قراءات

أفضل تقرير صحفي في القرن العشرين: يوم كشف كاتب حقيقة هيروشيما

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
&ترجمة ميسون أبو الحب: قبل سبعين عاما من الآن، كان عام قد مر على انبثاق العصف الذي دمر مدينة هيروشيما، وعلى إعلان وزارة الدفاع الأميركية بأن "الهدف اختفى تحت سحابة كثيفة من الأتربة والدخان". ففي عام 1946 كانت رؤية الهدف قد أصبحت ممكنة مرة أخرى من خلال الرادارات، كما أصبحت معرفة ما حدث حقا في هذه المدينة ممكنة أيضا، من خلال تقرير قرأه مئات الآلاف من الأميركيين ومئات الآلاف من سكان دول أخرى. ويحمل التقرير عنوانا من كلمة واحدة هي "هيروشيما" كتبه الصحفي والروائي جون هيرسي الذي كان واحدا من أوائل الصحفيين الأجانب الذين زاروا المدينة بعد عام تقريبا من تعرضها إلى التدمير بقنبلة ذرية ونشرته مجلة نيويوركر في 31 آب 1946 ليعتبر لاحقا أفضل تقرير صحفي كتب في القرن العشرين.&في ذلك اليوم صدرت مجلة نيويوركر وعلى غلافها الخارجي رسم يصور مواطنين يمضون أوقاتا سعيدة وممتعة تحت أشعة شمس ساطعة وتنتشر ألوان بهية زاهية في كل مكان ويمضي آباء وأمهات أوقاتا ممتعة بصحبة أطفالهم وأفراد أسرهم. ولكن لم تكن هناك أي علاقة بين ما نشرته المجلة بين الغلافين وهذه الصورة التي اختارها مسؤولا التحرير هارولد روس ووليم شو. ففي الداخل يطلع المرء على نص يصيبه بصدمة كبيرة، هو عبارة عن سرد لقصة تدمير مدينة هيروشيما اليابانية بقنبلة ذرية. وسرعان ما تتحول أجواء المرح التي يلمسها المرء في صورة الغلاف إلى إحساس عميق جدا بالألم، وكأن ما أراد مسؤولو التحرير قوله "قصة هيروشيما، ما قبل وما بعد".&ويقول روس وشو في مقدمة لتقرير جون هيرسي "إلى قرائنا. تخصص مجلة نيويوركر هذا الأسبوع كل المساحات التحريرية المتوفرة لتقرير عن إفناء مدينة بقنبلة ذرية وعما حدث لسكانها، مع قناعة بأن القليلين منا فقط يعرفون القدرات الهائلة لهذا النوع من الأسلحة، ولكي نفسح المجال لكل شخص للتفكير في النتائج المرعبة التي تنجم عن استخدامه".&وتمهد هذه الفقرة البسيطة والقصيرة لنص يتكون من 31 ألف كلمة لا ترافقها أي صورة ويحمل عنوان "هيروشيما".كان من المقرر في البداية أن يصدر التقرير في أربعة أجزاء ولكن مسؤول التحرير وليم شو ارتأى، في سابقة فريدة من نوعها، أن يخصص نسخة المجلة التي تصدر في الحادي والثلاثين من آب/اغسطس من عام 1946 لتقرير واحد لا غير. وأرسلت إدارة المجلة قبل يوم النشر بأيام نسخا من التقرير لأهم الصحف الأميركية اليومية، ثم ما لبثت أن باعت يوم النشر300 ألف نسخة. ويقال إن البرت اينشتاين أراد شراء ألف نسخة لتوزيعها على زملائه العلماء علما أنه كان قد تحدث عن القنبلة A في عام 1939 وهو ما أثار الكثير من اللغط عن هذا السلاح الجديد في ذلك الوقت. وفي 1946 عاد الحديث عن القنبلة إلى صدارة المشهد الإعلامي الأميركي والعالمي.&ولكن بم يختلف هذا التقرير عن غيره؟. كلنا نعرف حاليا ماذا حدث لهيروشيما وفي هيروشيما ومدى الدمار غير المسبوق الذي سببته القنبلة الذرية. نعرف الآن أيضا عدد الضحايا الذين سقطوا والثمن البشري الذي ظل يكبر رغم مرور سنوات عديدة على الحدث. أما في ذلك الوقت، فما كان أحد يدرك أو يعرف كل هذه الحقائق وكانت هيروشيما قصة يلفها الكثير من الضباب والغموض. أما في الوسط الإعلامي فكانت قصة المدينة معروفة ولكن ليس قصص الناس والسكان وهو ما ركز عليه هيرسي بالتحديد وما اكتشفه قراء نيويوركر بعد قراءتهم التقرير.يبدأ النص بالشكل التالي: "في الساعة الثامنة وخمس عشرة دقيقة تماما من صباح السادس من آب/اغسطس 1945، بالتوقيت المحلي، وفي اللحظة التي انفجرت فيها القنبلة فوق هيروشيما، كانت الآنسة توشيكو سازاكي، الموظفة في قسم الأفراد في شركة ايست ايزا تن ووركس، قد جلست لتوها إلى مكتبها والتفتت لتتحدث إلى زميل لها في العمل".... ثم تستمر القصة بهذه الطريقة.&
أسلوب غير مسبوقفي البداية، طلبت مجلة نيويوركر من هيرسي الذي كان مستقرا في ذلك الوقت في اليابان، تقريرا عن المباني التي لحقها الدمار في هيروشيما. ولكن الكاتب قابل 6 ضحايا، فقرر أن يروي قصصهم في تقريره مع شرح لما كانوا يفعلون عندما انفجرت القنبلة. وكان هذا الأسلوب غير مسبوق في ذلك الزمان. &ولد جون هيرسي في عام 1914 في تيانجن في الصين، وكان في العاشرة من عمره عندما غادرها مع والديه اللذين كانا يعملان ضمن بعثة تبشيرية، ليعود إلى الولايات المتحدة علما أنه تعلم الصينية قبل تعلم الإنكليزية. وبعدها درس في جامعة ييل وأصبح عضوا في جمعية سرية هي الجمجمة والعظام ثم درس في كامبردج. وفي عام 1937، كان في الثالثة والعشرين عندما بدأ يميل إلى الكتابة ثم ما لبث أن وجد عملا كسكرتير خاص للكاتب سنكلير لويس، وهو أول أميركي يتسلم جائزة نوبل للآداب. وأيا كانت أهمية الكاتب، لم يحب هيرسي عمله فانتقل في خريف العام نفسه ليعمل في صحيفة التايم بعد كتابته مقالة انتقدها فيها. وبعد عامين، إنتقل إلى مكتب شونغبنغ في الصين ليصبح مراسلا هناك وكان يكتب عن الحرب وعن قصصها الجانبية. &&وفي عام 1945 نشر هيرسي "جرس لآدانو" وهي قصة عن ضابط إيطالي أميركي في صقلية خلال الحرب العالمية الثانية تمكن من كسب احترام سكان بلدة آدانو لأنه ساعدهم في الحصول على جرس لكنيسة البلدة ليحل محل الجرس القديم الذي وضعت السلطات الفاشية يدها عليه رغم ان عمره 700 عام وقامت بإذابته لتحويله إلى أسلحة. وبفضل هذه الرواية حصل الكاتب على جائزة بولتزر.وفي العالم اللاحق صدرت "هيروشيما" وهي نص صادم ومؤلم وصف فيه بدقة متناهية ما حدث لضحايا القنبلة، وشرح مثلا أولى إشارات الإصابة المتمثلة بنزيف في منطقة اللثة وكتب يقول "ينخفض عدد الكريات البيض في الدم بشكل حاد فيما تتفجر شعيرات الجلد الدموية في مناطق الأنسجة المخاطية. وعادة ما يؤدي انخفاض عدد الكريات البيض إلى تقليل قدرة الجسم على مقاومة الإلتهابات".&وعدا الضحايا، يصف هيرسي أيضا مدينة فقدت ألوانها. ويكتب "تركت القنبلة آثارا على الجدران هي عبارة عن ظلال الأشياء التي أصابها البريق (...) ما نلبث أن نكتشف أن هناك صورا لهياكل عظمية على الجدران، مثل صور سالبة". ولم يعرف هيرسي في ذلك الوقت بأن روايته تلك ستتحول إلى مرجع، ولفترة طويلة بعد الحدث، باعتباره النص الذي كشف للعالم أجمع حقيقة المأساة الفعلية التي مرت بها هيروشيما.&أسس هيرسي أسلوبا مختلفا في سرد قصص المدينة المدمرة وسكانها بطريقة روائية، وهو نمط لم يكن مطروقا في ذلك الوقت، وقد سمي لاحقا في عالم الصحافة المكتوبة ب "الصحافة الجديدة". ويرمز هذا التعبير إلى استخدام أسلوب روائي في سرد قصص ضمن تقرير صحفي قد يتضمن أحيانا وجهات نظر متعددة وحتى حوارات. وقد انتشر هذا الأسلوب بشكل واسع في الولايات المتحدة في نهاية ستينات القرن الماضي واستخدمه كثيرون، ومنهم توم وولف، ترومان كابوت، نورمان ميلر، هانتر ايس تومبسون. ولكن بداية الصحافة الجديدة وجذورها كانت في 31 آب/اغسطس 1946.&ويكتب هيرسي في ذلك التقرير، "بقلم صحفي أراد أن يفهم".... "مات مئات الآلاف من الأشخاص بقنبلة ذرية، ويتساءل من بقوا على قيد الحياة، لماذا كثيرون آخرون ماتوا، ولماذا ما يزالون هم على قيد الحياة؟".&
(التقرير الأصلي في نيويوركر http://www.newyorker.com/magazine/1946/08/31/hiroshima)&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف