صحة وعلوم

ظواهر الطقس الحادة أسرع من استعدادات العالم

الأمم المتحدة تُحذّر من خطط تؤدي لـ"سوء التكيّف" مع التغيّر المناخي

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تُحذّر من مخاطر الفيضانات
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

باريس: أكّد تقرير للأمم المتحدة عن تبعات التغيّر المناخي صدر هذا الأسبوع أنّ تزايد ظواهر الطقس الحادة التي تتسبب بضحايا يسير بوتيرة أسرع من استعدادات العالم، محذرا من أنّ فجوة التكيّف ستستمر بالاتساع في ظل المعدلات الحالية لخطط التكيّف وتنفيذها.

وأصبح إيجاد طرق للحدّ من تداعيات الاحترار المناخي أمراً ملحّاً، سواء من خلال الزراعة المستدامة أو المحاصيل المهندسة وراثياً لتعزيز الأمن الغذائي، أو عبر استعادة غابات المانغروف أو بناء سدود بحرية لمواجهة ارتفاع مستوى المحيطات، أو من خلال إنشاء ممرات خضراء في المدن أو اللجوء إلى نظام تكييف الهواء لتخفيف موجات الحر القاتلة.

ويدق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المؤلف من 3650 صفحة ناقوس الخطر حول فشل خطط وُضعت للتعامل مع التبعات المناخية، مطلقاً على هذه المسألة مصطلح "سوء التكيّف".

ويقول الأستاذ في جامعة كلارك إد كار الذي تولى إدارة إعداد فصل من التقرير "تبيّن لنا أنّ مشاريع التكيّف غير فاعلة في حالات كثيرة"، مشيراً إلى أنّ "بعضها جعل الأمور تسوء".

وعلى سبيل المثال، قد يساعد بناء سد لمنع الفيضانات في المدن في حماية منطقة صغيرة لفترة زمنية محدودة.

وشرحت فريدريكا أوتو من "إمبيريال كولدج لندن" أن "أي إجراء يؤدي إلى عواقب سلبية ويجعل الأمور أسوأ على المدى البعيد، يندرج في إطار سوء التكيّف".

وترى أوتو أنّ الناس لا يدركون غالباً دور الخيارات السيئة في الكوارث، كبناء منازل في سهل فيضي مثلاً.

وتضيف في حديث لوكالة فرانس برس أنّ "الاكتفاء بإلقاء اللوم على التغيّر المناخي يؤدي الى سوء تكيّف".

وتنتج عن التدابير المتخذة لمواجهة ظواهر التغير المناخي عواقب غير مقصودة في بعض الأحيان.

وأجرى الأستاذ المساعد في جامعة ويست فلوريدااكوامي أوسو-داكو تحقيقاً عن عواقب إقامة جدران بحرية أمام قرية صيد صغيرة قرب مصب نهر فولتا في غانا لمنع تآكل الشواطئ الناجم عن العواصف وارتفاع منسوب المياه.

وأسفر تشييد هذه الجدران البحرية عن نتائج إيجابية، إذ عملت بشكل جيّد لدرجة أنّ مطوّراً عقارياً مهماً استثمر الأرض بالتعاون مع الحكومة المحلية وبنى شاليهات فخمة.

وقال أوسو-داكو في مقابلة إنّ "الأشخاص الذين كانوا يعيشون هناك طُردوا من الأرض"، واصفاً النتيجة بأنّها مثال على "انتهازية سوء التكيف".

واعتبر تقرير الهيئة الاممية أنّ الأمر لم ينطوِ على ظلم فحسب، بل قد لا يعطي أيضاً النتيجة المستدامة المتوخاة.

وأضاف أنّ الجدران البحرية والسدود وبوابات التحكم في الفيضانات "توجِد ارتهاناً طويل الأمد للهشاشة والمخاطر التي يصعب تغييرها وينطوي على كلفة كبيرة".

وفيما يمكن للإنشاءات ذات الهندسة الصلبة أن تحمي من الكوارث إلى حدّ معين، تحمل كذلك "وهماً بعدم وجود مخاطر".

ويمثّل نقص البيانات مصدراً آخر لسوء التكيّف.

