قراءات

اوسكار وايلد: عودة إلى الأعماق، داخل سجنه

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تشارك أسماء كبيرة من الوسط الثقافي والفني مثل مارلين دوما وستيف ماكوين (مخرج حالي وليس الممثل الراحل)&وحتى باتي سمث في مبادرة هدفها تكريم واحد من أهم الكتاب والشعراء البريطانيين وهو اوسكار وايلد. وما يثير الإنتباه في هذا التكريم هو أنه يتم في سجن ريدينغ حيث أمضى وايلد سنتين كاملتين من حياته قادتاه لاحقا إلى حتفه محطما مكسور الجناح. وفي هذا السجن كتب وايلد اثنين من أهم أعماله وهما "من الأعماق" و "أنشودة سجن ريدينغ".&ويقع السجن في مدينة ريدينغ غرب لندن وظل سجنا حتى عام 2013 رغم سمعته السيئة جدا منذ بنائه في عام 1844 اعتمادا على أنموذج سجن بينتونفيل اللندني الشهير. وعرف ريدينغ بزنزاناته الضيقة والمعزولة إحداها عن الأخرى علما أنها صممت بطريقة تؤدي في النهاية إلى تحطيم نفسية السجناء وكسر شوكتهم كما نفذ فيه عدد كبير من أحكام الإعدام لاسيما خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكانت آخر عملية إعدام قد نفذت في عام 1913.&واكتسب سجن ريدينغ جزءا كبيرا من شهرته بعد أن أمضى فيه كاتب معروف مثل اوسكار وايلد سنتين من حياته إثر إدانته، في عام 1895، بموجب قانون وضع في عام 1885، بممارسة الرذيلة وإقامة علاقات مثلية أو ما تم التعبير عنه في ذلك الوقت بالشكل التالي "لاتيانه أفعالا منافية للأخلاق مع ذكور".&أشرفت على مبادرة تكريم اوسكار وايلد جمعية آرتانجيل الفنية مع إشراك عدد من مشاهير الأدب والفن والثقافة في العالم ومنهم وولفغانغ تيلمانس، فنان تصوير، وستيف ماكوين، من عالم السينما ومارلين دوما، وهي رسامة من جنوب أفريقيا، وروبرت غوبر وهو نحات اميركي. ويشارك كل من هؤلاء بالمبادرة التي تحمل إسم "في الداخل: فنانون وكتاب في سجن ريدينغ" وستستمر بين 4 أيلول/سبتمبر المقبل و 30 تشرين أول/اكتوبر 2016. وتتضمن الأعمال المعروضة لوحات جديدة لمارلين دوما وعملا نحتيا جديدا لروبرت غوبر فيما سيعرض المصور الأميركي نان غولدن صورا تعبر عن الحب والعواطف الجياشة. وتشارك النحاتة جوريس سالسيدو، &والفنانة البصرية والكاتبة روني هورن بأعمال ستعلق في ممرات أجنحة السجن المختلفة كما ستعرض أعمال للفنان البصري الراحل فيليكس غونزاليس توريس وستقدم المغنية والموسيقية باتي سميث عرضا موسيقيا، فيما سيقرأ مسرحيون بريطانيون مثل الممثلة ماكسين بيك والممثل بين ويشو، كل أحد على مدى الشهرين، أجزاءا من رسالة وايلد "من الأعماق" التي كتبها لألفريد دوغلاس والتي يعتقد أنها أطول رسالة خطها كاتب شهير.&
من الأعماق،&أمضى وايلد في سجن ريدينغ حكما بالسجن مع الأشغال الشاقة &لمدة عامين، أي بين 1895 و 1897 وتمكن من إقناع مدير السجن بالسماح له بالحصول على أوراق وحبر، شرط أن يعيد هذه المواد كل ليلة إلى سلطات السجن التي اشترطت أيضا اطلاعها على كل ما يكتب قبل مغادرة رسائله السجن. وكانت "من الأعماق" أهم رسالة كتبها من عمق سجنه حيث كان يشعر باليأس وبتدهور صحته وكانت موجهة إلى الفريد دوغلاس وتضمنت مشاعر كان من الواضح أن وايلد تركها تنفجر عبر كلماته دون خوف ودون وجل. ولم تنشر الرسالة إلا بعد وفاته في عام 1905 وقد اقتبس عنوانها من المزمور 130 في الكتاب المقدس حيث نقرأ "من الأعماق صرخت لك يا رب". & &&الفترة التي أمضاها أوسكار وايلد في السجن تركت أثرها الحاسم على حياته إذ لم يعش بعد إنهاء مدة حكمه غير ثلاث سنوات وكان في سن السادسة والأربعين. وتتضارب المعلومات حسب سبب موته إذ يقول البعض إنه إصيب بالحمى الشوكية إثر التهاب حاد في الأذن الوسطى فيما يعتقد آخرون أنه توفي بسبب مضاعفات مرض السفلس الذي كان قد أصيب به في شبابه وظن أنه شفي منه لاحقا.&أبدع وايلد في مجالات أدبية عديدة إذ كان شاعرا مبدعا وكاتب مسرحيات ملهم وروائيا بصيرا وهو ما ظهر واضحا في روايته الوحيدة "صورة دوريان غراي". وكان وايلد صحفيا لامعا أيضا وكاتب مقالات كلماته ثاقبة حادة وساخرة.&
حياتهولد وايلد في دبلن في 16 تشرين أول/اكتوبر عام 1854 لأسرة ناجحة من الطبقة المتوسطة العليا إذ كان والده طبيبا وجراح عيون معروفا في آيرلندا وكانت والدته كاتبة تنشر تحت إسم مستعار. وكان أوسكار الثاني من بين ثلاثة أبناء.&أغرم أوسكار الطفل بالأدب منذ الطفولة وأتقن تعلم الألمانية والفرنسية إلى جانب الإنكليزية منذ الصغر بفضل اهتمام أسرته ثم تعلم اللاتينية والإغريقية واتقنهما أيضا قبل أن يظهر تفوقا كبيرا في الدراسة في كلية ترينيتي حيث طور حبه للأدب الكلاسيكي ومعرفته به ثم حصل على منحة للدراسة في جامعة أوكسفورد حيث برزت قدراته الشعرية بشكل واضح وراحت قصائده تحتل مكانا خاصا في الصحف المحلية كما أصبح محط اهتمام واضح. وقد وصف وايلد دخوله هذه الجامعة بكونها منعطفا مهما في حياته.اشتهر وايلد إضافة إلى إبداعاته الأدبية بطريقة ارتدائه ملابسه إذ كان يختار ألوانا زاهية ويضع ورودا ويطيل شعره في تحد لمجتمعه المحافظ غير أن هذه البدع جعلته يتميز عن جميع أقرانه في جامعة اوكسفورد وفي الأماكن التي ارتادها لاحقا.بعد اوكسفورد انتقل وايلد إلى لندن وظل يتردد هناك على الأوساط الأدبية وأصبح محط إعجاب واهتمام في كل مكان ثم ما لبث أن سافر إلى الولايات المتحدة لإلقاء محاضرات عن الجماليات ثم عاد إلى اوروبا وتوجه إلى باريس حيث التقى مشاهيرها من أمثال فيرلين ومالارميه وزولا ودوديه وهوغو وعقد علاقة صداقة قوية مع روبير دو مونتسكيو وجون لوران ومارسيل بروست وأندريه جيد وسحرته الممثلة سارة برنارد.تزوج اوسكار في عام 1884 من كونستانس لويد وأنجب منها طفلين هما سيريل وفيفيان. مات الأول في الحرب العالمية الأولى فيما عاش الثاني إلى سن الثمانين وأقامت الأسرة في لندن وتحول منزله إلى ملتقى يرتاده الأدباء والكتاب والمثقفون وكتب خلال تلك الفترة مجموعة قصص للأطفال منها "الأمير السعيد وقصص أخرى" وشبح كانترفيل في عام 1887 ثم نشر دراسة تحمل عنوان "حقيقة الأقنعة عند شكسبير" وعمل بعدها مدير تحرير في مجلة "عالم المرأة" حيث كان يدافع عن قضايا المرأة وتحررها وهو ما ورثه عن والدته.&
صورة دوريان غريوفي عام 1890 نشر وايلد روايته الوحيدة "صورة دوريان غري" في مجلة ليبينكوت الأميركية الشهرية فأثار بها لغطا كبيرا ثم ما لبثت الرواية أن نشرت في انكلترا في شكل كتاب لتبدأ شهرة وايلد الأدبية الحقيقية. وصورة دوريان غري قصة غريبة عن صورة يشيخ صاحبها كل يوم بدلا من بطل الرواية دوريان. والأنكى من ذلك أن كل الخطايا والفواحش التي يرتكبها الأخير تنعكس على الصورة وتجردها من جمالها ونقائها تدريجيا. وصاحب الصورة هو بديل دوريان الذي لا يريد رؤيته وعندما يدرك ذلك يقرر إتلاف الصورة ولكنه هو الذي يموت. ويعتقد البعض أن وايلد كتب عن مصيره هو نفسه في هذه الرواية. &يتطرق هذا العمل إلى الخير والشر ولكنه ملئ أيضا بالسخرية من المجتمع حيث يستخدم وايلد لغة تهكم لاذعة من المجتمع الفكتوري ويرسم لنفاقه وغروره صورة كاريكاتيرية حادة. ويرى مختصون أن وايلد أراد الدفاع في روايته عن فكرته عن الفن والجمال وعن مفهومه عن موقع الفنان "الفنان غير موجود إلا ضمن العمل" وهي فكرة سنجدها لدى بروست أيضا. ودليله في ذلك أن الحياة تقود الإنسان إلى الموت فيما يقوده الفن إلى الخلود. ولكن أي نوع من الخلود حققه وايلد؟&&بؤس وانتقامبعد خروجه من السجن شبه محطم وشبه مدمر غادر وايلد بريطانيا بشكل نهائي ليمضي السنوات الثلاث الأخيرة من حياته في باريس في حال من البؤس والفاقة حيث وجد صعوبة في العثور على مأوى لضيق الحال واضطر إلى التسول بشكل أو بآخر ممن يعرفهم وأمضى أياما طويلة يتسكع في الشوارع لا يعرف أين ينام حيث انفض عنه كل أصدقائه ومعجبيه وهاجرت زوجته إلى ألمانيا مع ابنيها وغيرت اسم الأسرة لإلغاء اسم وايلد بسبب السمعة التي لحقت بها بسببه. وكان هذا الوضع المأساوي مثل انتقام المجتمع منه وتمرده عليه وتذكر مصادر أن جامعة اوكسفورد رفضت قبول ابنه فيفيان لكونه إبن اوسكار وايلد، رجل الفضائح، حسب قولهم.في 30 تشرين ثاني/نوفمبر عام 1900 مات واحد من أهم كتاب عصره وحيدا مهجورا ومعدما في أحد فنادق باريس الرخيصة على سرير بائس ولم يسر في جنازته غير أفراد معدودين بينهم عدد من الشعراء الانكليز، لكن اهمهم كان جيد وبروست. في البداية أحرق جثمانه في مقبرة بانيو ثم نقل رماده في عام 1909 إلى مقبرة بير لا شيز في باريس.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف