قراءات

"فتاة المصنع" لمحمد خان: بين نوستالجيا الزمن الجميل والواقعية السينمائية الساحرة

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في ظلمة الافلام التجارية السطحية والرخيصة والمتهافتة التي تغزو الساحة السينمائية المصرية، خرج علينا المخرج الباكستاني المصري **محمد خان منذ سنوات قليلة بفلم مختلف جعله نافذه على السينما البديلة او ما يمكن تسميتها أيضا بسينما المؤلف."فتاة المصنع" فيلم صدر أواخر سنة 2013 وحصد الجوائز ولا يزال رجع صداه ماثلا في المدونة النقدية السينمائية لحد الآن، وما دفعني للكتابة عنه هو عمق الجمل السينمائية الواردة فيه وجدلية شخصياته الحالمة، التي تحمل مشاعر عميقة ومتناقضة، إضافة للمعاني الفكرية والنفسية التي ضمنها المخرج محمد خان لهذ الفيلم.ولعل هذا المنطلق هو الذي جعل مسار التفكير في هذا الفلم يتسامى عن السينماتوغرافيا التقليدية والتحليل الفني الكلاسيكي للمرور رأسا صوب القيم الفنية والرمزية التي ضمنها خان لفلمه، ولاستجلاء ملامح المدرسة الواقعية الجميلة والساحرة التي جذبها الفيلم لفلكه.قصة الفيلم تدور حول فتاة مصرية كادحة في مقتبل العمر لم &يمنعها وضعها الاجتماعي المتردي وعملها في المصنع من الحلم بفارس يحملها بين ذراعيه ويطير بها لــ"جنّة" القفص الذهبي، لكن فارس احلامها لم يكن يحمل صفة الفارس وتخلى عنها في اول اختبار اجتماعي حول عذريتها وطبقتها، وتركها وحيدة تواجه المجتمع الظالم إلى أن ظهرت براءتها "سليمة بختم ربها" من التهم التي لفقت إليها وتجاوزت محنتها بقوة الانثى المنتصرة. & & &رومانسية في زمن البؤس &الواقع الاجتماعي الصعب لم يمنع بطلة الفيلم هيام، (الذي أدته ببراعة الممثلة المصرية "ياسمين رئيس")، العاملة في &مصنع للنسيج من الوقوع في هوى المشرف الجديد للمصنع &(يلعب دوره الفنان هاني عادل).&لقد حلمت هيام وزميلاتها في المصنع كثيرا بفارس الأحلام الذي سيأخذ بأيديهن لجنة الحب ويهرب بهن بعيدا عن قساوة حياتهن البائسة، لكن هيام الوحيدة التي كانت لها الجرأة النسوية الفطرية لتفرض أنوثتها العذبة على صلاح المشرف الجديد مما جعله يقترب منها اكثر فاكثر لتصل ذروة التقرب بينهما لقبلة، حصلت عليها بجدارة.هذه القبلة العابرة التي امتزجت فيها روحها بروح حبيبها في مشهد أشبه ما يكون بالحلم ستتحول فيما بعد لأشبه ما يكون بلعنة تمزق اجزاء حياة هيام اليومية وتبعثر سلامها وهدوءها لتجد نفسها وحيدة في مواجهة مجتمع محافظ مغلق عدواني لا يسمع من المرأة، ويجنح دائما للحكم على نواياها."سليمة بختم ربها"&العنف المادي والمعنوي الذي سلط على بطلة الفيلم بسبب شكوك حول فقدانها لعذريتها مع صلاح وعدم دفاعها عن نفسها جعل احداث الفيلم تتصاعد بنسق مغاير للجزء الأول من الفيلم، الذي يوحي بقصة رومانسية كلاسيكية.عدم دفاعها عن نفسها يأتي لطبيعة نسوية فطرية في شخصية هيام، فهي لم تخضع للضغوط وحافظت على انفتها وكبريائها ولم تبحث عن التبريرات او الدفاعات المسبقة، فهي تعرف جيدة انها بريئة وبانها لا حاجة لها في الدفاع عن شيء لم تقم به.&شخصيتها القوية وصمودها امام المجتمع جزء لا يتجزء من اندفاعها وجرأتها للظفر بحب حياتها المنشود. لكن انكساراتها وخذلانها لم يمنعاها من مواصلة عيش حياتها البسيطة بتفاصيلها وروتينها اليومي.الانتصار للذاتفي امتداد لخيط رفيع نسجه محمد خان في عدد من أفلامه (زوجة رجل مهم، أحلام هند وكاميليا، فتاة المصنع..) يواصل خان رفقة كاتبة سيناريو الفلم وزوجته وسام سليمان حبك ذات الروح الأنثوية المتمردة على الواقع والمجتمع الذكوري وسطوة الرجل الشرقي المتسلط. تلك الروح التي يملؤها التفاؤل والخيال برغم كل المثبّطات والمطبات الحياتيّة.وبالرغم من ان غالبية من تهجمن عليها من النساء (زميلاتها في المصنع، جدتها، جيرانها..) وبالرغم من تهجمهن عليها وتبادل الاتهامات فيما بينهن، إلا انهم في الأخير يقفن مع هيام بطلة الفلم خصوصا أمها وصديقتها &من المصنع.لقد تكرست فكرة الانتصار للذات الأنثوية المضطهدة بالتدريج في مختلف فصول الفيلم، وخصوصا في نهايته حيث تحضر هيام في ليلة زواج حبيبها من اخرى وترقص له وهي مشرقة وسعيدة ومنتصرة لذاتها ولروحها الجميلة المتمردة.& & كلمة أخيرة&في المحصلة، نجد أن الكاميرا في فيلم فتاة المصنع لعبت ما تلعبه ريشة الفنان المبدع، لقد رسمت لنا صورة واقعية جدا لكنها ساحرة لهوامش القاهرة العمرانية ولأحيائها الداخلية الفقيرة، مما جعلنا نقترب كثيرا من شخوص الفيلم ومشاكلهم وقضاياهم المعقدة.كما لم تخرج الزوايا والكادرات التي تواخاها خان في التقاط المشاهد والصور واللقطات عن تقاليده في هذا المجال عبر نقل الواقع كما هو وتصويره بالشكل المبدع بذاته - وهو أمر في غياية الدقة والحرفية - وهذا ما يكون زخمه الداخلي وجاذبيته الطبيعية.في الأخير، لم تكن لهذه الميلودراما (غير التقليدية) أن تينع لولا ريشة الفنان محمد خان الذي أضفى شيئا من السحر والجاذبية على أحداث وقصص كنا نلتقي بها ونراها دائما وكثيرا في زحمة الحياة اليومية دون ان نعيرها الأهمية اللازمة.&إذ لم تكن قصص الغرام الفاشلة وقضية العذرية وغيرها من المواضيع التي طرحها الفيلم لتجذبنا إليها في اليومي الروتيني لولا كاميراهات المخرج محمد خان الذي اعطت لهذه المواضيع بعدا رابعا وخامسا وسادسا وقدر ما نشاء من الأبعاد..&هكذا هو دور المبدع الأصيل، يخرج بنا من النمطية الواقعية الجافة ليقدم لنا مشاهد وفصول من حياتنا مرفودة بالسحر والخيال والنوستالجيا، ويبعث الحياة في كل ما يلمسه.*صحافي تونسي مقيم بالدوحة**كنت بصدد كتابة هذا المقال عندما علمت بوفاة المخرج الباكستاني المصري محمد خان رحمة الله. أرجو أن يكون هذا المقال مساهمة ولو بسيطة جدا في التعريف بأعمال الرجل وإنصافه قدر المستطاع لما قدمه من أعمال فنية خلدت اسمه في المدونة السينمائية العربية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف