تقنيات ومتغيرات تفرض نفسها على مستقبل الصناعة الصحافية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كشفت صحيفتا التايمز وصنداي تايمز البريطانيتان اخيرا عن الشكل الجديد لموقعيهما الإلكترونيين على شبكة الإنترنت. الا انه لن يكون من المتاح الاطلاع عليهما إلا لمن سيدفع مقابل مشاهدة المحتوى اعتبارا من الشهر المقبل، ليثير ذلك نقاشا بشأن الطريقة التي ستمول من خلالها الصحافة ذات المحتوى الجيد في المستقبل.
سبق للصحيفتان أن أعلنتا الشهر الماضي عن أنهما على وشك البدء بفرض رسوم على القرّاء مقابل الاطلاع على نسختيهما الإلكترونيتين على شبكة الإنترنت. وفي الوقت الذي يتاح فيه الآن أمام الملايين من المستخدمين أن يطلعوا بصورة مجانية على ما تنشره صحيفة التايمز من محتوى عبر موقعها الإلكتروني ( timesonline.co.uk )، إلا أنه واعتباراً من حزيران / يونيو المقبل، سيُعرض على المستخدمين إمكانية الاطلاع على المحتوى الإلكتروني للصحيفتين مقابل 2 جنيه إسترليني أسبوعياً، أو الحصول على المحتوى بصورة يومية مقابل جنيه إسترليني.
وفي الوقت الذي أكدت فيه صحيفة التايمز اللندنية عبر تقرير نشرته اليوم حول هذا السياق على أن هذا القرار جاء ليثير زوبعة من الجدل، مضت لتنقل عن دانيال فنكلستين، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة التايمز، قوله :" نعلم أن الناس سيدفعون مقابل الاطلاع على ما تنشره التايمز من محتوى، لأنهم يفعلون ذلك. ونحن هنا إذ نتأكد فقط من أنهم يقومون بذلك على كافة الأنظمة الأساسية لدينا".
في المقابل، لم تتجاهل الصحيفة العديد من الأقاويل التي تم ترديدها، اعتراضا ً على تلك الخطوة، وكان من بينها: أن المعلومات التي تتوافر على الإنترنت "تحتاج" لأن تكون مجانية؛ وأن أحداً لن يقوم بدفع أموال مقابل الاطلاع على محتوى حين تتوافر بدائل لائقة ومجانية في أماكن أخرى؛ كما لم يسبق أن ظهرت فاعلية طريقة الـ "paywalls " من قبل.
لكن في غمرة النقاش بشأن الطريقة التي ستُمَوَّل من خلالها الصحافة في المستقبل، لم يشر أحد المعلقين الجادين إلى أن بإمكان الصحافة أن تستمر في مسارها الحالي. وهنا، تلفت الصحيفة إلى أن ما يزيد عن 100 صحيفة قد أغلقت في الولايات المتحدة الأميركية خلال العام الماضي فقط. وفي غضون ذلك، قالت شركة "نيوز كوربوريشن"، الشركة المالكة لصحيفة التايمز، إن باقي الإصدارات التابعة لملكيتها، وهي "ذا صن"، و"ذا نيوز أوف ذا وورلد"، سوف تبدأ في فرض رسوم على محتواها الإلكتروني نهاية العام الجاري. بينما وصفت ريبيكا بروكس، الرئيس التنفيذي للشركة، تلك الخطوة بـ "اللحظة الحاسمة بالنسبة للصحافة".
ثم انتقلت الصحيفة لتشير في هذا السياق لتلك التصريحات التي أدلى بها الأسبوع الماضي جيمس موردوخ، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "نيوز كوربوريشن" أوروبا، والتي تحدث فيها عن ضرورة الاعتراف بحقوق المؤلف والمبدع وحمايتها، وقال فيها :" لدينا واحد من أكبر أطقم العمل سواء من الصحافيين أو من المحررين، ونبقي على مجموعة لا تضاهى من المراسلين الأجانب، والمتعاونين، ولدينا مكاتب في جميع الأماكن. نحاول أن نُلحق قيمة عادلة وسعر عادل بالصحافة التي نقدمها. فما الأمر المثير للجدل في شأن كهذا ؟". من جانبه، قال روي غرينسليد، المُعلِّق الإعلامي المخضرم، إن جميع الأعين، هنا، وبجميع أنحاء العالم، ستسلط على تجربة الـ "paywall" الكبرى. وأضاف:" هذان الشهران سيكونا رائعين بمجرد أن تبدأ الصحف التي تعاني من عثرات في فرض رسوم على القراء".
إلى هنا، تؤكد التايمز على أن القائمين على الصحافة ارتكبوا خطيئتهم الأصلية في نهاية تسعينات القرن الماضي. فعندما أطلقت الصحف مواقعها الإلكترونية الوليدة، اتخذت قرارا ً بعدم فرض رسوم على من يطَّلِع عليها، رغم أن قليلين كانت لديهم القدرة على تخيل الطريقة التي سيغير بها الإنترنت صناعة الصحافة. وقد تنامي الخوف لدى كثيرين، مثلما هو حالهم الآن، من أن يقوم جمهور قرائهم المتنامي على شبكة الإنترنت بالتهام نسخهم المطبوعة. ثم تلفت الصحيفة لتلك التجارب غير الناجحة إلى حد بعيد التي خاضتها صحف مثل التايمز، والغارديان، والإندبندنت، والدايلي ميل، والدايلي تلغراف في مراحل مختلفة خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، لفرض رسوم على قراء شبكة الإنترنت أو لحث مستخدميهم على التسجيل بغية مشاهدة مواقعهم.
وحول ما إن كانت الإعلانات التي يتم نشرها على المواقع الإلكترونية كافية بمفردها على تعويض الانخفاض المطرد لمبيعات الصحف، نقلت الصحيفة عن آلان روسبريدغر، رئيس تحرير صحيفة الغارديان، قوله"يجب أن تكون عائدات الإعلانات الرقمية المتزايدة قادرة على تمويل المحتوى الإلكتروني. والدليل الذي يمكننا أن نستقيه من التايمز، وصحف أخرى عديدة في الصناعة، هو أن تلك المسألة ليست القضية". وتعاود التايمز مرة أخرى لتقول إنها كصحيفة ستواجه في المستقبل المنظور بديل مجاني ضخم متمثل في موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. لكن صحافة الهيئة يُدفع لها من قِبل الجمهور الذي يدفع رسوم ترخيص قيمتها 145.50 إسترليني سنويا ً. وهو ما جعل الصحيفة تقول إن الوقت قد حان بالنسبة للصحافة غير المدعومة كي تعثر على طرق تموِّل من خلالها ما تقدمه من محتوى.
ثم تلفت الصحيفة إلى ما حققته صحف أخرى من نجاح متفاوت المستوى بشأن الاشتراكات الرقمية، وتشير في هذا الجانب إلى الأرباح الجيدة التي حققتها صحيفتي وول ستريت جورنال الأميركية وفاينانشيال تايمز البريطانية لقاء فرضهما رسوماً على نسختيهما الإلكترونيتين. وفي هذا السياق، تنوه الصحيفة إلى نبرة التفاؤل السائدة لدى الطاقم الرقمي المسؤول عن "التايمز" في ما يتعلق بأن الجمهور سيجد موقع الصحيفة الجديد جذابا ً بما فيه الكفاية ليقوم بدفع الرسوم المفروضة للاطلاع على المحتوى.
وفي غضون ذلك، تشير الصحيفة إلى أن الجمهور أصبح مستعدا ً بصورة متزايدة لإنفاق المال كي يشاهد ما يحتاجه من محتوى على شبكة الإنترنت. وهو ما ترى الصحيفة أنه يعود بالنفع على كافة أوجه الاقتصاد. حيث أظهرت بيانات أعدتها مجموعة IMRG البريطانية للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت، أن سوق البيع بالتجزئة على الانترنت في بريطانيا يقدّر بـ 50 مليار إسترليني. كما يعتقد كثيرون بأن عقلية صناعة الصحافة قد تغيرت الآن. وهنا، تنقل الصحيفة عن دوغلاس مكابي، أحد محللي إندرز أنالسيسز، قوله :" من الوارد تماما ً ألا يحذو أحد حذو التايمز، لكن من السخف الظن أن أيا ً من الصحف الأخرى لن تفكر في السير على هذا الدرب".