وقال مؤسس مركز "أفريكا باور شيفت" محمد أدو إن "من الممكن التكيّف فقط مع الأمور التي تتوافر معرفة بها"، مضيفاً "لا نعرف في أفريقيا مثلاً إلّا القليل، فكيف تنشئ أنظمة إنذار مبكر لظواهر الطقس الحادة من دون بيانات؟".

ومع أن البنى التحتية الحديثة من طرق ومبان وأنظمة صرف صحي يفترض أن تخدم أهداف التنمية والتكيف على السواء، قد لا تتناسب إنشاءات كثيرة مع عالم ترتفع درجة حرارته 1,5 درجة مئوية، ويمكن أن يصل هذاالارتفاع إلى درجتين أو ثلاث درجات مئوية مقارنةً بمستويات عصر ما قبل الصناعة، بحسب الخبراء.

وارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض حتى الآن 1,1 درجة مئوية مقارنة بما كانت عليه خلال هذا العصر.

وقال باتريك فيركوين من المركز العالمي للتكيف "يحدث سوء التكيف عند محاولة حل مشكلة ما وينتهي الأمر بالتسبب في مشكلة أخرى".

وبيّنت دراسة أجريت على أكثر من 300 مبادرة للتعامل مع التغير المناخي ذُكرت في التقرير الاممي، أنّ ثلث هذه المبادرات قد تحمل عواقب غير مقصودة وسلبية.

وأظهر تحليل مفصّل لثلاثة مشاريع في كمبوديا لتعزيز الري وحماية الغابات وزراعة الأشجار أنها انطوت على "انتهاك حقوق المجتمعات المحلية وتدمير الموائل الحيوية".

ولاحظ التقرير "تجاهل المانحين الدوليين والسلطات الوطنية على السواء" لاحتمال حدوث سوء تكيف.

وتتكرر أنماط أخرى من سوء التكيف خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية.

ويُروى ثمانون في المئة من الأراضي المستخدمة لزراعة المحاصيل الغذائية بمياه الأمطار، وهي معرضة بالتالي لموجات الجفاف التي تفاقمت بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

ويمثّل الريّ استجابة التكيف الأكثر شيوعاً للجفاف، لكنّ هذا الحلّ الحيوي المحتمل يمكن أن يسبب مشاكل تتعلق به.

ويمكن أن يؤدي استخراج المياه الجوفية للريّ إلى استنفاد طبقات المياه الجوفية، ما يجعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري ويفاقم ظروف الجفاف.

أما بالنسبة إلى موجات الحر، فيمكن أن يمثّل اللجوء إلى تكييف الهواء حلّاً منقذاً للحياة، خصوصاً في مناطق يُتوقع أن تشهد زيادة في ما يُطلق عليه أيام الحر القاتلة.

وقال التقرير في هذا الإطار "على المستوى المجتمعي، إنّ تكييف الهواء غير تكييفي لأنه يتطلّب الكثير من الطاقة ويُقترن بانبعاثات الغازات، وخصوصاً في المدن ذات الكثافة السكانية العالية".

وتكييف الهواء باهظ الثمن كذلك، إذ وجدت دراسة أجريت في العاصمة الفيتنامية هانوي أنّ بعض الأشخاص لا يستخدمون مكيفات الهواء لأنّ تشغيلها مكلف جداً.

ولم تولِ مفاوضات الأمم المتحدة في شأن المناخ التي انطلقت قبل ثلاثين عاماً اهتماماً بمسألة التكيّف بهدف الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة.

لكنّ قمة كوب-26 التي اتعقدت في غلاسكو الخريف الماضي، ساعدت في استعادة التوازن، وأطلقت عملية مدّتها عامان لتحديد أهداف التكيّف وتوفير التمويل اللازم.

وقال أدو "ينبغي النظر إلى شرم الشيخ على أنّه مؤتمر الأطراف للتكيّف"، في إشارة إلى الاجتماع المناخي المعتزم عقده نهاية العام في مصر.

وسيمثّل تجنّب أنواع سوء التكيّف التي ركّزت عليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي في تقريرها الهدف الرئيسي للعملية السياسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف