أخبار

14 آذار تستعيد بيروت

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


تداعيات اغتيال الوزير بيار الجميل
14 آذار تستعيد بيروت التي كانت لها

بلال خبيز من بيروت : يبالغ بعض المراقبين في تأويل النتائج التي اسفرت عن عملية اغتيال الوزير بيار الجميل على المستوى الداخلي اللبناني. ويرى هؤلاء ان الأكثرية النيابية وقوى 14 آذار - مارس استطاعت ان تثمر هذه العملية في مصلحتها. حيث ان الوجوم الذي خيم على البلد اثر عملية الاغتيال، جعل من امر تظاهر قوى 14 آذار - مارس في بيروت امراً مفروغاً منه وغير قابل للاخذ والرد او للاعتراض عليه بوصفه من اعمال الشارع والشارع الموازي التي يتخوف منها الرئيس بري كثيراً ويواليه في ذلك معظم اللبنانيين. بل ان الحزن والغضب الذي رافق هذه العملية جعل من بعض الاعتداءات على مراكز للحزب القومي الموالي لسورية في بلدة بكفيا من قبل الجماهير الغاضبة يمر من دون ان يترك آثاراً خطيرة على الوضع القلق الذي يعيشه لبنان.

القضية في لبنان أهلية لا محلية

مجلس الوزراء اللبناني يقر المحكمة الدولية

بولتون يتهم سوريا وايران بتدبير انقلاب في لبنان

إذاً تظاهر نصف اللبنانيين في بيروت بعد اغتيال الوزير الجميل، ولم يهدد هذا التظاهر السلم الاهلي والأوضاع العامة. ويرد بعض المغالين المتحمسين لفريق 14 آذار - مارس هذا الامر إلى حضارية هذا الجمهور في مواجهة جمهور حزب الله غير الحضاري. وحيث ان غثاثة هذه الحجة لا تصمد عند اي مناقشة منصفة، فإن تردادها والتمسك بها لا يبدو من حسن الفطن.

لكن هذا كله لا يلغي حقيقة ان تظاهر حزب الله الجماهيري في بيروت والمناطق قد يهدد السلم الأهلي حقيقة. وهذا لا يتصل من اي باب بانضباط جمهوره او قلة انضباطه. بل يتصل اتصالاً وثيقاً بالديموغرافيا السياسية التي يتشكل منها البلد بعد الحرب الاهلية التي عصفت به اكثر من خمسة عشر عاماً.

والحق ان تظاهر جماهير حزب الله الشيعية في غالبيتها الساحقة في بيروت التي تتبع سياسياً وإدارياً للطائفة السنية اولاً والمسيحية الارثوذوكسية ثانياً واحتلال شوارعها وتعطيل الحياة فيها هو بالضبط ما يخشى منه اللبنانيون. فمثل هذا التظاهر يبدو احتلالاً طائفياً من قبل حزب الله وجماهيره لمنطقة لا يمكن اعتبارها من مناطق نفوذه. لهذا السبب بدا الرد العفوي المباشر الذي ردده المتظاهرون وهم يتوافدون إلى وسط بيروت في مواجهة الاحياء الشيعية من العاصمة ان "بيروت لنا اخرجوا منها". مما يعني ان تظاهر حزب الله وجماهيره في الضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية الساحقة لم يكن ليؤثر على السلم الأهلي او يصيبه بعطب من اي نوع. بل ان مد صولجان الدولة اللبنانية، او ما تبقى منها على تلك المناطق، قد يهدد السلم الأهلي. وهذا ما حدث فعلاً في حادثة الرمل العالي، وقبلها في حوادث اخرى متفرقة.

لكن حزب الله الذي يدرك جيداً ان بيروت الإدارية هي العاصمة السياسية للبنان، وان وزنها المعنوي يطاول البلد جميعاً وكلاً في آن واحد، يعرف ايضاً ان الضغط على الحكومة وعلى قوى الاكثرية لا يكون بتنظيم تظاهرات حاشدة على جسر المطار او في منطقة الغبيري الشيعية. وان تهديد بيروت هو بالضبط ما يجعل هذه القوى تذعن لمطالبه. نظراً لما تملك هذه المدينة من اهمية استثنائية ورمزية في المعادلة اللبنانية المعقدة.

والحق ان تظاهر جمهور 14 آذار - مارس في شوارع بيروت، بعيد اغتيال الوزير بيار امين الجميل، بدا في احسن احواله ليس اكثر من استعادة هذا الجمهور للعاصمة التي يعتبرها من املاكه الحصرية في السياسة والاجتماع. ولم تلبث الحوادث المتفرقة التي جرت ان اثبتت هذا التوجه، إذ سرعان ما اندلعت مناوشات على تخوم الاحياء الشيعية من بيروت، كما لو ان هذا الجمهور يريد تعيين حدود سيطرته في المناطق وإعادة احياء خطوط التماس بين الأحياء بما يتناسب مع الغلبة السنية - الارثوذوكسية على معظم احياء بيروت. وهذا الامر كان مقدراً له ان يحصل من دون ان تحصل عملية الاغتيال. إذ لم يكن في وسع حزب الله ان يستمر في السيطرة على احياء بيروت بالتظاهر الجماهيري من دون ان يتعرض لمناوشات تعيد تحديد مناطق السيطرة الاجتماعية بين جمهوره وجمهور 14 آذار - مارس على نحو دقيق ومعروف للبنانيين جميعاً.

لم يحسم فريق 14 آذار - مارس سيطرته المطلقة على بيروت في طبيعة الحال. فهذه المدينة بتشكيلاتها الاجتماعية وتعقيداتها الاقتصادية والثقافية ليست سهلة على الانقياد لأي طرف من الأطراف. لكن الأهم واأشد الحاحاً تم حسمه في تظاهرة 23 تشرين الثاني - نوفمبر. إذ اثبت هذا الجمهور انه مستعد للدفاع عن بيروت بكثافة وحماسة مما جعل حزب الله وحلفائه في موقع الدفاع عن مناطقهم المقفلة في المدينة. لكن هذا الحسم لا يعني في طبيعة الحال ان الاوراق خلطت على نحو يجعل من خسارة حزب الله محققة. بل ان حزب الله لا يزال الطرف الوحيد بين القوى المتصارعة في لبنان الذي يملك نفوذا لا راد له ولا منافس في منطقة واسعة من لبنان، يستحيل على الأطراف الأخرى اختراقها في المقبل من الايام والأسابيع والشهور.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف