كتَّاب إيلاف

أريد أن أكون من "الهونزا"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لو أتيح لك ان ترتقي سفوح جبال الهملايا وتقطع مسافة (6230 ) قدما فوق سطح معمورتنا، متسلقاً قبيل ان تصل الى قممها بمسافة قليلة؛ سترى العجب العجاب عن قوم ماعاشوا حياة الحضارة ولا ناموا في أسرّتها الوثيرة ولا حتى لامستهم بأناملها الناعمة، أقوام لايتجاوز عددهم ( 35 ) الف نسمة يتّصفون بخجل نسبي امام الغرباء لكنهم كثيرو المزاح مع بني جلدتهم .

يسمونهم قبيلة " الهونزا " ويسكنون في مقاطعة نائية تسمى " غاراغورام " وهم محسوبون اداريا وإقليميا ضمن دولة الباكستان حيث يستقرون في اقصى شمال البلاد في أعالي الجبال ولا توجد بينهم وبين المدن الباكستانية اية طرق مواصلات سالكة سوى ممرات نيسمية يقطعها السابلة وبغالهم وبقية حيواناتهم مشيا على الاقدام في سفوح الجبال لكنهم يختلفون عن أقوام بلادهم في انهم يتخاطبون بلغتهم الخاصة ولايعرفها مواطنوهم من الباكستانيين، ويعيشون جنّة العزلة ؛ سعداء بوحدتهم رغم فترات الجليد والبرد التي تعتريهم وهم في الأعالي، هانئين بلا صراعات سياسية وعنف وطائفية كالتي يعانيها مواطنوهم الباكستانيون، أصحاء بلا أمراض العصر السائدة فينا مثل السكّري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب، أجسادهم خالية من رهاب السرطان وقوامهم فارع الطول وسحنتهم ناصعة البياض يمتازون بالنحافة ولن تجد بينهم بدينا مفرط السمنة وقد اطلق عليهم لقب " المجتمع الاكثر سعادة " في هذه الارض بسبب الصحة الوافرة التي يتميزون بها والعمر المديد الذي يعيشونه اذ في الاعمّ الاغلب يتخطى معدل عمر الانسان الهونزيّ الى المئة عام وقد يبلغ مابين 120--- 140 سنة، اضافة الى انهم – نساءً ورجالاً – يتميزون بالخصوبة في التناسل والإنجاب ولا ينقطع نسل الابوين حتى لو طال عمر الزوجين الى ما بعد التسعين سنة.

                             أب و ابنه من الهونزا

أما طعامهم فهو من صنع أيديهم ومن زرع سواعدهم في حقولهم التي من المحال ان يبيعوها للآخرين فمن يبع أرضه كمن يبيع نسله وفق أعرافهم وتقاليدهم ويشريون المياه النقيّة الزلال من العيون والينابيع الدافقة التي تدرّ عليهم من قمم الجبال وسفوحها مباشرةً وقبل ان تجري وتتشعب في مجرى الارض حاملة الاطيان والاوساخ والملوثات الارضية والغبار والاتربة العالقة في الهواء، وكل موائد الطعام الخاصة بهم تحوي البقوليات الطازجة والخضار التي يزرعونها بأنفسهم والفواكه التي يقطفونها وخاصة المشمش اذ يعتبرونه مادة رئيسية لابد من تناولها يوميا ويعملون على تجفيف ماتبقّى من موسمه للاستفادة منه في المواسم الاخرى حيث يعتقد بان ثمرة المشمش سواء طازجة ام جافة لها قدرات عجيبة على التصدي لأية أمراض سرطانية قد تداهم أجسادهم ؛ لهذا من المحال ان تجد فردا منهم ابتلي بهذا المرض اللعين، كما ان الأجواء العالية تتمتّع بأوكسجين نقيّ جدا وخالٍ من الملوثات الصناعية وعوادم السيارات والأتربة والغبار ومداخن المصانع .

هؤلاء معتادون على الاكل القليل بما يكفي البدن اذ يتناولون وجبتين في اليوم ومن المحال أن يأكلوا فيما بين الوجبات، تراهم يكرهون البطنة، فالبطنة تُذهب الفطنة كما تؤكد الامثال العربية السائرة وقلما يتناولون اللحوم سواء كانت حمراء او بيضاء ونادرا ماترى الدهون في موائدهم، ومعدل السعرات الحرارية التي يتناولونها تتراوح بين 1800—1900 سعرة بينما ينهم الاميركي مثلاً مايزيد على (3300 ) سعرة حرارية يوميا .

اما عن مدى اهتمامهم ومتابعتهم بما يحيطنا من احداث سياسية ومشاكل اقتصادية ونزاعات فكرية وصراعات عسكرية فانهم لايعرفون شيئا عنها ولا يريدون ان يعرفوا منغّصات الحياة والانشغال بالسياسة مما ينقص العمر ويزيد الاسقام مفضّلين ممارسة الرياضة صباحا والجري صعودا ونزولا بين السفوح طقسا يوميا لابد من ممارسته كباراً وصغاراً، وبعد انتهاء التمارين الرياضية يبدأون بعقد جلسات تأمل خاصة بهم تشبه الى حدّ كبير طقوس رياضة " اليوغا " لمدة نصف ساعة لتهدئة النفس وتغذية الأعصاب بالسكينة والراحة وزيادة قدرة العقل على التركيز لتكون اعمالهم اليومية في الكدح والنشاط الإنساني على أكمل وجه، فليس غريبا ان يؤكد أحد المهتمين الدارسين لهؤلاء القوم وهو البريطاني " روبرت ماكريسون " ان من يعيش نمط افراد " الهونزا " كفيل ان يزداد عمره بين 40—60 سنة اضافية حيث هدأة البال وراحة العقل بعيدا عن ضوضاء الحروب وهياج السياسة والسياسيين، والطعام الكافي الصحي المنتقى من جنى الأيادي الطيبة بلا أسمدة كيمياوية خضارا وفاكهة، والماء الزلال الدافق من ينابيعه البكر، والهواء الخالي من التلوث البيئي والمشبع بالاوكسجين الصافي المُعافي في القمم العليا قبل ان ينزل الى سفوح الارض ويتسرب في خناق الحضارة وملوثاتها وأدرانها التي لا تحصى .

وبسبب انعزال الهونزا عن العالم الخارجي تماما فان المنظمات والهيئات المعنية بالمعمّرين وعدد سنوات عيشهم لاتلتفت اليهم ؛ فلديهم من كبار السنّ مايفوق أعمار المسنين المعمّرين الذين نقرأ عنهم في وسائل الاعلام مثلما تتميز اليابان بكثرة معمريها الذين فاقوا المئة وعشر سنوات، فالهونزي قد يصل عمره الى مابعد المئة وثلاثين سنة وهو في صحة جيدة وبعافية تامة دون ان يُذكر إعلاميا ويعيش نسيا منسيا في مكمنه النائي في الاعالي .

أنا عن نفسي وددت وأنا اقرأ عن هؤلاء صفاتهم وطبيعة عيشهم وجمالية عزلتهم وطبيعة الوحدة المؤنسة التي يتميزون بها وتمنيت ان يقبلوني واحدا منهم لكنهم يأبون ان يضموا ايّ فرد راغب للعيش معهم ولو كان من مواطني دولتهم ويتحسسون ان ان سمات الحضارة الضارة وغير المرغوب فيها ستعمل على تلويثهم وربما تنتقل عدواها اليهم في المقبل القريب والبعيد ؛ فالباب والنافذة التي تأتيك بالريح اغلقها واسترح خاصة ان تلك الريح غالبا ماتحمل في تياراتها الكثير من عوامل التلوّث والتسمم الحضاري التي نستنشقها يوميا .

jawadghalom@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
السبب الأهم
فول على طول -

السبب الأهم فى السلام الذى يعيبشون أنهم لا يعرفون الدين الأعلى ولا يدينون بة ...نتمنى أن تبتعد عنهم كل الالهه وخاصة الة الدين الأعلى وأيضا أن يبتعد عنهم أهل السياسة ...والأمنية الأخيرة أن يعيش السيد الكاتب الاستاذ جواد غلوم بينهم وينعم معهم بالسلام والصحة .

مقال جميل
تعليقات الانعزاليين -

مقال جميل ولكنه سيثير شهية الانعزاليين الصليبيين والشعوبيين الملحدين والطائفيين الحاقدين لمهاجمة وشتم العرب والمسلمين .