من واشنطن إلى أوروبا: جورجيا وحلفاؤها المتفرجون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل جورجيا موجودة على الخرائط السياسية الغربية؟ عواصم: أوضحت الولايات المتحدة طوال سنوات بعد انهيار الإمبراطورية السوفياتية ونهاية الحرب الباردة، لكل من الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن وخلفه فلاديمير بوتين، ان واشنطن غير مهتمة في توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليشمل الجمهوريات السوفياتية السابقة. لكن تم تجاهل هذا التأكيد عندما تم التصويت لانضمام دول البلطيق الثلاث (أستونيا، لاتفيا ومولدفيا) إلى نادي الأطلسي.
ودفعت الولايات المتحدة بقوة لضم جورجيا إلى قائمة دول الناتو، ولكن أعضاء الحلف الأوروبيون دفعوا في الاتجاه المعاكس. ومؤخراً، في نيسان/أبريل الماضي في قمة حلف شمال الأطلسي في بوخارست، انقسم الحلف المؤلف من 26 دولة بعدما قدمت روسيا احتجاجاً شديد اللهجة، معتبرة ان الوعد بتوسيع عضوية الناتو لتشمل الجمهوريات المستقلة التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي هي بمثابة "خطأ استراتيجي ضخم".
والحقيقة هي انه لو كانت جورجيا حالياً عضوا في الناتو، لكانت الولايات المتحدة وكندا وأعضاء الحلف الأوروبيين في حرب مع روسيا. فالمادة الخامسة في معاهدة الناتو تؤكد ان "كل هجوم ضد أي دولة أو عدد من الدول الأعضاء يعتبر هجوماً موجهاً ضد الحلف، الذي يجب أن يتخذ كل الإجراءات التي يعتبرها ضرورية، بما فيها القوة العسكرية من أجل إعادة وضمان الأمن في منطقة الأطلسي".
يشار إلى انه إثر الهجوم الروسي على جورجيا في الأسبوع الماضي، قال الرئيس الجورجي المؤيد لأميركا ميخائيل ساكشفيلي ان موسكو ما كانت لتتجرأ بالاندفاع بقوة في أوسيتيا الجنوبية وقصف أهداف جورجية لو كان هذا البلد عضواً في الناتو. والواقع انه هذا المر ليس مؤكداً، فالناتو ما كان ليرد بأي حال. فالولايات المتحدة أعادت القوات الجورجية وعديدها 200 جندي من العراق، كما ان البيت الأبيض ملتزم بحربين تستنزفان قدراته في كل من العراق وأفغانستان، فيما لا يحق لغالبية قوات الناتو الموجودة في أفغانستان، ما عدا الكنديين والبريطانيين والهولنديين والأميركيين، القتال بأمر من برلماناتهم الوطنية.
وفي ظل وجود 19500 جندي أميركي متدرب فقط و7 طائرات حربية بطل استعمالها و100 دبابة قديمة، لم يكن أمام جورجيا الكثير لتعتمد عليه لوقف التيار الروسي. واستفاد المخططون الإستراتيجيون في موسكو من مأزق الناتو في مواجهة نكسة كبرى للمصالح الأميركية على الحدود الجورجية. وساهم الاندفاع القوي لحوالي 100 دبابة بإخراج القوات الجورجية من إقليم أوسيتيا الجنوبية المثير للجدل حيث يحمل أكثر من 70 ألف شخص جواز سفر روسياً.
وقصف الروس ميناء بوتي (وهو موقع أساسي لتأمين موارد الطاقة والنفط)، ومطار تبليسي الدولي وأنبوب النفط باكو ـ تبليسي ـ سيهان (الذي ينقل النفط من بحر قزوين إلى تركيا)، ومدينة غوري (مكان ولادة جوزيف ستالين) كما فتحت جبهة جديدة من خلال الانتقال إلى إقليم آخر مثير للجدل هو أبخازيا، الذي لطالما شهد اشتباكات عرقية. وقال ساكشفيلي أيضاً ان الجيش الروسي فتح جبهة أخرى من خلال نقل وحدات من أسطوله على البحر الأسود إلى أبخازيا.
وأضاف الرئيس الجورجي ان التطهير العرقي للجورجيين في أوسيتيا وأبخازيا على الطريق. وتبين انه من الصعب التأكد من صحة المزاعم والمزاعم المضادة، فقد زعمت موسكو انها "حررت عاصمة أوسيتيا الجنوبية تسخينفالي بالكامل"، فيما ردت جورجيا بالإعلان عن إسقاط 12 مروحية روسية (تأكد من سقوط اثنين منهما).
وفيما يمضي غالبية صناع القرار في العالم الغربي، وغالبية السكان الغربيين، إجازات مع بداية الأسبوع الثاني من آب/أغسطس، من الواضح ان موسكو حسبت انها ستتمكن من إنهاء كل شيء قبل أن تبدأ التحضيرات للاحتجاجات في الشوارع في الغرب.
وكان الرئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين لا يزال في افتتاح الألعاب الأولمبية في العاصمة الصينية، بيجينغ، عندما دخلت الدبابات الروسية إلى جورجيا. وكان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف مسؤولاً عن موسكو وتعهد "بإجبار الطرف الجورجي على اختيار السلام".
يشار إلى ان بوتين واستراتيجيون العسكريون كان يغذون حقداً كبيراً ضد إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، وذلك بسبب الطريقة التي أعلن بها، من دون أية مشاورات مسبقة مع موسكو، عن نصب ترسانة دفاعية مضادة للصواريخ الباليستية بالإضافة إلى رادار في بولندا والجمهورية التشيكية، الهدف منهما حماية أوروبا والولايات المتحدة من الصواريخ الإيرانية ذات الرؤوس النووية والعابرة للقارات. وتقدر الإستراتيجية الأميركية أن تمتلك إيران هذه القدرة مع حلول العام 2011. وقد اغتاظت روسيا أيضاً من طريقة تجاهل العواصم الغربية للاعتراضات الروسية على الاعتراف باستقلال كوسوفو عن صربيا.
ولم تعد الولايات المتحدة تحتمل نفور فريق ميدفيديف ـ بوتين أكثر، فهي بحاجة لمساعدة روسيا في السيطرة على الطموحات النووية الإيرانية. لكن هذا الأمر قد لا يتحقق بعد الآن. ففي مطلق الأحوال، بات عدد من الدول الخليجية يشككون في ان الوقت قد حان ليقرر الرئيس بوش إعطاء الأوامر بتوجيه ضربة جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وأفادت صحيفة "كويت تايمز" ان مجموعتي حاملات صواريخ أميركية إضافية انطلقت باتجاه المنطقة، وأن الكويت بدأت في وضع اللمسات الأخيرة على "خطة حرب طارئة". لذا، يقول الساخرون ان هجوم روسيا المفاجئ ضد جورجيا والحرب الخاطفة الأكيركية و/أو الإسرائيلية ضد إيران قد تلغي بروباغندا التفوق التي يطلق كل منهما.
وبالنسبة للجورجي العادي، فقد تركهم الغرب يترنحون لوحدهم من دون الأخذ في الاعتبار بأن جورجيا في فترة اختبار للانضمام إلى الناتو وهي في مرحلة تطبيق "خطة عمل العضوية"، والأكثر رجاحة هو أن تعيد موسكو ضم أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية إليها، ولكل منهما لغتها الخاصة. والحقيقة هي ان مصداقية الناتو على المحك في أفغانستان، حيث تستهلك حركة طالبان الموجودات بشكل تدريجي.
وصحيح ان المقاتلين الأوروبيين في الناتو، أي بريطانيا وهولندا، وكندا ملتزمون بالمضي في العمليات القتالية لسنتين إضافيتين، إلاّ ان الأوضاع في أفغانستان تتطلب التزاماً لامتناهياً لما لا يقل عن 5 إلى 10 سنوات. وإذا فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما برئاسة الولايات المتحدة، فقد تعهد بنقل القوات من العراق إلى أفغانستان.
أما في باكستان، فما زالت الحكومة المدنية الجديدة بحاجة إلى الدعم في المناطق القبلية التي تجاور الحدود الأفغانية حيث لا تزال القاعدة وطالبان تدير عملياتها من دون عقاب. وكانت القوات الحدودية الباكستانية قد انسحبت من منطقة بيشاور القبلية بعدما لحقت بها خسائر بشرية كبيرة تلت 3 أيام من الحصار. وانتشرت الجثث والسيارات المحروقة في كافة أرجاء المنطقة.
وخلفت القوات الحدودية، التي حظيت بدعم من قاذفات الصواريخ والطائرات المروحية من نوع "كوبرا"، وراءها جثثاً وشاحنات وكميات كبيرة من الذخيرة. وعاد عناصر طالبان إلى وادي سوات، الذي يعتبر نقطة سياحية في باكستان، وارتدوا براقع لتخطي موقع للشرطة الباكستانية. وبعدما ربطوا أيدي ثمانية من رجال شرطة، عمدوا إلى إطلاق النار عليهم وقتلوهم جميعاً. والحقيقة هي ان حوادث مماثلة تتكرر يومياً.