التعرّف الخاطئ على الروائح يحدث لدى المرضى في طور التعافي
استعادة الشمّ معركة مئات آلاف الإسبان بعد أشهر من الإصابة بكوفيد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
برشلونة: باتت إينكارنا أوفييدو عاجزة عن معرفة ما إذا كانت رائحة جسمها طيبة، لذا أصبحت تكثر من الاستحمام... فهي فقدت منذ سنة ونصف سنة حاسة الشمّ بسبب كوفيد-19 وتكافح لاستعادتها على غرار آلاف المرضى الآخرين.
وتقول هذه الستينية المقيمة في مدينة تيراسا شمال غرب برشلونة "حتى القهوة لم أعد أشمّ رائحتها!"، منذ إصابتها بفيروس كورونا في الموجة الأولى للوباء في ربيع 2020.
وفيما كانت الدولة المذعورة حينها تحصي موتاها، كانت تشعر بأنها محظوظة لأنّ إصابتها كانت طفيفة نسبيًّا، كما أنّ فقدانها حاسة الشمّ كان تفصيلًا بسيطًا بالنسبة للأطباء المثقلين بالأعباء.
فقدان حاسة الشمّ
وبفضل حملات التطعيم، تباطأ تفشي الوباء لكن ما لا يقل عن نصف مليون إسباني ما زالوا فاقدين للشم، حسب تقديرات الطبيب يواكيم مولول، مدير قسم أمراض الشمّ في مستشفى كلينيك في برشلونة وأحد المتخصّصين القلائل في البلاد قبل الجائحة.
ويوضح مولول "يحدث فقدان حاسة الشمّ لدى حوالى 70% من المرضى المصابين بكوفيد". وما يقرب من ربع هؤلاء لم يستعيدوا الحاسة بالكامل، وقسم كبير منهم لا يستشيرون طبيباً.
أما للذين يفعلون ذلك، فإنّ الأخبار ليست مطمئنة للغاية لأنّ العلاج الوحيد الذي أثبت فعاليته حتى الآن هو التدريب على الرائحة، وهي عملية طويلة.
وحدة متخصّصة
في مواجهة العدد الكبير من الحالات، أنشأ مستشفى موتوا تيراسا الواقع على بعد حوالى ثلاثين كيلومترًا من برشلونة، في شباط/فبراير الفائت وحدة مخصّصة لمشكلات الشمّ على غرار مؤسّسات أخرى في البلاد.
وقد عولج في هذه الوحدة حوالي 90 مريضًا، معظمهم مصابين بما يسمى كوفيد طويل الأمد. وبعد تقييم أول، يشرعون في جلسات إعادة تأهيل بمعدل مرة في الأسبوع لمدة أربعة أشهر يحاولون خلالها التعرّف على الروائح.
وفي نهاية الرحلة، يستشيرون طبيبًا متخصّصًا في أمراض الأنف والأذن والحنجرة ثم يخضعون لاختبار جديد.
"عسل، فانيليا، شوكولا أم قرفة؟"... يقدّم الطبيب الإختصاصي هذه الإحتمالات إلى إينكارنا أوفييدو لدى إعطائها أحد أنابيب الإختبار العطرية الـ48. وتجيب الستينية بتردّد "فانيلا؟"، هي التي تفتقد كثيرًا روائح الملابس النظيفة بعد الغسيل في المنزل.
أصيبت كريستينا فالديفيا أيضًا بكوفيد-19 في آذار/مارس 2020 ما أفقدها حاسة الشمّ لمدة ثلاثة أشهر قبل استعادتها، لكن بشكل سيء. وتشرح المرأة البالغة 47 عامًا المقيمة في برشلونة "بدأت أشتمّ رائحة احتراق في كل شيء، كما لو كان أنفي فوق مقلاة".
بعد أشهر من الألم والإستشارات لمتخصّصين كثر، طرقت كريستينا باب مستشفى كلينيك في برشلونة، حيث تم تشخيص حالتها بأنها مصابة بما يُعرف بمرض باروزميا، وهو إدراك مشوّه للرائحة.
والخبر السار هو أنّ التعرّف الخاطئ على الروائح يحدث عادة لدى المرضى في طور التعافي.
لكن للتأكّد من استعادة حاسة الشمّ لديها، تقحم كريستينا أنفها مرتين يوميًّا في ستة صناديق برائحة مختلفة. وهي تشتمّ محتوى كل منها لتجديد قدرات الشمّ لديها. وتفرض بعض الروائح، مثل الحمضيات، نفسها فيما البعض الآخر يبقى عصيّاً عليها.
وقالت "مع القهوة، الأمر مريع. الرائحة أشبه بمزيج من البنزين وشيء متعفّن".
غيابها يعقّد الحياة
رغم قلّة الإهتمام بحاسة الشمّ مقارنة مع حواس أخرى، إلّا أنّ الروائح، أو بالأحرى غيابها يعقّد الحياة أكثر مما يُعتقد.
لم تتمكّن كريستينا حتى الآن من استعادة رائحة ابنها. مع أشخاص آخرين يكون الأمر أسوأ. وتقول "أعانق حماتي ووالدتي فأشمّ روائح نتنة... من الصعب التعامل مع كل ذلك".
ويوضح مولول أنّ حاسة الشمّ "تتيح لنا شمّ رائحة ما نأكله وما نشربه، والتواصل مع العالم الخارجي".
ويشير إلى أنّ الشمّ "يتيح رصد أمور قد تكون خطرة، مثل تسرّب الغاز والأطعمة الفاسدة. وعندما يُحرم الشخص منه، فإنّه ينقطع عن العالم" ، متحدّثًا عن مرضى يعانون من الإكتئاب أو فقدان الوزن المفاجئ.
وقد سئمت إينكارنا من عدم القدرة على تذوّق الطعام، ما تسبّب لها بفقدان الشهية... لكنها لا تزال متفائلة، إذ تقول "سأستيقظ من النوم يومًا ربما وأشمّ شيئًا ما".