهتمام الصحافة على أشكالها، فإن الصفة المُرَكّبة الأبرز التي تجمع بين شخصيّتي ثنائي قصر الأليزيه هي "جرأة المرونة "، وهي صفة إنفتاحٍ وحداثة، مرونة في التعامل مع الحالات الغير مألوفة إجتماعياً وجرأة في تجاوز القوالب النمطية التقليدية السائدة،هذه الميزة الذاتيّة لا تبدو غريبة عن برنامج ماكرون السياسي والإقتصادي والإجتماعي، والذي وإن لم يكن طموحاً وتغييرياً إلاّ أنه تضمّن بنوداً حيويّة تساهم في تجديد الحياة العامّة ودعم فئات المجتمع وتثبيت الإنفتاح على أوروبا والعالم وتخفيض أعباء الشركات الإستثماريّة. 
الصورة الدعائيّة الورديّة التي قدّمها الإعلام لا علاقة لها بالواقع المُواكب لإنطلاقة عهد الرئيس إيمانويل ماكرون والمحكوم بالتفاؤل الحذر، ذلك لأنه مُطالب بحيويّة إستثنائيّة لا بدّ أن تظهر من خلال إنجازات سريعه في المدى المنظور، منها نجاحه في ضمان تحالفات سياسيّة قويّة وضرورة تحقيق تياره (الجمهورية إلى الأمام ) نتائج متقدّمة في الإنتخابات البرلمانية، وإتمام هذه الإستحقاقات يعتبر مؤشراً قوياً على قدرة الرئيس بالمٌضي قُدُماً في تنفيذ جزء وازن من برنامجه العام.
العيون شاخصة أيضاً إلى سيدة فرنسا الأولى والتي سيكون لها دور رسمي في الشأن العام، فهل ستنجح السيدة بريجيت ترونيو ماكرون في تخطي مطبّات الرئاسة ولعبة الأضواء وحشريّة الصحافة وألغام الشائعات، وهل سيكون زوجها "المُحب" هو الدّاعم الأوّل لها في كل الأوقات ؟. 
 
قصّة الرئيس ماكرون مع الشعب الفرنسي بدأت للتو، ولربّما من حسن حظّه أو العكس أنه جاء خلفاً لرئيس هو الأدنى شعبيّة في تاريخ فرنسا الحديث منذ تأسيس الجمهوريّة الخامسة، وبالتالي فهو مطالب ببدائل ناجحة على كل الصّعد. 
مِن سوء طالع فرنسوا أولاند الرئيس السابق أن صورته التي إنطبعت في مخيّلة الفرنسيين هي ذلك العاشق الذي يتخفّى تحت خوذة، يقود دراجة نارية تحت أجنحة الظلام مُتسللاً للقاء العشيقة، فما هي الصورة التي سيحفظها الفرنسيون عن رئيسهم الجديد ؟ 
بينما كانت فتاة المكياج تضع على وجهه البودره وتهتم بطلّته الرسمية الاولى قبيل إلقائه خطاب الفوز، بدى الرئيس الفرنسي الشاب محافظاً على جديتة ورصانته، فهل سيبقى كذلك أم يقوده مبدأ الجرأة والمرونة ذاته إلى حكاية جديدة ؟ ننتظر لنرى. 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ماكرون وبريجيت
فول على طول -

القاعدة العامة والمتعارف علية طبيا وعلميا ونفسيا أن تكون الزوجة أصغر سنا من الزوج وما عدا ذلك فهو شاذ أو خارج العرف والطب ...انتهى - يقال أن ادم خلق قبل حواء أى يكبرها فى السن وعلى هذا المنوال جرت العادة . الغير طبيعى أن تكون الزوجة أكبر سنا وبفارق ملحوظ من السنوات وهذا مثار شك فى القوى العقلية للطرفين وخاصة أنة لا توجد أسباب قهرية لفعل ذلك ....لا يوجد نقص فى الخليلات أو الزوجات أو الفتيات مما يضطر ماكرون أن يفعل ذلك . يجب الكشف على القوى العقلية لماكرون ...وأمه أي زوجته الحالية وربما من انتخبوا ماكرون أيضا . قرأت كتابا منذ أكثر من أربعين عاما غعنوانة : هؤلاء المرضى يحكمون العالم ...صدق مؤلف الكتاب . تحياتى للكاتب على عدنان عميص .

مفهوم مختلف للزواج
نزار -

مفاهيم كثيرة للزواج في فرنسا ، فالدولة لا تمانع بأي نوع من أنواع الزواج سواء زواج المثليين ، ذكور / ذكور أو إناث / إناث ، وفي مشروع ماكرون الإنتخابي بند لتشريع التلقيح الإصطناعي للأزواج النساء .... وبالتالي العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى لم تعد شرطا في الزواج في فرنسا ودول أوروبية وغربية أخرى

مقال جميل
شاعره -

أسجل إعجابي بعبارات ونمط تفكير الكاتب الخارج عن الروتين الجامد المعتاد في معظم المقالات .. تحية للسيد الكاتب ودائما لجريدة إيلاف التي تحرص على التميز في النشر

راحت السكرة وجاءت الفكرة
غسان -

منذ ثلاثة أيام إنتهت الحملة الإنتخابية والدعائية ، سنرى ما إذا كان الرئيس والسيدة الأولى سينجحون في المهمّة أم أن كل هذا البريق سيخبو ويذهب إدراج الرياح ، أعتقد أن مشكلات الواقع أكثر سطوة وأن ماكرون لن يستطيع أن يصلح ما أفسده الدهر

صعود فجائي يطرح تساؤلات
مجد القاسم -

استوقفتني طريقة عرض الكاتب وأسلوبه في المميز في الولوج إلى خلفيات الإطلالة المثيرة للجدل التي ظهر بها الرئيس الفرنسي ماكرون ، لكن ما لفتني جدا بشكل عام هو هذا الصعود الفجائي لماكرون أكثر من موضوع إرتباطه بالسيدة بريجيت ، إذ في غضون شهور أصبح رئيساً ، ما يبعث على الريبه ويطرح الكثير من التساؤلات حول سهولة التحكم بصميم النظام الإنتخابي الديمقراطي العريق في فرنسا

لماذا تستغربون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
AMIN OTHMANI -

للذين يستغربون من زواج ماكرون ببريجيت ، أقول لهم أن النبي محمد تزوج بخديجة بنت خويلد وهي أكبر منه بعشرين عاما .. هذا مسألة وإن كانت غير مألوفه فإنها موجودة وليست جديدة في كل العصور والمجتمعات ، بل قد يكون هذا النوع من الزواج هو الأنجح

فرنسا بلد الرومانسيه
ماري -

لا أحلى من الرومانسية بين المحبين ، الناس تحتاج كثيرا لأن تتحرر من سرعة إيقاع وملل الحياة الروتينيه ، بعيدا عن السياسة لا ننسى أن فرنسا بلد منشأ الحركة الرومانسيه ، ما شاهدناه بين الرئيس ماكرون وزوجته بريجيت كان جميلا....

إستهلال ولا أحلى
yasmin demashkeya -

إستهلال جميل بنكهة روائية .. " يوم إلتقى شغف التلميذ بسخاء شعور المعلّمة تحرّك جِنّ الحُب جَمراً تحت رماد التقاليد، هناك على خشبة مسرح مدرسة برفيدانس_جيزويت بمدينة آميان الفرنسيّة قفز الفتى إيمانويل فوق كل القوالب المجتمعيّة عندما همس لمعلّمته الأربعينيّة : "مهما فَعلت سوف أعود وأتزوجك " .." .. نص مشجّع

عقدة اوديب
رمسيس -

أخشى أن يكون الرئيس الفرنسى المنتخب يعانى من عقدة أوديب , يختار زوجة يرىفبها أمه لحاجته النفسية الى من تحنو عليه وتوجهه

سؤال للكاتب
كاتيا منصور -

أوجه تحية لإيلاف وللأستاذ علي عدنان عميص كاتب المقال ، يهمني أن اسأل إيلاف أو الكاتب عن ما إذا كان للكاتب كتابات منشورة في جهات أخرى أم في إيلاف فقط ؟ أرجو الإفادة إن أمكن ذلك